مقالات
أخر الأخبار

اليمن بين كهفين

حسام اليمني

في اليمن، الأرض التي تناقض نفسها في كل شيء، نجد أنفسنا أمام مشهد يجسد حكاية بلد يعيش بين كهفين. أحدهما في جزيرة سقطرى، حيث رجل الكهف الذي يجلب للعالم رسائل الحب والسلام، والآخر في صعدة، حيث يختبئ عبد الملك الحوثي ليبث خطاب الكراهية والدمار. هنا يتصارع الأمل واليأس، الجمال والقبح، الحياة والموت.

كهف سقطرى: البساطة تنتصر بلا معركة

في جزيرة سقطرى، تلك الجوهرة العائمة وسط المحيط الهندي، يعيش عبد الله السالم علايه، المعروف بـ”رجل الكهف”، الذي اختار الانسجام مع الطبيعة بعيدًا عن مظاهر القوة والترف. علايه، ليس لديه جيش ولا صواريخ ولا طائرات مسيرة، كما انه ليس زعيمًا ولا نبيلًا، بل مواطن بسيط قرر أن يُعيد تعريف الكرامة الإنسانية بعيدًا عن مظاهر القوة والترف والغطرسة.

لقد جعل من كهفه بيتًا ومن الطبيعة حليفًا، استطاع أن يجذب السياح من أنحاء العالم، ليقدم صورة مغايرة عن اليمن: شجرة دم التنين الغريبة، الرمال البيضاء، وجزيرة تسحر الجمال وسط صخب الحروب.

بأسلوب يخلو من التعقيد، أصبحت حياة علايه مصدر إلهام للحالمين الذين يرغبون برؤية الحياة كما خُلقت. زواره يعودون إلى بلدانهم حاملين صورًا عن جزيرة لا تعرف الحرب وعن رجل يبتسم رغم بساطة حياته، وكأنه يملك كنوز العالم.

رسالة علايه بسيطة: “يمكن للإنسان أن يكون سعيدًا بالسلام فقط.” بدون خطب أو بيانات، وبابتسامة يغلب بها الحروب، وكوب شاي سقطري، قدم دبلوماسية الطبيعة للعالم.

كهف صعدة: غرفة عمليات الكراهية

على الجانب الآخر، في شمال اليمن، نجد كهفاً آخر، لكنه ليس من النوع الذي يلهم الشعراء أو يجذب السياح المصورين. كهف صعدة، حيث يقبع عبد الملك الحوثي، الرجل الذي جعل من اليمن مسرحاً لجحيم متواصل. لم يحول الحوثي كهفه إلى وجهة سياحية، بل إلى مصنع للأزمات ومتاريس الظلام، تُصدر منتجاته إلى كل بيت يمني على هيئة صواريخ وفقر ونزوح.

عبد الملك الحوثي، قائد حركة أنصار الله، يعتقد أنه مختار إلهياً ليقود أمةً إلى الجحيم. وبينما يخرج عبد الله علايه من كهفه ليبتسم للزوار، يختبئ الحوثي في ظلام كهوفه، ولا يخرج منه إلا ليتحدث عبر شاشة، يصرخ فيها عن مؤامرات كونية، ويغرق اليمنيين في صراع لا يبدو له نهاية.

طائرات الجمال والخراب

المفارقة الساخرة أن كلا الكهفين، بطريقتهما الخاصة، جذبا طائرات العالم. كهف سقطرى استدعى عدسات الكاميرات، طائرات محملة بالسياح، ومحبي الطبيعة. أما كهف صعدة، فاستدعى طائرات التحالفات الدولية، محملة بالقنابل والصواريخ المدمرة. الأول يعيد الحياة، والثاني ينشر الموت.

كهف سقطرى يهمس بلغة لا تحتاج إلى ترجمة: الطبيعة قادرة على صنع السلام إن تركناها وشأنها. أما كهف صعدة، فيصرخ بلغة قديمة عفا عليها الزمن، لغة الحقد والدماء. الأول يُعيدنا إلى أصل الإنسان ككائن يتناغم مع بيئته، والثاني يُعيدنا إلى أزمنة غابرة، حيث الكهوف كانت مقرًا للخوف والصراعات.

رجل الكهف في سقطرى جعل العالم يتحدث عن التنوع البيئي وسحر الطبيعة اليمنية. بينما رجل الكهف في صعدة جعل اليمن مرادفاً للحروب والكوارث الإنسانية. الأول يُعلمنا أن البساطة تُغني عن كل شيء، والثاني يُصر أن السلاح هو الحل لكل شيء. يزرع علايه الأشجار، ويزرع الحوثي المقابر.

مفارقة كهفين

رجل الكهف في سقطرى أثبت للعالم أن البساطة يمكن أن تكون أعظم فلسفة. أما رجل الكهف في صعدة، فقد اختزل الحياة في مفهوم الحرب، وكأن اليمن لا يُسمح له بالعيش خارج هذا السياق.

عبد الله علايه في كهفه يستقبل الزوار بحفاوة، بينما عبد الملك الحوثي في كهفه يختبئ من العالم، متأهبًا لتدمير أي شيء يقترب منه. علايه اختار أن يجعل كهفه نافذة إلى العالم، والحوثي اختار أن يجعل كهفه حصنًا مغلقًا، يرسل منه الظلام.

اليمن بين النور والظلام

الحكاية ليست عن كهفين، بل عن خيارين: إما أن يتبنى اليمن روح سقطرى، حيث الحب والبساطة يجذبان العالم، أو يواصل الغرق في دوامة كهف صعدة، حيث الكراهية لا تجلب سوى الخراب. هذا البلد لا يحتاج إلى المزيد من الرجال في الكهوف، بل يحتاج إلى رجال يحملون النور، لا الظلام.

السؤال: هل سيتعلم عبد الملك الحوثي شيئًا من عبد الله علايه؟ ربما يدرك يومًا أن القوة الحقيقية تكمن في الحب والبساطة، لا في الصواريخ.

حتى ذلك الحين، يبقى اليمن محاصرًا بين كهفين: أحدهما ينادي بالحياة والآخر يهتف بالموت..

زر الذهاب إلى الأعلى