تقارير

المرأة اليمنية في قبضة الحوثيين.. 11 عاما من القمع والابتزاز

تقرير خاص

منذ سبتمبر 2014، وتحديدًا بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، بدأت حياة النساء في اليمن تنزلق إلى ظلمات لم يعرفنها من قبل. لم تعد القصص عن الحرب مجرد أرقام أو أخبار عابرة، بل أصبحت وجوه النساء، أسماؤهن، وخوفهن اليومي، شاهدة على مأساة ممنهجة. النساء في مناطق الحوثيين لم يكن عليهن مواجهة الموت الناتج عن الصراع المسلح فحسب، بل صرن هدفًا مباشرًا لسياسة قمع منظمة، تشمل الاعتقال، التجنيد القسري، العنف الجنسي، وحرمانهن من أبسط الحقوق.

كل امرأة تحمل قصة مختلفة، لكنها جميعًا تحمل صدى صرخات مجتمع كامل يُخنق. في هذا التحقيق، نحاول نقل هذه الأصوات كما هي، بكل أبعادها الإنسانية، مع رصد الواقع الحقوقي والإنساني، وإظهار آثار هذه السياسات على النساء اليمنيات وأسرهن.

الاعتقالات والتعذيب

في ليلة صيفية حارة عام 2019، جلست مريم، صحفية وناشطة حقوقية، أمام هاتفها المرتجف. كانت عائدة من مقابلة مع معتقلات أفرج عنهن مؤخرًا بعد أشهر من الاختفاء القسري. تقول مريم لموقع الوعل اليمني:
“كنت أحمل قصصهن، صور الألم على وجوههن، وجدت نفسي أخاف على حياتي مع كل خطوة أقطعها في الشوارع الخالية… كنت أعلم أن أي حركة خاطئة يمكن أن تكون الأخيرة.”

منذ 2014، وثقت منظمات حقوقية يمنية ودولية أكثر من 1,850 حالة اعتقال تعسفي لنساء. عام 2020، وحده، اعتقل الحوثيون نحو 300 امرأة، بينهم صحفيات وحقوقيات، تعرض بعضهن للاختفاء القسري لعدة أشهر، وما زال مصير بعضهن مجهولًا حتى 2025.

ناشطة حقوقية، تحدثت شفهياً عن تجربتها تقول لموقع الوعل اليمني: “دخلت السجن وأنا أرتجف، كل شيء مظلم، الجدران تحكي قصص الألم، وكل كلمة تقولها يمكن أن تصبح سببًا في مزيد من التعذيب. لم أرَ وجوهًا آمنة هناك، كلنا ضحايا خوف.”

فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أكد استخدام الحوثيين للسجون السرية كساحات لتعذيب النساء جسديًا ونفسيًا، وإجبارهن على توقيع اعترافات ملفقة. الاعتقال أصبح أداة ابتزاز وتهديد للمجتمع، ووسيلة لإسكات كل صوت يجرؤ على المطالبة بحقوق النساء.

العنف الجنسي كسلاح حرب

العنف الجنسي تحول إلى أداة سياسية ومجتمعية. بين 2016 و2023، وثقت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أكثر من 400 حالة عنف جنسي، تشمل اغتصابًا وابتزازًا وتهديدًا بالفضيحة.

ليان، إحدى الناشطات اللواتي نجين بصعوبة من الاعتقال، تقول: “كنت أعيش بين الرعب والعار المفترض، لم أكن أعرف كيف أواجه الناس بعد ما حدث، لأن مجرد الكلام عن تجربتي كان يعني تهديدًا لعائلتي.”

النساء اللواتي أجبرن على الاعتراف بأعمال لم يقمن بها تعرضن للضغط النفسي الشديد، وكانت هذه السياسة جزءًا من استراتيجية الحوثيين لإرهاب المجتمع، وكسر أي مقاومة محتملة. كما صرحت ناشطة حقوقية:
العنف الجنسي ليس فقط عن الجسد، بل عن الكرامة والمجتمع كله. يخلق بيئة خوف مستدامة، ويدمر الثقة بين النساء والمجتمع من حولهن.”

قيود الحياة اليومية

الحياة اليومية للمرأة أصبحت سجناً بلا أسوار. منذ 2015، منع الحوثيون السفر إلا مع “محرم”، وفرضوا قيودًا صارمة على عمل النساء، خاصة في الإعلام والمنظمات الإنسانية. الجامعات والمقاهي أصبحت أماكن مراقبة، والزي الذي ترتديه المرأة يخضع لمعايير “كتائب الزينبيات سعاد، طالبة جامعية في صنعاء، تروي:
لا أستطيع الذهاب إلى الجامعة إلا بإذن رسمي، وكل خطوة خارج المنزل تشعرني وكأنني أخترق القانون. أحيانًا أختبئ لأقرأ في البيت، لأتجنب أي رصد، كأن الحياة كلها مراقبة مستمرة.”

