ناصر جبارة
في عزّ شتاء عام 1957 وتحديدا في 27 ديسمبر/كانون الأول، استقل موظف في وزارة الدفاع الإسرائيلية يُدعى شمعون بيريز سيارة في باريس وانطلق إلى ميونيخ بجنوب ألمانيا. قبل وصوله إلى هدفه بقليل، ضلّ طريقه في جبال بافاريا التي تكسوها الثلوج. ولأنه لم يستخدم خريطة، اضطر إلى التوقف بجانب أحد المزارعين للاستفسار عن الطريق إلى إحدى القرى. أنزل بيريز شباك السيارة وسأل المزارع خلسة وبلغة إنجليزية ركيكة عن الطريق إلى (روت أَمّ إنّ) Rott am Inn ففاجأه المزارع: “آه… يبدو أنك في طريقك إلى وزير الدفاع شتراوس”.
نعم. شمعون بيريز الذي كشف هذا المزارع الألماني البسيط سرّه كان بالفعل في طريقه إلى وزير الدفاع الألماني حينها، فرانس يوزف شتراوس الذي روى في مذكراته الصادرة عام 1989 جزءًا من قصة التعارف بينه وبين شمعون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل مرتين.
يقول شتراوس في مذكراته إن رسالة وصلته عبر “طرق التفافية” يطلب أصحابها منه استقبال وفد إسرائيلي بقيادة موشي ديان، رئيس الأركان حينها و”بطل معارك سيناء”، بحسب وصف شتراوس “فوافقت فورًا”.
لأسباب تتعلق بسرية اللقاء -كما كتب شتراوس- لم يحضر موشي ديان وحل مكانه الجنرال حاييم لاسكوف، رئيس وحدة المدرعات في “حملة سيناء” وضابط رفيع آخر إضافة إلى رئيس الوفد شمعون بيريز.
وصْف شتراوس لهذا اللقاء يوحي بحدوثه في أجواء خاصة. فالمشاورات التي استمرت خمس ساعات حدثت في “منزلي الخاص” -يضيف وزير الدفاع الألماني- و”ليس في بون”، عاصمة ألمانيا الاتحادية آنذاك، و”عندما طال الحديث، جهّزت زوجتي العشاء وجلسنا نتحدث حتى منتصف الليل (…). الأجواء كانت شتوية فقط في الخارج أما بيريز وأنا، فلم تواجهنا أي صعوبات قط للبدء بإجراء حديث صريح وإنساني (…). منذ البداية، توفر لنا أساس من الثقة أثبت قدرته على الصمود لعدة عقود، ومنذ البداية عرفت أن الإسرائيليين يفرّقون جيدا بين صداقات الكلمات الفارغة والأفعال الجريئة”.
شترواس وضيوفه عرفوا أن تلبية الطلبات الإسرائيلية تحتاج إلى قرار جريء. فاللائحة طويلة: طائرات نقل ومروحيات ومدافع وصواريخ مضادة للدبابات. إضافة إلى ذلك، كان الجيش الألماني في مرحلة البناء ومخزوناته من السلاح متواضعة و”لكني -يقول شتراوس- كنت أذنا صاغية لطلبات بيريز ووفده وكنت مستعدا لتقاسم القليل معهم لأني رأيت في ذلك واجبا يملي عليّ ضرورة تقديم المساعدة لإسرائيل المهددة، التي تعيش أوقاتا صعبة”.
ولأن تقديم الأسلحة لإسرائيل في ذلك الوقت “لم يكن دربا في اتجاه واحد” بحسب مقولة ألمانية شائعة ويخالف جميع قوانين موازنة الدولة الألمانية، ولأن الدولتين لم تربطهما علاقات دبلوماسية، يقول شتراواس إنه أراد “حماية نفسه”، فأطلع المستشار الاتحادي في حينها كونراد آدناور على اللقاء وعلى طلبات إسرائيل، “فوافق آدناور فورًا وبدأنا نفرّغ مخازن الجيش الألماني من الأسلحة ونعلن للشرطة أنها تعرضت للسرقة (…) أما الطائرات والمروحيات والمعدات الثقيلة فكانت تُنقل بعد إزالة رموز ولوحات ألمانيا الاتحادية عنها إلى فرنسا ليتم نقلها من مرسيليا إلى الموانئ الإسرائيلية”.
ثمن هذه الأسلحة بالنسبة للجانب الإسرائيلي كان معنويا، واندرج ضمن التعويضات التي تعهدت ألمانيا بدفعها لإسرائيل وفق اتفاقية لوكسمبورغ (1952) التي التزمت فيها ألمانيا بسياسة دفع تعويضات لليهود الناجين من جريمة الهولوكوست (Wiedergutmachungspolitik) ولدولة إسرائيل باعتبارها الدولة التي ورثت حقوق الضحايا اليهود. هنا، يسجل شتراوس أن القيمة الإجمالية للأسلحة التي تم الاتفاق عليها في هذا اللقاء بلغت 300 مليون مارك ألماني غربي، وجرى ذلك كله دون مقابل في سرية تامة مدة سبع سنوات متتالية حتى عام 1964 عندما انكشف سر شتراوس وبيريز على خلفية صفقة مدرعات. في حينها كان لودفيغ إيرهارد مستشارا لألمانيا.
