عدة دول غربية وعربية تتخذ من النسر أو الصقر رمزا، ومع ذلك فهذه الدول تتباين قوة وضعفا، وتماسكا وهشاشة، وتقدما وتخلفا، ووعيا حضاريا وسلوكا حضاريا.
فالشعار يظل رمزا لا قيمة له، ما لم تبن الأمم على القيم والمبادئ والجد والسعي.
الحضارات الوثنية تفننت في اتخاذ آلهة، من مظاهر الفلك السماوية إلى مظاهر الطبيعة الأرضية، إلى منحوتات بشرية، وصبغت آلهتها بكل صيغ المجد والتقديس، لكن على أرض الواقع كان الجد والعمل والاجتهاد والإعداد والإنتاج والحصاد والعقول والأيدي هي التي صنعت الأمجاد وميزت بين الدول والحضارات، لأن آلهتها لم تكن إلا رموزا لا تقدر على شيء.
يمنيا، انخرط اليمنيون في عبادة الشمس، والتحقوا بالدين اليهودي زمن سليمان -عليه السلام، وآمنوا بالمسيحية حتى حرقوا في الأخاديد، ودخلوا في الإسلام، فعاصروا كل الملل والديانات، ولا يمكن القول إن هويتهم مختصرة في إحدى تلك الأزمنة. وإذا كنا نرغب اليوم في بعث #أمة_يمنية فعلينا أن نعي بحقيقة القيم والمبادئ والأسس التي تبعث عليها، بعيدا عن سطحية الترميز.
هل نريدها أمة قائمة بذاتها حقا؟ تتصل بخالقها وتتمسك بدينها وتقوم بوظائف الاستخلاف على جغرافيتها على أكمل وجه، بنهوض حضاري وتنمية اقتصادية وتمكين سياسي.
أم نريدها أمة تابعة؟ محتلة مستباحة؟ خاضعة ذليلة؟ تتلقف أفكار الآخرين وتتلقى أوامرهم؟!.
اليمنيون، وهم أصل العرب حقيقة، أضاعوا كثيرا من الوقت خارج بناء ذاتهم اليمنية. ذاتهم اليمنية التي استجابت للرسالات السماوية الحقة زمن عهودها التوحيدية فخلد ذكرهم واتسع مجدهم. وهم اليوم بحاجة إلى أن يعيدوا مكانتهم كأمة هدى ورشد وعدل وخير للناس. وقد ضحوا على سفوح فلسطين وأفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق وسوريا دماءهم ليحرروا الشعوب من الظلم والجور والاحتلال، وانتشروا جنوب شرق آسيا وشرق وجنوب أفريقيا يحملون الدعوة والأخلاق مبشرين وتجارا. وهم اليوم في أوربا وأمريكا من أفضل الجاليات سلوكا وأقلهم إشكالا وجريمة ساعين في كسب عيشهم بكرامة نفس وعزة روح.
فآن لهذه الأمة أن تنهض وأن تستعيد قوتها ومكانتها وسؤددها ودولتها وأن تقوم بالنصرة والتضحية على تراب أرضها، لصالح ذاتها وذاتها فقط.
وأما الخصومة على رموز لا معنى لها فخلل في التفكير والوعي فما يغني الوعل عن قوم لا يعقلون وأمة لا تعمل لذاتها بصدق وإخلاص، ولو نزل ذلك الوعل من الجنة؟!
الوعل والرمزية:
البعض فهم أنني ضد شعار الوعل، أو أي شعار يرمز لمعنى مقبول شرعا وعقلا وعرفا، وهذا عدم فهم.
الرمزية أمر يحكم كل تصرفات الإنسان، فالحروف والأرقام رموز، وكل الإشارات الخاصة بالمرور والبضائع والسفر رموز، وكثير من العلوم مبنية على الرموز. فالرمز اختصار لفكرة أو معنى أو مدلول.
وإذا كانت الفكرة أو المعنى أو المدلول صحيحا، أو لا مانع منه، فالأصل الإباحة، طالما أن الرموز المتخذة أيضا لا تسيء بالآخرين.
وقد اتخذ المسلمون الهلال رمزا، ولم يكن مقصودهم عبادته، وإن شاركهم غيرهم في هذا الرمز أو عبدوا القمر فهذا لا ينفي أصل الإباحة لأنه رمز مباح في ذاته. وهناك من يتخذ السيف أو غيره رمزا.
وأغلب الشركات والمؤسسات والأحزاب والدول لها رموزها.
ويمنيا، فإن النسر المطبوع على الأوراق الرسمية اليمنية ظل رمزا للجمهورية بما يحمله من دلالات القوة والتحليق. وللعلم فإن النسر رمز لإله الأزيتيك، وللإله أودين في الديانة الإسكندنافية، وكثيرا ما يرمز النسر في الديانة المسيحية إلى السيد المسيح، كما أن القديس يوحنا الإنجيلي كثيرا ما صور على هيئة نسر، أو يصاحبه نسر، لأن إنجيله كان يعد عند آباء الكنيسة أكثر الأناجيل الأربعة إلهاما وروحية.
وعليه، فلو اتفق اليمنيون على اختيار الوعل رمزا، دون دلالة دينية أو طائفية أو عنصرية أو مناطقية، في إشارة للقوة واستيطان الجبال، لم يكن في ذلك شيء. ولو جاء من يراه إلها لم يضرهم، فهناك من يسجد لقبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم، ويعتقد فيه وفي الكعبة والحجر الأسود اعتقادات باطلة فماذا كان؟!