ثقافة وفكر
أخر الأخبار

صبحي موسى: عنوان الرواية لم يكن في تخطيطي.. و”تحولات الثقافة” على غرار كتاب طه حسين

يعد الكاتب المصري صبحي موسى من أبرز الأقلام المصرية والعربية اليوم لما يقدمه من منجز في الأدب وحتى في النقد الثقافي، ما جعله على إلمام بما تواجهه الساحة الثقافية في مصر والعالم العربي ككل.

تبدأ رواية “كلاب تنبح خارج النافذة” للروائي صبحي موسى بمهمة غامضة، حيث يتم تكليف الراوي بمراقبة هشام الموظف في إدارة الموارد بإحدى المؤسسات الحكومية، هكذا دون مقدمات تبدأ أحداث متسارعة مليئة بشخصيات تشكل مختلف فئات المجتمع المصري خاصة الفئات المهمشة والمسكوت عن تفاصيل واقعها.

يأخذنا الراوي في رحلته مع أبطال العمل ذهابا وإيابا من وسط العاصمة إلى تخوم المدينة في رحلة ثقافية اجتماعية إنسانية كاشفة قبل أن تكون رحلة مكانية تمر بقلب العاصمة، حيث عمل هشام وزميلته جيهان، إلى أنجريتا؛ مكان إقامة الراوي، وهي قرية قررت أن تتحول إلى مدينة، مكان عشوائي قبيح لا يعلم الكثيرون بوجوده فعلا، وبار سامبو؛ مكان التجمعات اليومية.

شخصيات روائية

انطلاقا من دوافع عنونته للرواية بـ”كلاب تنبح خارج النافذة” يقول صبحي موسى لـ”العرب”: “عنوان الرواية، لم يكن في تخطيطي أن يكون هكذا، فعادة ما أضع عنوانا مبدئيا للعمل قبل بدئه، وربما بعد صفحات أو فصول منه، تكون الفكرة قد تبلورت أمامي أكثر، وأبدأ في نسج تفاصيل الرواية عليها، ومن ثم أدفع بها إلى الناشر، وتكون المشكلة حين يطلب مني الناشر تغيير العنوان، فأضطر إلى التفكير في عنوان جديد، وهذا ما حدث معي في هذه الرواية، فقد كان العنوان الأول هو ‘ذئبة حمراء’، وهو المرض المصابة به والدة البطل، لكنه يرمز أيضا إلى حالة الانقسام وشبه الحرب الداخلية في المجتمع”.

بوكس

ويضيف “حين طلب مني الناشر محمد البعلي، صاحب دار صفصافة، تغييره فكرت كثيرا، وسألت بعض الأصدقاء الذين قرأوا النص لكن أيا منهم لم يستطع الوصول إلى عنوان مناسب، في النهاية وأنا أراجع البروفة أعدت قراءة النص جيدا، واكتشفت مشهدا صغيرا متكررا، وهو مشهد الكلاب التي تنبح خارج نافذة البطل، سواء في أنجريتا التي كان يقيم بها أو في المدينة الجديدة، فأعدت ضبط المشاهد وفقا للعنوان الجديد، ودفعت به إلى الناشر الذي وافق عليه”.

حول عوالم شخصيات الرواية التي تأتي من واقع اجتماعي متشابه إلى حد كبير، وهو واقع مهمش، وهل قصد وصف شخصيات الرواية بالكلاب وأنها تنبح أو تعيش خارج النافذة، يقول صبحي موسى “لا أعرف إجابة محددة عن هذا السؤال، ربما لأنني كما ذكرت في الإجابة الأولى اخترت العنوان في اللحظة الأخيرة، وأنه لم يكن العنوان المبدئي، وربما لأن كل الإجابات لدي صحيحة، فلا بد أن يقرأ القارئ بنفسه العمل ويحكم عليه، لا بد أن يعرف إن كان العنوان مدخلا أو عتبة مناسبة أم مجرد كلمة تم وضعها على الغلاف، وأعتقد أن الكاتب يجب ألا يدلي بإجابات محددة كي لا يعتبر القارئ أن هذا هو المستوى الأخير لقراءة وفهم النص أو تأويله، لذلك سأكتفي بما سربته في الإجابة الأولى، وأترك الإجابة هنا للنقاد والقراء”.

