اليمن ..شعب يرفض الحروب ويدفع الثمن

تقرير خاص
يعيش الشعب اليمني تحت وطأة معاناة متجددة بعد تصاعد الضربات الأمريكية الأخيرة على مواقع الحوثيين، والتي جاءت ردا على استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر، هذه الضربات رغم تركيزها على أهداف عسكرية، إلا أن تداعياتها تطال المدنيين الأبرياء الذين أنهكتهم عشر سنوات من الحرب، ويرفضون الآن أي تصعيد جديد قد يجر البلاد إلى حرب شاملة أخرى تزيد من كوارثهم الإنسانية.
في العاصمة صنعاء ومدن أخرى، يتحدث المواطنون بمرارة عن تدهور الأوضاع منذ سيطرة الحوثيين على السلطة، يقول عبدالله محمد، بائع متجول من صنعاء: “كل يوم نستيقظ على كارثة جديدة.. إما غلاء جنوني، أو انقطاع البترول ، أو تهديدات بحرب جديدة، الحوثي ببساطة فشل في إدارة حتى أبسط الخدمات والآن يجرنا إلى صراع مع أمريكا والعالم”.
ويتجول الأهالي في أحياء العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة منذ عشر سنوات بين أنقاض المباني المدمرة وأسواق شبه خاوية بسبب الغلاء الفاحش وهم غير مصدقين ما آلت إليه حال مدينتهم وعاصمتهم التي ظلت لعقود آمنة مطمئنة، يقول الحاج “محمد علي” وهو مواطن خمسيني يعمل سائق أجرة “لم نعد نتحمل المزيد من الحروب والمعاناة لقد حولونا بحر بهم المتكررة إلى بشر نعيش على هامش الحياة وفي نفس الوقت ينعم قادة الحوثي بكل شيء”.
نكبة الجميع
وتشير آخر الإحصائيات الصادرة عن عدة منظمات دولية إلى أن أكثر من ثمانية وعشرين مليون يمني يعانون من تبعات الصراع المستمر، حيث بلغت نسبة الفقر تسعين بالمئة بعد أن كانت خمسة وثلاثين بالمئة قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كما أن أربعة وعشرين مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينهم أربعة عشر مليونا على حافة المجاعة.
وفي تصريح خاص، قال الخبير الاقتصادي الدكتور فؤاد الهمداني لموقع الوعل اليمني”العملة اليمنية فقدت أكثر من مائة بالمئة من قيمتها منذ عام ألفين وأربعة عشر حيث كان الدولار يعادل مئتين وعشرين ريالا وأصبح الآن خمسمئة ريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وفي المناطق المحررة قفز الدولار إلى مستويات غير مسبوقة وكل هذا نتيجة الانقلاب فلا فرق بين الشمال والجنوب كلهم منكوبون منذ سيطر الحوثي على السلطة”.
يوم القيامة
أما في مجال الخدمات الأساسية فإن الوضع أكثر مأساوية، حيث تعاني معظم المدن اليمنية من انقطاع شبه دائم للخدمات الرئيسية كما أن أكثر من سبعين بالمئة من المرافق الصحية تعمل بأقل من نصف طاقتها بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية وهو ما أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض، حيث سجلت أكثر من مليوني حالة إصابة بأمراض يمكن الوقاية منها خلال العام الماضي وحده.
وفي حديث مع مجموعة من المواطنين في صنعاء، عبروا عن استيائهم الشديد من سياسات الجماعة الحوثية، حيث تقول أم سعيد وهي أم لخمسة أطفال “كل يوم نسمع عن حروب جديدة وتهديدات وعنتريات بينما أطفالي ينامون جوعى والحوثي يهدد بحرب الى يوم القيامة لكنا لم نعد نتحمل وصرنا نريد فعلا ان تقوم القيامة “
عالم آخر
ومن جهة أخرى، تتناقض تصريحات قيادات جماعة الحوثي تماما مع الواقع المعيشي، حيث زعم المتحدث العسكري للجماعة في مؤتمر صحفي افتراضي أن “القوات المسلحة تمضي قدما في تحقيق الانتصارات، وأن الشعب اليمني يقف خيار قيادته الحكيمة” بينما تؤكد الوقائع أن أكثر من ثمانين بالمئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر وأن معدلات البطالة تجاوزت خمسة وثمانين بالمئة بين الشباب.
وفي سياق متصل تشير التقارير الواردة من المناطق الريفية، إلى تدهور غير مسبوق في القطاع الزراعي الذي كان يمثل عصب الاقتصاد اليمني حيث انخفض الإنتاج الزراعي بأكثر من خمسة وسبعين بالمئة بسبب سياسات الجماعة التي حولت المزارعين إلى مقاتلين في جبهاتها، كما أن أكثر من ستين بالمئة من الأراضي الزراعية أصبحت بورا بسبب نقص الوقود وقطع غيار المعدات الزراعية
أما على الصعيد التعليمي فإن كارثة حقيقية تلوح في الأفق، حيث تشير تقديرات وزارة التعليم اليمنية إلى تسرب مئات الآلاف من الاطفال من المدارس خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب الفقر وتجنيد الحوثيين للأطفال في صفوفهم، كما أن أكثر من خمسة وثلاثين بالمئة من المدارس تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي.