الممر التجاري من الهند إلى أوروبا ! ما مصير قناة السويس وما علاقة إسرائيل؟

في ظل التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية العالمية، تزداد أهمية الممرات التجارية التي تربط بين القارات والمناطق المختلفة، وواحد من هذه الممرات هو الممر التجاري بين الهند وأوروبا عبر دول الشرق الأوسط مروراً بإسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. هذا الممر يهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون بين هذه الدول، وكذلك إلى تحسين العلاقات السياسية والأمنية بينها، بينما تحدث خبراء عمّا وراء هذا الاتفاق من تأثير على مصر وما حققته أمريكا من إنجاز كان بعيد المنال لفترات طويلة.

فكرة الممر التجاري بين آسيا وأوروبا

يعود تاريخ فكرة إنشاء ممر تجاري بين الهند وأوروبا عبر دول الشرق الأوسط إلى عام 2013، عندما طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الفكرة في اجتماع مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في نيودلهي.

وفي عام 2020، شهدت المنطقة تطورات مهمة، مثل توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، بوساطة من الولايات المتحدة. هذه الاتفاقيات فتحت آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والأمني بين إسرائيل ودول عربية، وخلقت فرصة لتفعيل الممر التجاري بين الهند وأوروبا.

في عام 2021، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت عن خطط لإطلاق مشروع “شمس”، وهو ممر تجاري يربط بين الهند وأوروبا عبر إسرائيل، مستخدماً خط أنابيب نفط قديم يمتد من مدينة العقبة في الأردن إلى مدينة عسقلان في إسرائيل. هذا المشروع يهدف إلى تحويل إسرائيل إلى محور للطاقة في المنطقة، وزيادة حجم التجارة مع الهند وأوروبا.

وظل هذا المشروع بين شد وجذب حتى أعلن مؤخراً بشكل رسمي عن توقيع الاتفاق للبدء بإنشاء البنى التحتية التي تربط الهند بحراً بالإمارات ثم براً إلى السعودية والأردن لتصل إلى ميناء حيفا في إسرائيل لتعود بحراً حتى إيطاليا.

أهمية الاتفاق على الدول المشاركة

وفي حديث لوكالة ستيب الإخبارية يرى روبرت رابيل، المحلل السياسي الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا أن الممر التجاري من الهند إلى أوروبا عبر دول الشرق الأوسط مروراً بإسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مهم لجميع المشاركين.

ويقول: ” إلى جانب تعزيز التجارة بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، فإنه ينشئ إطارًا للتواصل يربط هذه البلدان معًا. وجمعهم في معسكر واحد. إلى جانب تعزيز التجارة مع حلفاء أمريكا، يجمع هذا المشروع هذه الدول المؤيدة للولايات المتحدة في معسكر واحد مؤيد للولايات المتحدة يحتمل أن يتنافس مع و/أو يقوض النفوذ الصيني في الشرق الأوسط”.

ومع وجود مشاريع أخرى منافسة مثل المشروع الصيني والروسي والتركي وغيره يؤكد “رابيل” أن “هذا المشروع لن يعرقل ممر النقل بين الشمال والجنوب الذي يربط مدينة سانت بطرسبرغ الروسية مع مدينة مومباي الهندية. لا يمر INSTC عبر المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو إسرائيل أو الأردن. سيمر هذا الممر التجاري متعدد الوسائط واسع النطاق عبر إيران”.

ويضيف: بالنسبة للهند، يعد المشروعان بمثابة وضع مربح للجانبين حيث يربط الهند بكل من أوروبا وآسيا الوسطى.

هل ستتأثر قناة السويس؟
ومن جانبه يرى مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان في حديث لوكالة ستيب الإخبارية أن الممر التجاري الهندي إلى أوروبا عبر دول الخليج سيكون له تأثير على مصر لا سيما على قناة السويس التي تعتبر الممر التجاري الأهم عالمياً بالوقت الراهن، حيث يربط الممر دولة الهند صاحبة القدرات البشرية والتقنية الصاعدة باتجاه السوق الأوروبية.

ويقول: “إن حجم هذا التأثير وقدرته ونسبته سيكون محل اختبار ولن يتضح حتى يقام هذا المشروع فعلياً، مع العلم أن هناك عراقيل ومنافسة كبيرة، قد تحد من هذا التأثير على قناة السويس”.
ويؤكد سليمان أن هناك مشاريع عديدة منافسة منها المشروع الروسي والمشروع الصيني والتركي، ويأتي ذلك بسبب أن كل دولة تحاول البحث عن منافع اقتصادية في ظل الأزمات الحالية.
ويضيف: “لكن هذا لا يعني أن كل تلك المشاريع قد تنجح فمثلاً إسرائيل سبق وأعلنت عن مشروع خط عسقلان الموازي لقناة السويس ولم يكتمل الأمر معها”.