هذا التعاون العسكري مع الإسرائيليين -يختم شتراوس الجزئية الإسرائيلية- “انتهى تقريبا بعد مغادرتي وزارة الدفاع أيضا بسبب الهجوم الذي تعرضت له من قبل غيرهارد شرودر الذي أصبح في عام 1961 وزيرا للخارجية (…). شرودر كان يعتبر التعاون العسكري مع الإسرائيليين مضرا بالعلاقات مع العرب”.
ولكن الفضل في فضح هذه الصفقات السرية يعود إلى كشفين صحفيين الأول للصحيفة الألمانية فرانكفورتر روندشاو في 26 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964 والثاني لنظيرتها الأميركية نيويورك تايمز في 31 أكتوبر من العام ذاته. هذان الكشفان تلقفتهما الصحف المصرية التي فضحت القصة وأثارت بلبلة في العلاقات بين ألمانيا الاتحادية والدول العربية وعلى رأسها مصر التي وجهت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني طلبا ملحا لحكومة ألمانيا الاتحادية لتوضيح الأمر.
في نهاية خلاف دبلوماسي وصل إلى ذروته بدعوة الرئيس جمال عبد الناصر زعيم ألمانيا الديمقراطية سابقا (الشرقية) فالتر أولبريخت إلى زيارة القاهرة، وتهديد دول عربية أهمها سوريا بإقامة علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الشرقية، ونقاشات طويلة في البرلمان الألماني حول إمكانية اللجوء إلى ما يعرف بـ”عقيدة هالشتاين” التي تنص على قطع فوري للعلاقات مع أي دولة تعترف بألمانيا الشرقية، بعد كل هذا دخلت ألمانيا فعليا في أول أزمة دبلوماسية خارجية منذ تأسيسها في مايو/أيار من عام 1949، الأمر الذي انتهى باتخاذ حكومة بون قرارا بعدم تصدير أسلحة إلى أي دول متحاربة في الشرق الأوسط.
الصحيفة الألمانية الشرقية نويس دويتشلاند تحتفي بزيارة أولبريخت إلى القاهرة (أرشيف نويس دويتشلاند)
صحيح أن هذا القرار تمخض عن وقف جميع صفقات الأسلحة السرية بين الطرفين، وهو ما كلف ألمانيا دفع تعويضات لإسرائيل بقيمة 140 مليون مارك ألماني غربي بسبب عدم الإيفاء ببعض عقود التسلح، ولكن المستشار الألماني حينها لودفيغ إيرهارد قطع الشك باليقين وانفرد باتخاذ قرار تم بموجبه في 12 مايو/أيار من عام 1965 إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
هذا التعاون العسكري بين الطرفين مر بعد سبع سنوات من اتفاق شتراوس وبيريز وإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين بعدة مراحل رئيسية وبحالة من المد والجزر إلى أن وصل إلى ذروته ابتداء من عام 2003 لتصبح ألمانيا تحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة -وفي بعض الأعوام المركز الأول- على صعيد تزويد إسرائيل بالأسلحة.
ارتفاع 10 أضعاف رغم الحرب على غزة:
من المؤسسات غير الربحية وغير الحكومية التي وثّقت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل في العقدين الماضيين المؤسسة البحثية فورنسِس (Forensis). فوفقًا لما قالته المشرفة على آخر دراسة أصدرتها المؤسسة، ديميترا أندريتسو للجزيرة، فإنه ابتداءً من عام 2003 أصدرت حكومة برلين 4427 ترخيصا لصادرات أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 3.3 مليارات يورو (3.5 مليارات دولار)، ورفضت الموافقة على 56 ترخيصا فقط، مما يعني أن نسبة الموافقة على الطلبات الإسرائيلية بلغت 99.75%، وذلك كله رغم كون إسرائيل دولة محتلة شنّت في العقدين الماضيين حروبا مدمرة على قطاع غزة.
وبخصوص التراخيص التي منحتها وزارة الاقتصاد الألمانية لتصدير أسلحة إلى إسرائيل في العام الماضي، تشير تقارير البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) ومؤسسة فورنسِس (Forensis) ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) إلى أن هذه التراخيص شهدت عام 2023 ارتفاعا قياسيا.
ففي العام المذكور وحده، منحت وزارة الاقتصاد الألمانية بحسب المشرفة على دراسة مؤسسة فورِنسِس 308 تراخيص تم بموجبها تسليم إسرائيل أسلحة بقيمة أكثر من 326 مليون يورو (348 مليون دولار) بارتفاع 10 أضعاف مقارنة بعام 2022.
ومن اللافت أن 88% من هذه الأسلحة تمت الموافقة عليها في النصف الثاني من العام الماضي وتحديدا بعد السابع من أكتوبر. فوفقًا للقناة الألمانية الأولى “إيه آر دي” (ARD) منحت الحكومة الألمانية بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، أي في غضون 26 يوما فقط، 185 ترخيصا لتسليم إسرائيل أسلحة جديدة.
