تُعتبر مدينة شنقيط مركزاً تجارياً تاريخياً يعود إلى العصور الوسطى في شمال موريتانيا، وتقع على هضبة أدرار شرق أتار. تأسست في القرن الثالث عشر كنقطة التقاء لطرق التجارة عبر الصحراء. من أبرز معالم المدينة القديمة مسجد الجمعة، الذي يُعد مبنى قديماً مشيداً من الحجر ويضم مئذنة مربعة مغطاة بخمسة تيجان من بيض النعام، مما يجعله المعلم الرئيسي للمدينة.
كانت هذه الواحة الصحراوية في السابق موطناً لبعض أقدم المخطوطات القرآنية في العالم، وقد شهدت ازدهاراً فكرياً قبل أكثر من 1200 عام، وقد استقبلت المسافرين الباحثين عن مأوى من حرارة الصحراء. وابتداءً من القرن الثامن، أصبحت محطة رئيسية لقوافل الحجاج المتوجهين إلى مكة. وبفضل ازدهار التجارة والمعرفة، تحولت إلى واحد من أكبر مراكز العلوم والدين والرياضيات في غرب إفريقيا، حيث كانت تستوعب ما يصل إلى 30 ألف جمل في وقت واحد، مما أسهم في انتعاشها.
مع تدفق العلماء والحجاج، ازدهرت النصوص الدينية والدراسات العلمية، وتراكمت العديد من الوثائق التاريخية على مر السنين. في ذروة مجدها بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، كانت شنقيط تضم 30 مكتبة، وقد أدرجت منظمة اليونيسكو المدينة ضمن قائمة التراث العالمي منذ عام 1996.
تتضمن المعالم البارزة الأخرى في المدينة قلعة الفيلق الفرنسي السابق وبرج مياه طويل، لكن المكتبات الشهيرة تمنح المدينة لقب “مدينة المكتبات”. لا تزال خمس مكتبات قديمة قائمة حتى اليوم، حيث تقوم مجموعة من الأوصياء بحماية أكثر من 1000 مخطوطة قرآنية من الرمال والحرارة. ومع ذلك، فإن الزحف السريع للصحراء الكبرى والتغيرات المناخية، مثل الفيضانات الموسمية، تشكل تهديداً على هذه الكنوز الإسلامية.
ومن بين أكثر من 33 ألف مخطوطة عربية قديمة تم التعرف عليها في موريتانيا، لم يصل سوى عُشرها إلى المتحف الوطني. ومازالت معظم هذه المخطوطات في حوزة العائلات الخاصة. يقول أحد المسؤولين في المتحف: “حاولنا كل شيء لتعويض العائلات، لكن لم يقبل أحد”، مشيراً إلى أن هذه المخطوطات تُعتبر إرثاً عائلياً. وهنا مشروع ألماني لتسجيل المخطوطات واجه معارضة من تلك العائلات.
تتناقل الأجيال المخطوطات العائلية، التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن العاشر، موزعة بين أربعة مراكز رئيسة هي: شنقيط، دان، أولاتان، وتيشيت، والتي تم إدراجها أيضاً في قائمة اليونيسكو. تمتلك عائلة سيدي ولد محمد حبوت، ذات الجذور العميقة في المنطقة منذ القرن التاسع عشر، واحدة من أرقى المكتبات الخاصة التي تحتوي على 1400 كتاب في مواضيع متنوعة مثل القرآن، والحديث، والعلوم، حيث يعود أقدم مجلد مكتوب على ورق صيني إلى القرن الحادي عشر.
تُعتبر تجهيزات المكتبة بدائية للغاية، حيث تتألف من خزانات معدنية وصناديق أرشيفية، بالإضافة إلى أوعية كبيرة من الماء موضوعة في زوايا الغرفة، بهدف ترطيب المكان في هذا المناخ الصحراوي الحار. إلا أن الرمال تحاصر المكان، كعدو مخيف، وتزحف نحو المدينة مسافة عدة أمتار كل عام. وقد اجتاحت الرمال أخيرًا ساحة القلعة القديمة، ولم تتبق من الساحة سوى بعض الجدران ومسجد.
وتُعد الموارد اللازمة لحماية هذه المخطوطات أمراً حيوياً، وقد تم إنشاء مختبر حديث لحفظ المخطوطات في المبنى المجاور للمتحف الوطني بدعم من إيطاليا.
ومع التراجع المفاجئ في السياحة، استمرت الحكومة الموريتانية في تخصيص جميع الموارد المتاحة للأمن ومكافحة تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب. وتعترف وزيرة الفنون السابقة، سيسي بنت الشيخ ولد بويد، بأن الحكومة لا تملك الوقت الكافي للتراث، قائلة: “لم يكن التراث أولوية في السنوات الأخيرة”.