موازنة نفوذ بالمنطقة

يؤكد الخبير الأمريكي روبرت رابيل أن الممر التجاري بين الهند وأوروبا مهم لجميع المشاركين، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويقول: “إنه بمثابة وسيلة لموازنة نفوذ الصين وطريق الحرير. علاوة على ذلك، كما ذكرت، فهي تربط الخليج العربي بإسرائيل، وهو أمر مهم في حد ذاته بالنسبة لواشنطن. فهل سيمهد هذا الطريق نحو إبرام معاهدة سلام بين السعودية وإسرائيل؟ نعم. ولكن هل سيكون هذا إنجازاً رئيسياً لتحقيق معاهدة السلام؟ أنا لا أعتقد ذلك. هناك قضايا مهمة أخرى يجب معالجتها قبل أن يوقع البلدان على معاهدة سلام. ولحكومة نتنياهو شركاء ائتلافيون يعارضون ربط القضية الفلسطينية بمعاهدة سلام مع السعودية. ويود النظام الملكي السعودي أن يرى نوعاً من التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين مرتبطاً بمعاهدة سلام مع إسرائيل”.

وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان قال قبل أيام: إن مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا سيوفر الوقت والمال، حيث يختصر الوقت في نقل السلع من الهند إلى أوروبا من 3 إلى 6 أيام، مشدداً على أهمية المشروع للملكة والشرق الأوسط.

لكن ماذا عن الدول الأخرى التي قد ترى بهذا المشروع تهديداً لمصالحها لاحقاً، فيقول “رابيل”: “في أعقاب الأزمة الأوكرانية، تعمل الآن العديد من البلدان، بما في ذلك في الشرق الأوسط، ضمن سياسات خارجية مستقلة تخدم مصالحها الذاتية. وأنا لا أراهم اليوم كأعداء ولا حلفاء أقوياء للولايات المتحدة. إنها -تلك الدول- أصدقاء مقربين من للولايات المتحدة وسيحافظون على علاقة اقتصادية وسياسية ودية قوية مع واشنطن. وفي الوقت نفسه، سيواصلون تجارتهم المتنامية مع الصين وروسيا”.

ويضيف: “تتمتع الصين وروسيا بالفعل بعلاقات جيدة مع دول الشرق الأوسط، وخاصة الخليج العربي. وفي الواقع فإن التجارة بين الصين والخليج العربي أكبر من التجارة بين الولايات المتحدة والخليج العربي. وأعتقد أن هذه التجارة سوف تستمر في النمو. بالنسبة للشرق الأوسط، فإن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة وتداعياتها على الشرق الأوسط ليست لعبة محصلتها صفر”.

أما هاني سليمان فيعتقد أن وجود مشروع جديد يربط قارات العالم يحتاج إلى مزيد من الوقت لأخذ الثقة من قبل الشركات العالمية وشركات النقل، ورغم ذلك قد يأخذ هذا المشروع حصة من أرباح قناة السويس، لكنه يرى أن هذا سيعطي فرصة أمام مصر لتطوير القناة وطرح أفكار جديدة فيها مثل إنشاء منطقة حرة للتجارة أو منطقة تخزين استراتيجية وغيرها من المشاريع المهمة.

ويشير بالوقت عينه إلى أن مشاركة دول عربية إلى جانب إسرائيل في المشروع المنافس لقناة السويس كان من منطلق مصلحة كل دولة، رغم أنه جرت العادة الأخذ باعتبار مصالح الدول العربية فيما بينها، بينما تختلف السياسة بالوضع الراهن كثيراً، خصوصاً أن إسرائيل تسعى للاندماج في محيطها العربي عبر اتفاقيات التطبيع.

وما يؤكد كلام “سليمان” هو حديث ولي العهد السعودي، حول اقتراب التطبيع مع إسرائيل أكثر بشكل يومي، حيث تعمل الولايات المتحدة على رعاية مفاوضات قد تغير معالم المنطقة السياسية والاقتصادية لو توصلت الأطراف إلى اتفاق، يمكن أن يكون الممر التجاري هو مفتاح له.

ماهي أهداف الممر التجاري بين الهند وأوروبا؟
يهدف الممر التجاري بين الهند وأوروبا عبر دول الشرق الأوسط إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية وسياسية وأمنية للدول المشاركة فيه. من هذه الأهداف:

فوائد الممر التجاري بين الهند وأوروبا

يحمل الممر التجاري بين الهند وأوروبا عبر دول الشرق الأوسط فوائد عديدة للدول المشاركة فيه، وكذلك للمجتمع الدولي. من هذه الفوائد:

صعوبات تواجه المشروع
رغم فوائده، يواجه الممر التجاري بين الهند وأوروبا عبر دول الشرق الأوسط صعوبات وتحديات قد تؤثر على نجاحه أو فشله. من هذه الصعوبات:

آثار تترتب على مشروع الممر التجاري

ويتضح بحسب الخبراء والمعلومات أن مشروع الممر التجاري يعتبر مشروعاً طموحاً يترتب عليه الكثير من الفوائد لصالح الدول التي تشارك فيه رغم أنه سيضر بمصلحة دولة وحيدة هي مصر لأنه قد ينال من حصتها في حجم التجارة العالمية، ويقلل من إيراداتها. لكنه فرصة لها لأنه قد يحفزها على التطوير والابتكار، ويفتح لها آفاقاً جديدة للتعاون مع الدول المشاركة في الممر، منا أنه قد يغير معالم المنطقة سياسياً وتجارياً لتبقى على مدى عقود المنطقة الرابطة بين قارات العالم والتي لا غنى عنها مما يدفع باتجاه العمل العالمي على استقرارها وازدهارها.

وكالة ستيب نيوز

Exit mobile version