وإذا استثنينا التراخيص المخصصة لتسليم إسرائيل في العقدين الماضيين سفنا حربية كبيرة وغواصات وقوارب حربية، فيمكن القول إن عام 2023 شهد تسليم إسرائيل أكبر حجم من المعدات العسكرية الألمانية في غضون عقدين.
وبحسب التقرير رقم (WD 5 – 3000 -004/24) الصادر عن البرلمان الألماني في أبريل/نيسان الجاري ودراسة فورنسِس، شملت صفقات الأسلحة في العام الماضي تسليم إسرائيل أسلحة مختلفة توزعت على الشكل التالي: عربات مجنزرة ومدولبة (65 تصريحا) وتكنولوجيا عسكرية (57 تصريحا) وإلكترونيات عسكرية (29 تصريحا) وقنابل وطوربيدات (صواريخ مضادة للسفن) وصواريخ ومقذوفات ومتفجرات متنوعة (17 ترخيصا)، إضافة إلى كميات قليلة من الذخائر والمتفجرات المخصصة لأسلحة من العيار الثقيل وللأسلحة اليدوية.
وبخصوص ما يسمّى “القطاع الفرعي للأسلحة الحربية” فإن ألمانيا -كما ورد في الدراسة- زوّدت إسرائيل في العام ذاته بأسلحة بقيمة 20 مليون يورو، جاءت على الشكل التالي: 3 آلاف قطعة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع (قاذف RW 90 أو ماتادور)، و500 ألف قطعة ذخيرة للرشاشات والمسدسات وغيرها من الأسلحة اليدوية.
وبخصوص ما يسمّى “القطاع الفرعي للأسلحة الحربية” فإن ألمانيا -كما ورد في الدراسة- زوّدت إسرائيل في العام ذاته بأسلحة بقيمة 20 مليون يورو، جاءت على الشكل التالي: 3 آلاف قطعة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع (قاذف “RW 90” أو ماتادور)، و500 ألف قطعة ذخيرة للرشاشات والمسدسات وغيرها من الأسلحة اليدوية.
ومن أهم الأسلحة الخفيفة التي حصلت عليها إسرائيل من ألمانيا المقذوف الأخف في العام ماتادور أو “آر جي دبليو 90” (RGW 90) الذي تنتجه شركة صناعة الأسلحة الألمانية دينامايت “نوبل ديفنس” Dynamit Nobel Defence (DND) المملوكة منذ منتصف عام 2000 بالكامل للشركة الحكومية الإسرائيلية “رافائيل” (Rafael Advanced Defense Systems Ltd).
ولا يعفي استحواذ شركة رافائيل الإسرائيلية على نظيرتها الألمانية “دي أن دي” (DND) الحكومة الألمانية من تحمل مسؤولية تزويد الجيش الإسرائيلي بقاذفات ماتادور بحسب ألكسندر شفارتس نائب رئيس قسم القانون الدولي في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) الذي قدم في 11 أبريل/نيسان الماضي بالتعاون مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان “بي سي أتش آر” (PCHR) ومركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة ومنظمة الحق الفلسطينية إحدى ثلاث شكاوى قضائية مرفوعة في ألمانيا ضد حكومة برلين.
وقال شفارتس للجزيرة نت إن صلاحيات اتخاذ قرار التصدير ونقل هذه الأسلحة هي قرارات ألمانية خالصة تخضع لما يعرف بقوانين تصدير الأسلحة الحربية، مضيفًا أنه ينطلق مع زملائه في المركز من أن المجلس الأمني الألماني المصغر الذي ينتمي إليه أيضا وزير الاقتصاد روبرت هابك المعني بمنح تراخيص تصدير السلاح لم يفحص بدقة المعايير المعنية بإصدار تراخيص التصدير.
وأضاف أنه لو قام الوزير المعني -وزير الاقتصاد- بفحص دقيق لقوانين تصدير السلاح لعرف في منتصف أكتوبر وعلى أبعد تقدير نهاية أكتوبر الماضي أن الجيش الإسرائيلي يخرق في قطاع غزة القانون الدولي الإنساني وبالتالي لما اتخذ قرار إصدار التراخيص اللازمة.
وعما إذا كانت الحكومة الألمانية ساذجة أم مستعدة للمخاطرة عندما منحت هذه التراخيص، قال شفارتس إنه بوصفه قانونيًّا يعرف فقط بأن ألمانيا رخصت سلاحا يستخدم في ممارسات عسكرية مخالفة للقانون الدولي الإنساني.
ولا تقتصر استخدامات قاذف ماتادور على مواجهة الدروع، بل إنه يستخدم سلاحًا مضادًّا للأفراد خلف المتاريس وضد المنازل وفي تدمير البنى التحتية، وذلك بفضل قدرته على اختراق 100 سم من الإسمنت المسلح، وتعرّف الشركة نفسها قاذف ماتادور بأنه “مخصص لمواجهة المدرعات والعربات ولتدمير البنى التحتية والأفراد”.
