
خاص
تشهد مدينة المكلا في محافظة حضرموت اليمنية موجة من الغضب الشعبي المتصاعد إثر الانهيار الحاد في خدمات الكهرباء، الأمر الذي دفع المواطنين إلى القيام بخطوات احتجاجية غير معتادة، أبرزها إغلاق الميناء الحيوي وقطع الطرقات الرئيسية.
هذه التحركات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تراكم طويل من الإحباط الشعبي تجاه أداء السلطات المحلية وعجزها عن تقديم خدمات أساسية في ظل ارتفاع درجات الحرارة وظروف معيشية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. ومن الملفت أن هذه الاحتجاجات لم تقتصر على المطلب الخدمي المباشر، بل بدأت تأخذ طابعاً سياسياً أكثر تنظيماً، مع صدور بيانات من قيادات قبلية وسياسية تلوّح باستخدام “الورقة الشعبية” للضغط على السلطة وتحقيق مطالبها، الأمر الذي يدل على دخول الحراك الشعبي مرحلة أكثر جدية ووضوحًا في أهدافه.
وفي الوقت الذي تشهد فيه حضرموت هذا التصعيد، تحاول الحكومة اليمنية في عدن احتواء الأزمة من خلال إجراءات اقتصادية ونقدية تهدف إلى تحسين الوضع المالي والاستقرار النقدي. فقد عقد البنك المركزي اجتماعات مكثفة أعلن خلالها استكمال نقل المنظومة المصرفية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتفعيل أدوات السياسة النقدية عبر وقف إصدار العملة الجديدة وضبط سوق الصرف. كما أكد البنك تحسن سعر صرف الريال اليمني بصورة تدريجية، مع تشديد على ضرورة الرقابة المستمرة لضمان انعكاس هذه الإجراءات على الواقع المعيشي للمواطنين.
لكن المفارقة تكمن في الفجوة بين هذه المعالجات الرسمية وبين الواقع الذي يعيشه المواطن اليمني في المحافظات المتضررة. فعلى الرغم من أن الحكومة تعلن خطوات إصلاحية واضحة، إلا أن الشارع لا يلمس حتى الآن تحسنًا حقيقيًا في الخدمات الأساسية التي يعاني منها منذ سنوات، مما يكرّس فقدان الثقة بين الناس والسلطة الحاكمة. والمشهد في المكلا قد يكون بمثابة جرس إنذار للحكومة بأن التحسينات النقدية وحدها لا تكفي، ما لم تقترن بتحسين فعلي في جودة الخدمات، وخاصة الكهرباء والماء والصحة. إذ يبدو أن المواطن اليمني بات يطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بنتائج ملموسة على الأرض، بعيداً عن الوعود والبيانات الرسمية.
ما يحدث حاليًا في حضرموت يُعد نموذجًا مصغرًا لما يمكن أن يحدث في محافظات أخرى إذا لم تستطع السلطات المحلية والحكومة المركزية الاستجابة بسرعة وفعالية لمطالب المواطنين. التنسيق الجاري بين البنك المركزي والحكومة خطوة إيجابية دون شك، لكنها بحاجة إلى ترجمة عملية وتنفيذ فعلي يلمسه الناس في حياتهم اليومية، وإلا فإن تصاعد الاحتجاجات قد يصبح مشهدًا متكررًا في أكثر من منطقة يمنية، ما لم تُستثمر اللحظة الراهنة في تصحيح المسار.