بقلم: أنسام عبدالله
في مثل هذا اليوم من كل عام ..يتم الإحتفال باليوم العالمي للمعلّم في جميع دول العالم .. غنيها وفقيرها، كلفتة جميلة لتكريم صاحب أنبل مهنة عرفتها البشرية ، مقدمين لأجله كل حوافز التكريم المادية والمعنوية.
فبعض الدول تُطلق في هذا اليوم فعاليات ومبادرات تؤازر المعلم ، وتكرمه لعطاءه غير المحدود ، والبعض الآخر يعمد إلى إلاعلان عن التسويات والحوافز السنوية ، والزيادات المستحقة في مرتبات المعلمين ، منتهزين حلول هذا اليوم كعيد للإحتفاء بالمعلم ومكانته .
إلا في اليمن .. يمر هذا اليوم مرور الكرام في الغالب ، عدا عمّن يتذكره شاعرا بالأسى لحال المعلم اليمني وما يمر به منذ عشر سنوات ، انهارت فيها الدولة واختفت معها ملامح العدل ، وأزفت الآزفة ..
فالمعلم في شمال اليمن مقطوعٌ عنه راتبه … !! كجريمة مفزعة لم يُلقِ لها أحد أي بال ..إلّا من حوافز ( مقصوصة ) تأتِ كل بضعة أشهر ..حيث يدّعي ( الطائفيون ) هناك ..أن راتب المعلم أولى به جبهات قتالهم العبثية ضد اليمنيين…!
أما في الجنوب فحدّث ولا حرج ..فقد تم استحداث طرق ظالمة أخرى لتجريد المعلم من قوت يومه ..وانتزاع ملكية القيادة منه ..عندما جعلوه مُعوز ، يتمنى أن يأتِ راتبه الزهيد في موعد محدد نهاية كل شهر مثلما اعتاد سابقا .
لكن .. ظل سعر الصرف يرتفع سنة تلو أخرى ، حتى بات يربو عن الخمسمائة ألف ريال للألف السعودي الواحد ..!!
في سابقة خطيرة لم يسبقنا بها أحد من الأمم الغابرة التي مرت على هذا اليمن المعذّب أيّما تعذيب .
إنّ المعلم في كل دول العالم لم يزل هو المعلم ..بشموخه ، وكبريائه ، ومكانته العظيمة بين أوساط المجتمعات .. منبرا للتنوير ، ومرجعا للتجديد ، وكتابا أصيلا يحفظ وجدانيات الأجيال ، ويؤسس لمستقبل الأمم .
إلا هنا… هكذا أُريد أن يكون واقع المعلم ..مريرا ، يصارع مُدهمات الأيام المظلمة في هذا الوطن ( الصراع ) .. وبقلمه فقط !
فطيلة هذه العشر ( الناقصات ) والمنغّصات ..لم يتم اعتماد أي وظيفة للخريجين المقيّدين في ملفات الخدمة المدنية ..لتظل المدارس كالنار يأكل بعضها بعضا ..حتى تم استنزاف الكوادر المؤهلة ، دون أي تخوف من استمرار هذا الوضع .. بل تم اتخاذ ردات فعل مُستنكرة ! وغير صحيحة ..حين تم الزج بخريجي الثانوية العامة في دائرة العزوف عن الالتحاق بكليات التربية ..حتى تم إقفال أقسام محورية في هذه الكليات ،، على طريق إلغاء الأقسام التربوية عموما ..بحجة مواكبة سوق العمل ..! واستبدالها بأقسام طبية، وتجارية أخرى .. وبدرجات أكاديمية بسيطة مقارنةً بقيمة هذه الأقسام في كليات الطب ، والتجارة ،والمعاهد المرموقة….حتى مسمى ( كلية تربية ) تم إلغاؤه !
من سيعلّم .. الطبيب ، والمهندس ، والمختبري ، والمحاسب، والمبرمج .. من سيلقّنهم الحروف الأُولى..والكلمات الإبتدائية في مسيرتهم العلمية ..وصولا لتخرجهم ..؟
بأي حالٍ عُدت يا ( خمسة أكتوبر ) ..فالرصيدُ صفر ! من الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي ، … ومن المستقبل ذي الاستراتيجيات والنظرة العامة ذات المصلحة الأعم ..
ماذا ..إن استمر الوضع هكذا ..بدون درجات وظيفية ..و تآكلت قوائم الكوادر المؤهلة بفعل أجلي ( التقاعد ، والوفاة ) ..ماذا لو استمر الاستهتار باستيعاب أيّا كان في الحقل التعليمي ..! بمبرر سد النقص الموجود ..وشحّة المعلمين ذوو الدرجات الأكاديمية المؤهلة…
هل سيفضي الأمر إلى مواجهة.. بين تلميذ يجلس وسط بحر من زملائه المكتظة بهم غرفة الصف ..وبين معلّم مجهول الهوية ( الأكاديمية ، التخصصية ) ..لبضع سنين هي اللبنة الأولى في طريق التلميذ نحو الحصول على شهادة الثانوية العامة ..كأقصى طموح تعليمي يمكن أن يناله .. من يضمن حينها تعليم فاعل .. ومخرجات ذات جدوى ..خارج إطار ( تعليم والسلام ..) .
مما تقدّم يا سادة ..هل لنا أن نتشدق بأن بلادنا تحتفي باليوم العالمي للمعلم كباقي الدول ..أم أنه مجرّد ذكرى مخزية، ونقطة سوداء في تاريخ اليمن المعاصر منذ عشر سنين ..أم أن الحكومات المتعاقبة قد تخلّت عن معلمي الناس الخير ..وحلّت محلّهم معلّمي الشر والخيبات .. وهي ماضية في طريقها هذا دون رجعة ..مستعينين على شعبهم بأطماع الأغراب في كل ما من شأنه منع إقامة قواعد الحق والعدل في هذه البلاد ..وإطفاء مشاعل الأنوار في جنباتها ..حتى لا نعود نبصر شيئا ..وننقاد مثلما تُقاد النعاج ..إلى مسالخها .