ووفق نتائج دراسة مؤسسة فورنسِس فإن الجيش الإسرائيلي استخدم قاذف ماتادور في حربه على قطاع غزة وتحديدا في محافظة خان يونس. هذا ما تؤكده المشرفة على الدراسة ديميترا أندريتسو بقولها إن البيانات التي استخدمتها الدراسة تؤكد أن ألمانيا سلمت في العام الماضي 3000 قطعة من سلاح ماتادور المضاد للدروع، مؤكدة استخدام هذه القاذفات في استهداف منازل الفلسطينيين في خان يونس.
محركات الميركافا:
ولا تقتصر الأسلحة الألمانية المستخدمة في حرب غزة على قاذف ماتادور بل تشمل كذلك المسيّرات ومحركات الديزل لدبابة ميركافا 4.
هنا، تؤكد المشرفة على دراسة مؤسسة فورنسِس أن ألمانيا وافقت لإسرائيل على استخدام اثنتين من خمس مسيّرات من طراز تي بي هيرون استأجرتها حكومة برلين من الحكومة الإسرائيلية.
من طرفها علقت الحكومة الألمانية على ذلك بقولها في بيان إن وزارة الدفاع الألمانية تلقت من الحكومة الإسرائيلية طلبا للسماح لها باستخدام مسيّرات هيرون تي بي، فوافقت وزارة دفاع برلين على ذلك.
ووفق أندريتسو، فإن إسرائيل استخدمت هذه المسيّرات ليس فقط من أجل تحديد أهدافها في غزة، بل أيضا في استهداف المدنيين والبنية التحتية.
وحول تزويد إسرائيل بمحركات ديزل لدبابات ميركافا 4 قالت أندريتسو إن هذه الدبابة تعد واحدة من المركبات القتالية المدرعة الرئيسية في الجيش الإسرائيلي، مضيفة أن برلين قدمت لإسرائيل ليس فقط محركات لهذه الدبابات، بل أرسلت كذلك محركات لمركبات النقل العسكرية المدرعة المسماة مركبات نقل الأفراد المدرعة وكذلك المركبات القتالية للمشاة مثل مركبة الأفراد المدرعة أيتان.
وتضيف الدراسة أن السفينة الحربية ساعر 6 استُخدمت في عمليات إطلاق النار من البحر خلال الحرب الأخيرة، مشيرة إلى مشاركة هذه السفن في محاصرة قطاع غزة من البحر في وقت يمر فيه القطاع بأزمة إنسانية كبيرة.
وتتشابه وثائق دراسة مؤسسة فورنسِس مع تقارير معهد بحوث السلام (سيبري) الذي يؤكد أيضا أن ألمانيا قدمت في عام 2023 لإسرائيل 47 بالمئة من وارداتها من الأسلحة بينما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بنسبة 53 بالمئة.
سفينة ساعر:
وبحسب المعهد، حصلت إسرائيل في العام المذكور من ألمانيا على الأسلحة التالية: قطعتين من السفينة البحرية كورفيت ساعر 6 و محركات ديزل من طراز “في 6″ المخصصة للمركبة القتالية المدرعة أيتان ومدرعة ” آي أف في” (IFV) و50 من محركات ديزل المخصصة لدبابة ميركافا 4 و10 طوربيدات من طراز سي هاك وطوربيدات للاستخدام تحت المياه.
بدعة التفريق بين الأسلحة:
عندما توجه جهة ما اتهامات للحكومة الألمانية بتزويد إسرائيل بالسلاح في خضم الحرب الدائرة في غزة، لا يتردد المسؤولون الألمان في ابتداع مصطلحات تفرق بين الأسلحة الدفاعية والهجومية، وفي وضع معظم الأسلحة الألمانية التي حصلت عليها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر في خانة “معدات تسلح أخرى”.
هذا المصطلح لا يكرره المسؤولون الألمان في جميع المؤتمرات الصحفية فحسب، بل استخدمه أيضا فريق الدفاع عن ألمانيا في القضية التي رفعتها ضدها نيكاراغوا أمام محكمة العدل الدولية، علما بأن التفريق بين الأسلحة الدفاعية والهجومية “ببساطة أمر مُبتدع لأن قوانين تصدير الأسلحة الألمانية لا تفرق بين الأسلحة لدفاعية والهجومية” وفق أفضل العارفين في البرلمان الألماني (البوندستاغ) بالسياسة الخارجية والدفاعية الألمانية وهي البرلمانية عن لائحة حزب “بي إس دبليو” (BSW) سيفيم داغديلِن.