هذه القيود أثرت على التعليم والعمل، وأدت إلى فقدان الكثير من النساء وظائفهن، بينما ارتفعت نسب التسرب المدرسي للفتيات من 30% عام 2014 إلى 55% في 2021، وفق اليونيسف.

التجنيد القسري

في 2017، أنشأ الحوثيون “كتائب الزينبيات”، وحدة نسائية مسلحة، حيث تم تجنيد آلاف النساء قسرًا. حتى 2023، وصل عدد المجندات إلى نحو 4,500 امرأة، يعملن في مداهمة المنازل، مراقبة النساء، قمع المظاهرات، والتجسس على الناشطات.

هالة، مجندة سابقة، تقول:“رفض الانضمام كان يعني تهديدًا لعائلتي. كنت أعمل وأنا أرتجف، وأعلم أن أي خطأ يمكن أن يكلفني حياتي أو حياة أحبائي.”التجنيد القسري ليس مجرد استغلال جسدي، بل تحويل المرأة إلى أداة تنفيذ للقمع، وخلق طبقة من النساء اللواتي يساهمن في ترهيب المجتمع.

زواج القاصرات

الأوضاع الاقتصادية والإنسانية زادت مأساوية. أكثر من 70% من الأسر التي تعولها نساء تعيش تحت خط الفقر المدقع، بحسب برنامج الأغذية العالمي 2024. الفقر دفع العديد من العائلات إلى تزويج بناتهن القاصرات لمقاتلين الحوثيين مقابل المساعدات الغذائية، ما رفع نسبة الزواج المبكر إلى 60% في بعض المناطق.

ناشطة حقوقية توضح:زواج القاصرات ليس مجرد قضية اجتماعية، بل أداة ابتزاز اقتصادي وسياسي. النساء يُستغلن كأداة لضغط على المجتمع كله.”

الوضع الإنساني والصحي

65% من المرافق الصحية الخاصة بالنساء توقفت عن العمل، وارتفعت وفيات الأمهات عند الولادة إلى 289 وفاة لكل 100 ألف ولادة، مقارنة بـ148 عام 2014. كما توقفت آلاف الفتيات عن التعليم بسبب قيود اجتماعية وأيديولوجية، وغلق المدارس أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية.مريم، الصحفية والناشطة، تقول لموقع الوعل اليمني
كل يوم أرى الجوع، المرض، الأطفال الذين يتوقفون عن الدراسة. كل قصة أكتبها أشعر وكأنها جزء من نفسي يُسلب يوميًا، لكن أواصل لأن الصمت أخطر من الخوف.”

حصيلة 11 عامًا

أكثر من 1,850 حالة اعتقال تعسفي للنساء.

  • نحو 400 حالة اختفاء قسري مستمرة حتى منتصف 2025.
  • 450+ حالة عنف جنسي موثقة.
  • نحو 4,500 امرأة مجندة في “الزينبيات”.
  • 70% من الأسر النسائية تحت خط الفقر.
  • 60% نسبة زواج القاصرات في بعض المناطق.
  • أكثر من 1.8 مليون فتاة خارج التعليم.
  • 65% من المرافق الصحية الخاصة بالنساء توقفت عن العمل.
  • 289 وفاة لكل 100 ألف ولادة.

منذ 2014 وحتى 2025، تحولت حياة المرأة اليمنية في مناطق الحوثيين إلى جحيم يومي. لم تعد مجرد ضحايا الحرب، بل أصبحت هدفًا مباشرًا لسياسة القمع المنظمة. بين سجون مظلمة، أحياء مكتظة بالفقر والجوع، ونساء يُجبرن على القتال أو التجسس أو الصمت، تقف المرأة اليمنية اليوم أمام أزمة حقوقية وإنسانية قد تستغرق عقودًا لإصلاح آثارها.قصص النساء، شهادات الناشطات، والأرقام الصادمة، كلها تؤكد أن معاناة المرأة اليمنية ليست مجرد إحصاءات، بل حياة حقيقية تتألم كل يوم. وهي بحاجة إلى حماية عاجلة، تدخل دولي فعّال، وضغط مستمر على الجماعة لوقف الانتهاكات، وإعادة الحقوق التي سُلبت منذ 11 عامًا

زر الذهاب إلى الأعلى