واقع اجتماعي مريض، من الطبيعي أن تكون شخصياته: مريض ومتطرف وهارب إلى شخصيات الانهيار والاكتئاب واليأس. نسأل موسى هل أراد أن يقول إن ثمة خللا يضرب أرجاء المجتمع؟ ليجيبنا “من جديد تسأل عن تأويل أو تفسير خاص برؤيتي للعمل وعوالمه وشخوصه، ومازلت أعتقد أن المؤلف لا علاقة له بالنص بعد نشره، فقد أصبح تأويله وتفسيره ملكا للقارئ، لكنني سأخبرك أن هذا العمل يرصد حالة الارتباك النفسي التي عاشها المواطن المصري منذ السنوات الأخيرة في نظام مبارك حتى وقتنا الراهن، فقد حدثت تغييرات كثيرة، ولم يكن المواطن مؤهلا لها، ما أحدث اهتزازات نفسية كبرى لعدد كبير من الشخوص، لذلك سعيت لأن تكون الشخوص وعوالمها معبرة عن هذا الارتباك الفكري والنفسي”.

ويلفت موسى إلى أن “بطل الرواية يعاني من تعدد الهويات التفارقي، وهو مرض نفسي معروف، لدى صاحبه أكثر من شخصية، تنتجه الظروف القاسية التي يعيشها، وشخصيته الأساسية هي ضعيفة وأحيانا مثالية، ما يسمح بظهور الشخصيات الأخرى التي تدافع عن وجودها في الحياة، وعادة ما تكون أكثر من شخصية، فهشاشة الذات من الداخل تسمح بظهور أكثر من شخصية”.

ويضيف “كان من الصعب أن أرصد ذلك من الخارج، أي أن يعبر الراوي عن مشاعر شخص آخر، خاصة أن هذا مرض نفسي، وككاتب لا أريد أن أقول إن هذه الشخصية مريضة نفسيا وأريح نفسي، ومن ثم لا بد من رصد كل الهواجس التي تجعل القارئ يوقن أن هذه الشخصية مريضة، فضلا عن أنني لم أرد كتابة رواية أصوات، لذلك كان لا بد أن يكون السارد هو البطل، وأن يكون العمل رواية عن المرض النفسي، والشخصية المنقسمة على نفسها، بل إنها تحارب ذاتها، وكان ذلك أيضا نوعا من الترميز لحالة الانقسام المجتمعي بعد ثورتين متناقضتين في رؤيتهما”.

شخصية هشام واحدة من الشخصيات التي رسم الراوي تفاصيلها بعناية، نسأله هل لها ظل في الواقع؟ يكشف الكاتب “كنت أعرف بالفعل شخصا يعاني من القصور الذهني، وانطلقت من تصوري عنه، وبالفعل بدأت أضعه في المشاهد التي أريدها، وأسأل نفسي عن الطريقة التي سيتصرف بها، وزدت في الأمر أن جعلت شقيقا له يعاني من نفس المرض أو المتلازمة، لكني جعلت الشخصية الرئيسية فنانا تشكيليا، محاولا الإجابة عن تساؤل كان يدور في ذهني وهو كيف يمكن لشخص تعد الحياة لديه نموذجا واحدا أن يكون قادرا على الجنون ومغامرة الفن”.

ويضيف “أما شقيقه فقد استحوذ عليه ابن عمته، وهو كادر كبير في جماعة الإخوان، فدفع به إلى تيار الجماعة كي يصبح أميرا، وكانت النتيجة هي الصدام بينهما، وفي النهاية موت هشام من على شرفة بيت جيهان، بسبب لعبة الموت التي طلبت منه عددا من التحديات، كان آخرها السير على سور الشرفة، وموت شقيقه في اعتصام رابعة”.