فالإثباتات التي حصلت عليها الجزيرة بخصوص تأكيد استخدام إسرائيل السفينة الحربية ساعر 6 ومقذوفات ماتادور في حربها على قطاع غزة لا تقتصر على المؤسسة البحثية فورنسِس أو معهد سيبري بل تشمل أيضا تأكيد البرلمانية داغديلن في حديث مع الجزيرة على “الأهمية الكبيرة” لصادرات الأسلحة الألمانية للبحرية الإسرائيلية مؤكدة استخدام إسرائيل سفينة ساعر 6 ومقذوفات ماتادور في الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتقول داغديلن إن 3 آلاف مقذوف حصلت عليها إسرائيل من ألمانيا بعد السابع من أكتوبر تعد فقط من الناحية الشكلية أسلحة دفاعية لا تستخدم ضد دروع لا تملكها حركة حماس وإنما أيضا في “إدارة الحرب في المناطق الحضرية، الأمر الذي أكده تقرير للبرنامج الاستقصائي بانوراما الذي بثته القناة الألمانية الأولى شبه الرسمية “إيه آر دي” (ARD)”.
واتهمت البرلمانية الحكومة الألمانية بتجاهل أمر محكمة العدل الدولية إسرائيل في 26 يناير/كانون الثاني الماضي باتخاذ إجراءات مؤقتة لمنع الإبادة الجماعيّة في غزة والتحريض المباشر عليها، قائلة إن ألمانيا “أصبحت في الأعوام الماضية تحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة بواقع 47 بالمئة من مجموع الأسلحة التي حصلت عليها إسرائيل” من الخارج، وإن صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل “سجلت في الأسابيع الأولى بعد السابع من أكتوبر ارتفاعا بعشرة أضعاف مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022″، وذلك كله رغم مطالب محكمة العدل الدولية والوضع الإنساني الكارثي الذي تسببه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
رؤوس نووية:
هذا السخاء الألماني في تقديم السلاح لإسرائيل لا يقتصر على قرارات بإرسال أسلحة إلى دولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية ولا على مجازفة وزير دفاع غامر بتفريغ مخازن الجيش الألماني من السلاح وإرسالها إلى إسرائيل ضمن صفقات سرية وقعت قبل عقود، بل يضمن كذلك تقديم وتمويل قطع حربية كبيرة أهمها غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية.
ففي 4 يونيو/حزيران 2012، سُئل المتحدث السابق باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت عما إذا كانت موافقة الحكومة الألمانية على تزويد إسرائيل بالغواصات تتسق مع المبادئ الأساسية التي وضعتها حكومة برلين عام 2000 لتصدير السلاح إلى الخارج.
زايبرت -الذي عُين عام 2022 سفيرا لألمانيا في إسرائيل- لم يكلف نفسه بالتطرق ولو بكلمة واحدة لهذه المبادئ الواضحة التي لخصتها حكومة الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر (مستشار ألمانيا بين عامي 1998و 2005) حينها في 8 صفحات، بل ذهب فورا إلى الخطاب الذي ألقته خليفة شرودر المحافظة أنجيلا ميركل (مستشارة ألمانيا بين عامي 2005 و2021) عام 2007 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة واستخدمت فيه مصطلحا جديدا نقل العلاقات بين بلادها وإسرائيل إلى مرحلة غير مسبوقة في تاريخ هذه العلاقات التي تأسست رسميا في مايو/أيار عام 1965 أي بعد 8 أعوام من صفقة السلاح السرية بين شتراوس وبيريز.
ميركل قالت في حينها:
“كل مستشار ألماني قبلي كان ملتزما بمسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه وجود إسرائيل. بهذه المسؤولية التاريخية الخاصة أقر أنا أيضا بوضوح. فهي (المسؤولية التاريخية) تجعل أمن إسرائيل جزءًا من المصلحة الوطنية لبلادي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة لألمانيا غير قابل للتفاوض مطلقًا”.
بهذا المصطلح “مصلحة وطنية” -وهي بالألمانية “Staatsräson”- الذي كررته ميركل في خطاب ألقته عام 2008 في الكنيست، تكون المستشارة المحافظة قد ذهبت في تطوير علاقات الدولة الألمانية مع إسرائيل أبعد من أي مستشار ألماني آخر.
المستشار الاتحادي الحالي، الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز بقي مخلصا لهذه السياسة، فكان أول رئيس حكومة أجنبية يقوم بزيارة تضامنية لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر، وربط مجددا أمن إسرائيل بـ”مصلحة ألمانيا الوطنية” من دون زيادة أو نقصان.
صحيح أن هذا المصطلح يبقى كلاما سياسيا لم يُغلّف بأي إطار قانوني، ومن ثَمّ فهو لا يعني أيّ شيء من الناحية القانونية، لكنه يجسد عقودا من علاقات خاصة تبقى جعجعة بلا طحين من دون دعم عسكري سخي ولا سيما في مجال الأسلحة البحرية وتحديدا السفن والغواصات؛ لأن ألمانيا تعد من أكثر الدول تقدما في مجال الصناعات الحربية البحرية.
ففي مجال السفن الحربية تعتمد إسرائيل اعتمادا مباشرا على الخبرة الطويلة لشركتين ألمانيتين تعدان من الشركات السباقة عالميا في مجال صناعة المعدات العسكرية البحرية.
هنا، يدور الحديث عن السفينة الحربية كورفيت أو ساعر 6 وهي فئة مكونة من أربع سفن صممتها الشركة الألمانية لصناعة الغواصات والسفن الحربية توسن كروب وصنعتها مواطنتها “جيرمان نيفال ياردز كيل” (German Naval Yards Kiel) في مدينة كيل شمالي ألمانيا.
ووفق شركة توسن كروب حصلت إسرائيل على السفن الأربع على الشكل التالي:
الدرع (INS Magen) في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
الجرأة (INS Oz) في مايو/أيار 2021.
الاستقلال (INS Atzmaut) في أبريل/نيسان 2023.
الانتصار (INS Nitzachon) في ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد شهرين من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبوصول السفينة الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول ودخولها في الخدمة، تكون خطة استبدال السفن من فئة ساعر 5 التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة بأربع سفن من طراز ساعر 6 قد اكتملت.
وبلغت تكلفة السفن الأربع 430 مليون يورو (461 مليون دولار) تحملت الحكومة الألمانية أقل من ثلثها بقليل، علمًا بأن هذه التكاليف لا تشمل الأسلحة والمجسات التي تحملها هذا السفن والتي أصرت الحكومة الإسرائيلية على أن تكون ذاتية الصنع.
ووفق بيانات الشركة المصممة، فإن سرعة هذه السفن تبلغ 30 عُقدة (56 كلم في الساعة) ويبلغ طولها 92 مترا وعرضها 13 مترا، وهي مزودة بتقنية التخفي.
ولكن استعداد الحكومات الألمانية المتعاقبة للمشاركة في تمويل صفقات الأسلحة لإسرائيل والجودة العالية التي تتمتع بها الأسلحة البحرية الألمانية حفز إسرائيل على منح الشركة الألمانية “شرف” -على حد وصف الشركة نفسها- تزويد البحرية الإسرائيلية بالسفن، وكذلك بالغواصات القادة على حمل رؤوس نووية.
ففي العشرين من يناير/كانون الثاني 2022 وقعت شركة توسن كروب اتفاقا إطاريا مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لشراء 3 غواصات من طراز داكار.
بهذه الاتفاقية، تنفرد ألمانيا بجميع صفقات تزويد إسرائيل بغواصاتها سواء الثلاث الجديدة -داكار- المقرر استلام القطعة الأولى منها بعد 9 سنوات أي في عام 2030 أو 6 غواصات أخرى من طراز دولفين -خمس منها قادرة على حمل رؤوس نووية- تم تصميمها وصناعتها بين عامي 1992 و2021 في الحوض التابع لشركة “ثوسنكروب” (ThyssenKrupp)، ومن المقرر البدء عام 2027 في إخراجها تدريجيا من الخدمة لتحل مكانها غواصات داكار الجديدة.
وعلقت الشركة المصنعة على توقيع الاتفاق بقولها آنذاك “بصفتنا شركة توسن كروب للأنظمة البحرية نتشرف ونفتخر بمواصلة التعاون الطويل -الذي يمتد لعقود- مع وزارة الدفاع الإسرائيلية والبحرية الإسرائيلية”، مضيفة “تظهر هذه الاتفاقية الالتزام العميق لشركة توسن كروب مارينه سيستمز بضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل”.
ووفق الشركة، فإن فئة غواصات داكار ستكون ذات تصميم جديد تماما، وستتم صناعتها خصيصا لتلبية المتطلبات التشغيلية للبحرية الإسرائيلية.
يشار إلى أن تسمية الغواصات الجديدة بداكار تأتي تشريفًا لغواصة آشي داكار الإسرائيلية التي غرقت في ظروف غامضة عام 1968.
العقدة:
تؤكد عدة جهات مهتمة بصفقات التسلح بين ألمانيا وإسرائيل أن الأخيرة لم تكن مستعدة لتوقيع صفقات أسلحة مكلفة (في هذه الحالة غواصات) إلا إذا كانت الحكومة الألمانية مستعدة لحل مشكلة التمويل المكلف.
ومن هذه الجهات المركز الألماني للشؤون الأمنية بين ضفتي الأطلسي “بي آي تي إس” (BITS) الذي يؤكد أن “مشروع غواصات دولفين” يعد مثالا نموذجيا لصفقات الأسلحة بين ألمانيا وإسرائيل، ويبيّن بوضوح أن أي اتفاقيات لتزويد إسرائيل بالسلاح “لن تتم إلا إذا كانت الجهة المصدّرة -وهي في هذه الحالة ألمانيا وفي بعض الحالات الولايات المتحدة- مستعدة لدفع ثمن هذا السلاح”، مما يعني حصول إسرائيل على هذه الأسلحة المعقدة مجانا تقريبا. وتؤكد الدراسة أن دافعي الضرائب الألمان تحملوا قرابة 85% من تكاليف الغواصات الست.