بالنسبة إلى جيهان بدت شخصية حيوية وفاعلة وقوية، نسأله أين عثرت عليها؟ يقول موسى “عادة ما أعثر على شخصياتي بين الناس، أراها في موقف أو مشهد معين، وعادة ما يتم استدعاؤها من الذاكرة، لتوظيفها في إطار العمل الذي أعكف عليه، فعادة لا أكتب سير أشخاص أو حكايات رأيتها في الواقع، رغم أن التفاصيل قد تكون فيها أشياء من هذا القبيل، لكنني أكتب انطلاقا من فرض معين، أطرح فكرة وأترك لخيالي أن يقوم بمناقشتها، ومن ثم أبحث عن شخصياتها الملائمة، في هذه الرواية كانت جيهان بحيوية وقوة ابنة البلد، وأحيانا بتطلعاتها البسيطة والإنسانية، لكنها أيضا فاجأتني بتفاصيلها التي نسجتها من أكثر من شخصية، فاجأتني بقدرتها على احتمال الهزائم ومواجهة ضغوط الحياة، ولا أعرف إن كانت قد انتصرت عليها أم تجاوزتها بطرقها الخاصة، لكنها نموذج للمرأة المصرية القوية والشجاعة والحنون والذكية، المحبة للحياة والكارهة للهزيمة”.

الشعر والواقع الثقافي

بوكس

فيما يتعلق بالشعر وبما أن “كلاب تنبح خارج النافذة” هو عنوان شعري، أو ذو صيغة شعرية، نسأل موسى هل يفكر في العودة إلى الشعر؟ فيوضح “تعلم أنني أنجزت من قبل خمسة دواوين في إطار ما يعرف بقصيدة النثر، كان آخرها ديوان ‘في وداع المحبة’ عام 2010، ومنذ ذلك التاريخ وأنا لا أفكر في إصدار أي عمل شعري، رغم أن لدي ديوانا غير مطبوع، وقد عاندت نفسي ضد فكرة كتابة الشعر من جديد، فقد عانيت من تجربة كتابة الرواية والشعر معا، كنت أعتقد أن الواقع الثقافي سوف يستقبل الأمر بمحبة، لكن الكثيرين تعاملوا مع الأمر بنوع من النفي أو الإحالة إلى الفن الآخر، لذلك اتخذت قراري عقب نشر روايتي ‘أساطير رجل الثلاثاء’ بأنني لن أنشر شعرا مجددا، وسأكتفي بكوني روائيا فقط”.

أما كتاب “تحولات الثقافة في مصر” الصادر العام الماضي فهو نتاج زمن كورونا، كما يقول موسى، مضيفا “كنت حبيسا مثلي مثل غيري من الناس في البيوت، ومن ثم فكرت في إنجاز عمل على غرار ‘مستقبل الثقافة في مصر’ لطه حسين، متسائلا فيه عما أوصلنا إلى ما نحن فيه، وكيف يمكن أن نخرج منه، وهذا ما سعت فصول الكتاب إلى رصده، بدءا من دولة محمد علي حتى وقتنا الراهن، ووضعت في الفصل الأخير خطة أو ملامح خطة ثقافية للخروج من النفق المظلم الذي دخلنا فيه”.

ويتابع “رغم أنه لم يشهد احتفاء كبيرا من مؤسسات الثقافة في مصر، سواء العامة أو الخاصة، إلا أن ردود الأفعال تجاهه من النخبة الثقافية كانت جيدة، حتى أنني اكتشفت كوني باحثا جيدا في علم الاجتماع الثقافي، وهو ما جعلني أعكف الآن على مشروع أعتقد أنه مهم، وكان يجب أن يجد من يعكف عليه لإنجازه، وهو عن مأزق التنوير في العالم العربي، وحين انتهي منه سوف أبلغك بتفاصيله وخطة عمله كاملة. فضلا عن كتاب آخر أنتظر صدوره قريبا من دائرة الثقافة بإمارة الشارقة، وهو بعنوان ‘وجوه طنجة.. رحلة البحث عن الموريسكيين’، وهو عن الرحلة التي قمت بها إلى المغرب عام 2014 لزيارة مدن الموريسكيين هناك، وذلك أثناء التحضير لروايتي ‘الموريسكي الأخير’”.