ففي منتصف الثمانينيات، قررت البحرية الإسرائيلية طلب خمس غواصات تعمل بالديزل لتحل مكان غواصات “غال” (GAL) وتوجهت بهذا الطلب إلى الشركة الألمانية “آي كي إل” (IKL) في مدينة لوبِك شمالي ألمانيا، ولكن هذا المشروع تأخر بسبب نقص التمويل، وعندما فشلت إسرائيل في الحصول على تمويل من برنامج التمويل الأميركي (فورن ميلاتري أسايستنس بروغرام)؛ لأن الأميركيين اشترطوا تقديم 600 مليون دولار لمنح عطاء صناعة هذه الغواصات للشركة الأميركية لايتون إننغالز، عند ذلك أنقذت الحكومة الألمانية هذا المشروع وأبدت استعدادها لدفع 880 مليون مارك ألماني غربي من أجل تمويل صناعة الغواصات الخمس المطلوبة.
وفي عام 1991 وافق المستشار الألماني هيلموت كول على دعم صفقات أسلحة لإسرائيل بقيمة 1.2 مليار مارك غربي ليتم في يونيو/حزيران من العام المذكور توقيع الاتفاقيات اللازمة لإتمام صفقة صناعة غواصتين من بين خمس هي العدد الإجمالي للغواصات المطلوبة.
وفي عام 1992 بدأت المفاوضات من أجل صناعة غواصة ثالثة، وفي هذه المرة أيضا، لم توافق إسرائيل على طلب هذه الغواصة إلا بعد أن كانت ألمانيا في عام 1994 مستعدة لدفع 220 مليون مارك ألماني غربي ليتم توقيع الاتفاقية المطلوبة في التاسع من فبراير/شباط 1995.
ووفق هذه الاتفاقيات، سلمت ألمانيا الغواصات الثلاث لإسرائيل وهي دولفين في يوليو/تموز 1999 وليفياثان في نوفمبر/تشرين الثاني 1999، وتاكوما في أكتوبر/تشرين الأول 2000.
وقبل أن يغادر الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر منصبه عام 2005، صادق على تصدير غواصتين جديدتين، وفي مارس/آذار 2012 وقعت حكومة أنجيلا ميركل مع إسرائيل عقدا لتصدير غواصة سادسة ليكتمل بذلك مسلسل تزويد ألمانيا إسرائيل بست غواصات خمس منها قادرة على حمل رؤوس نووية.
البرلمانية الألمانية داغديلن اعتبرت أن إمكانية تزويد هذه الغواصات برؤوس نووية أصبحت مع الوقت “سرًّا مكشوفًا”، وأن الحكومة الألمانية مطالبة بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل وبالعمل على منع التصعيد بدلا من استخدام أموال الضرائب لتصدير أسلحة إلى مناطق الحروب.
شولتز الواثق بإسرائيل:
هذا الدعم العسكري السخي والمتواصل منذ عقود يتزامن في غالب الأحيان مع تأييد سياسي ألماني لحكومة “يمينة متطرفة جزئيا يقودها بنيامين نتنياهو قتلت في حرب وحشية في غزة -حتى كتابة هذا التقرير- 34 ألف شخص، بينهم 14 ألف طفل، وجرحت 70 ألفا آخرين”، على حد قول النائبة في البرلمان الألماني سيفيم داغديلن.
فبعد السابع من أكتوبر، تبنّت حكومة أولاف شولتز بأحزابها الثلاثة الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبرالي رواية الجيش الإسرائيلي وحكومة بنيامين نتنياهو كلّيًّا، وهو ما عبر عنه شولتز يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعد أسبوعين ونصف الأسبوع من الضربات الجوية المكثفة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بقوله إنه “لا يشكك” في التزام الجيش الإسرائيلي بالمعايير الدولية والإنسانية للحروب.
وكرر شولتز مرارا أن إسرائيل “دولة ديمقراطية تُقاد بمعايير إنسانية جدا. ولهذا، يمكن لنا أن نكون متأكدين من أن الجيش الإسرائيلي ملتزم فيما يقوم به بالقانون الدولي”، مضيفا أنه “لا يشك” في ذلك.
واتهمت النائبة داغديلن حكومة شولتز بـ”النفاق” و”ازدواجية المعايير” وعدم الاكتفاء بـ”السكوت عن جرائم الجيش الإسرائيلي”، بل إنها “واصلت تقديم الدعم العسكري” لهذا الجيش.
واعتبرت المسؤولة “الدعم العسكري غير المتحفظ” الذي تقدمه ألمانيا والولايات المتحدة لإسرائيل بمثابة “تصريح مطلق (ضوء أخضر) للإبادة الجماعية” في غزة، قائلة إن “ازدواجية المعايير تعرقل الحلول الدبلوماسية وتساهم في تصعيد الصراع”.
هذا الدعم السياسي ترجمته الحكومة الألمانية أيضا إلى تضامن مع إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية عندما أعلنت عزمها التدخل كطرف ثالث في مواجهة اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، ولكن هذا الدعم جلب إلى ألمانيا مفاجأة متوقعة عندما رفعت نيكاراغوا أمام المحكمة ذاتها دعوى ضد حكومة برلين بتهمة تزويد إسرائيل بالأسلحة رغم الحرب المدمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي في القطاع.
أمام القضاء الألماني:
ولكن ملاحقة الحكومة الألمانية قضائيا لا تقتصر على اللجوء إلى محاكم دولية. ففي ألمانيا نفسها، تم لغاية الآن رفع ثلاث دعاوى يقف خلف واحدة منها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان “إي سي سي أتش آر” (ECCHR).
وتنص الدعوى المسجلة بتاريخ 11 أبريل/نيسان 2024 على أن المركز “سيقاضي الحكومة الألمانية بسبب صادرات الأسلحة إلى إسرائيل التي تستخدم في قطاع غزة”، وعلى أنه سيقدم دعوى أمام محكمة برلين الإدارية بالتعاون مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز “الميزان” لحقوق الإنسان في غزة ومنظمة “الحق” الفلسطينية.
ووفق المحامي المشرف على الدعوى ألكسندر شفارتس، فإن الغرض من اللجوء إلى القضاء هو إجبار حكومة برلين على “وقف فوري لجميع تراخيص واردات الأسلحة إلى إسرائيل وتحديدا المقذوفات”، في إشارة منه إلى مقذوف ماتادور الذي استُخدم وفقًا لدراسة مؤسسة فورنسِس في خان يونس.
وأكد شفارتس، في حديث مع الجزيرة، أن الدعوى تنطلق من وجود “إشارات إلى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد المواطنين الفلسطينيين في غزة”، مضيفا أن الحكومة الألمانية “تخرق بصادرات الأسلحة إلى إسرائيل اتفاقيات القانون الدولي واتفاقية منع الإبادة الجماعية والقوانين الدولية واتفاقيات جنيف التي صادقت عليها”.
بحسب شفارتس، فإن المركز لديه “أدلة حسية قوية” على استخدام أسلحة ألمانية في غزة و”معرفة بإرسال أسلحة ألمانية إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وتحديدا مقذوفات ماتادور ألمانية الصنع”، مضيفا أن “اسم وتعريف المقذوف يشيران إلى أنه سلاح دفاعي، ولكنه يستخدم للأعمال العسكرية في المناطق الحضرية وتحديدا ضد البيوت والسيارات والجدران، وهذا يعني أن هذه المقذوفات لا يقتصر دورها على مواجهة الدروع”.
وأعرب شفارتس عن تفاؤله بنجاح الدعوى أمام المحكمة، مشيرا إلى القانون الألماني لمراقبة تصدير الأسلحة القتالية بقوله إن “الفقرة الثالثة من المادة رقم 6 في هذا القانون تشير إلى منع إصدار تراخيص تصدير أسلحة قتالية إذا كانت هذه التراخيص تجعل ألمانيا تخرق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها”.
ويمثل المركز في هذه الدعوى خمس عائلات من قطاع غزة واحدة منها عائلة عبد الرحمن جمعة الذي فقد في العشرين من فبراير/شباط 2024 زوجته نور أبو النور وهي محامية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وطفلتهما الرضيعة كِنزي بقصف استهدف منزل عائلة الزوجة في رفح.
ووفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن القصف استهدف منزل الدكتور ناصر أبو النور، وهو عميد كلية التمريض في الجامعة الإسلامية بغزة، مما أدى إلى استشهاد مالك المنزل وزوجته وابنهما و4 بنات لهما إحداهن المحامية نور زوجة عبد الرحمن جمعة، والرضيعة كنزي.
وختم المحامي شفارتس بالمادة الثانية في القانون الأساسي الألماني (الدستور) بقوله “عبد الرحمن جمعة له الحق في الحياة وهذا الحق يرتكز في دعوتنا ضد الحكومة الألمانية إلى القانون الأساسي الألماني، وهذا يعني أننا نقول إن المادة الثانية في دستورنا تضمن الحق في الحياة، وذلك عندما تكون الدولة الألمانية مطالبة بتوفير الحماية وألمانيا تكون مطالبة بتوفير الحماية في كل مكان يشكل فيه تصرفها التنفيذي (Exekutiv) خطرا على حياة إنسان ما.
وهنا لا أقصد حياة الإنسان الألماني فقط، بل حياة كل إنسان متضرر من التصرف التنفيذي للدولة الألمانية (…) في ألمانيا، هناك أمر تطور وأصبح يحظى بقبول واحترام جميع المحاكم والأوساط القضائية وهو: إذا كان لقرارات سياسية اتخذت في برلين تبعات في مناطق خارج ألمانيا، فهذا يعني أن ألمانيا مطالبة في هذه المناطق بتوفير الحماية للناس، وفي هذه الحالة عبد الرحمن جمعة محمي أيضا بالقانون الأساسي الألماني؛ لأن الأسلحة الألمانية تستخدم في غزة (..).
هذا الأمر مهم من الناحية القضائية ولكنه مهم أيضا لأنه يعطي للدستور الألماني هامش تصرف كبيرًا عندما يتعلق الأمر بأمور أساسية كالحياة والموت والقدرة على البقاء على قيد الحياة، وهذا يمنح السيد عبد الرحمن جمعة وموكلينا الأربعة الآخرين الحق في اللجوء إلى القضاء الألماني، وهذا هو دورنا نحن المدافعين عن العدالة”.
.
.
المصدر : الجزيرة