وحول ظهور رواية “الموريسكي الأخير” في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، ثم لم يظهر أي عمل آخر له فيها أو في أي جائزة عربية أخرى، يؤكد صبحي أن هذا سؤال صعب، ويوضح “حصلت على جائزة ‘أفضل عمل روائي’ عام 2014 من معرض القاهرة الدولي للكتاب عن رواية ‘أساطير رجل الثلاثاء’، وجائزة نجيب محفوظ التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر عام 2018 عن رواية ‘نقطة نظام’، وجائزة ‘توليولا العالمة للرواية العربية’ عن رواية ‘نادي المحبين’، ولا أعرف لماذا لا تظهر رواياتي في أي من الجوائز العربية المعروفة”.

ويضيف “أعتقد أنني لا أكتب من أجل الجوائز، فهناك كتاب يدرسون الأعمال الفائزة ويعرفون توجهات الجائزة ثم يكتبون وفق المواصفات المطلوبة، وهناك كتاب يطلق عليهم مسمى ‘صائدو الجوائز’، وهؤلاء يعرفون من أين تؤكل الكتف أو تؤتى الجائزة، سواء بعلاقات أو صداقات أو هدايا، ولدور النشر أحيانا قوة ضغط ومعارف وصداقات، في النهاية الجوائز قاسية وجميلة، تجعل الكاتب يلعن الدنيا في لحظات، ويقفز إلى السماء في لحظة ما، وبالطبع جميعنا يحب التقدير أو الاعتراف بجهده وتعبه، حتى ولو بالكلمة، فما بالك لو تم تعضيد ذلك بمكافأة تعدل من شروط حياته”.

وأخيرا يقول صبحي موسى عن الواقع الثقافي “لا أعتقد أن لعبة الفرز في مجتمعاتنا حقيقية، لأنها تقوم على صداقات ومعارف وشلل، وليس على تقييم حقيقي للأعمال، فضلا عن أن السوشيال ميديا أصبحت ترفع أناسا وتخفض آخرين دون أن يقرأ جمهورها حرفا، وحتى إذا قرأ فإنه لا يميّز الجيد من الرديء، لأن هذا الجمهور يحكم وفقا لثقافته وذائقته البسيطة، حتى أنه دائما ما يكون أميل إلى الأعمال التي تجاوزها التاريخ، وهي ما نطلق عليه عادة الأعمال الكلاسيكية”.

ويضيف “حتى دور النشر الكبيرة الآن أصبحت تحتكم إلى السوشيال ميديا وليس إلى جودة النص ذاته، فهي تنشر لمن لديه أكبر قدر من المتابعين على إكس وفيسبوك، ولم تعد هناك مساحات واسعة للنقاد كي يقولوا رأيهم، وإذا وجدت هذه المساحة فإنها تضيع وسط الضجيج، والنقاد أنفسهم أصبحوا يخضعون لسطوة إعلانات الأعلى مبيعاً، فلم يعد بإمكان أحد أن يقول إن هذا الكاتب أكثر مبيعاً لكنه أقل فنية. ومن ثم فنحن أمام واقع ثقافي مختلط والفرز فيه غير حقيقي، ولك أن تراجع أعمال الفائزين بالجوائز الشهيرة، وأسماء الكتاب الذين في بلادهم، وتسأل نفسك إن كان هؤلاء هم التعبير الأمثل عن الكتابة في هذه البلدان؟”.

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى