قال القيادي في حركة “حماس” طاهر النونو اليوم السبت إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب “صادمة للجميع”، مطالباً الإدارة الأميركية بالكف عن التحيّز لإسرائيل التي اتهمها “بتعطيل أي اتفاق” لوقف إطلاق النار في غزة.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لـ”حماس” لوكالة الصحافة الفرنسية، إن تصريحات ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف “شكلت صدمة كبيرة للجميع”.
وقال ترامب أمس الجمعة إن “’حماس‘ لم تكن ترغب حقاً في إبرام اتفاق. أعتقد أنهم يريدون أن يموتوا، وهذا أمر خطر للغاية”.
وبدوره حمل ويتكوف “حماس” مسؤولية فشل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل التي شارك فيها في الدوحة إلى جانب مسؤولين قطريين ومصريين. وقال ويتكوف إن “’حماس‘ لا تبدي مرونة أو تعمل بحسن نية”.
تعليقاً على هذه التصريحات، قال النونو “نطالب بوقف الانحياز الأميركي (لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو الذي يعطل أي اتفاق ويواصل العدوان والتجويع” في الحرب المدمرة التي تجاوزت 21 شهراً في القطاع المحاصر الذي يفتك الجوع بأهله.
وأضاف أن تصريحات ترامب “مستغربة جداً، لأنها تأتي بعدما حصل تقدم في بعض ملفات التفاوض”. وأوضح، “حتى اللحظة لم نبلغ بوجود أي إشكال في شأن أي ملف من ملفات التفاوض… (حماس والفصائل الفلسطينية) تعاملت بإيجابية مطلقة ومرونة كبيرة مع جهود الوسطاء الذين أبدوا ارتياحاً وأشادوا بها”. وأكد جهوزية “حماس” لمواصلة المفاوضات واستكمالها “بجدية”.
من جانبه، طالب عضو المكتب السياسي لـ”حماس” عزت الرشق الإدارة الأميركية بأن “تمارس دوراً حقيقياً في الضغط على حكومة الاحتلال للانخراط الجاد في التوصل إلى اتفاق”. ودعا واشنطن إلى “التوقف عن تبرئة الاحتلال وتوفير الغطاء السياسي والعسكري له لمواصلة حرب الإبادة والتجويع في حق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة”.
وقال الرشق إن واشنطن “تغض النظر عن المعرقل الحقيقي لكل الاتفاقات، والمتمثل في حكومة نتنياهو التي تضع العراقيل، وتراوغ، وتتهرب من الالتزامات”. وأوضح أن رد “حماس” على الاقتراح الذي نوقش في الدوحة تضمن “تأكيدنا فقط ضرورة وضوح البنود وتحصينها، لا سيما ما يتعلق بالشق الإنساني، وضمان تدفق المساعدات بصورة كثيفة وتوزيعها من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها” من دون تدخل إسرائيلي.
وقال مسؤول قريب من المفاوضات إن رد “حماس” تضمن “المطالبة بأن تنسحب القوات الإسرائيلية من التجمعات السكنية وطريق صلاح الدين (الواصل بين شمال القطاع وجنوبه)، على أن يكون أقصى عمق لوجودها هو 800 متر في كل المناطق الحدودية الشرقية والشمالية للقطاع”.
كذلك طالبت “حماس” “بزيادة عدد المفرج عنهم من الأسرى الفلسطينيين من ذوي المحكوميات المؤبدة والعالية مقابل كل جندي إسرائيلي حي” يُطلق سراحه من بين الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة.
قتلى وقصف مستمر
ميدانياً، أعلن الدفاع المدني في غزة مقتل 11 فلسطينياً في غارات جوية إسرائيلية اليوم السبت على القطاع.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مسعفين نقلوا أربعة قتلى وعدداً من المصابين جراء غارة جوية إسرائيلية فجر اليوم استهدفت شقة سكنية في حي الرمال غرب مدينة غزة، ونقل الضحايا والمصابون إلى مستشفى الشفاء في غرب المدينة.
وفي خان يونس جنوب القطاع، قتل شابان في العشرينيات من العمر في غارة قرب دوار بلدة بني سهيلة شرق المدينة، بحسب بصل. كما قتل شخص وأصيب ثلاثة آخرون بقذيفة مدفعية أصابت منزلاً في مخيم البريج وسط القطاع.
وأوضح بصل أن شخصاً قتل وأصيب عدد آخر من منتظري المساعدات “بنيران الاحتلال قرب جسر وادي غزة” وسط القطاع. وقتل شخص آخر “بنيران الاحتلال” من منتظري المساعدات في منطقة الواحة” شمال غربي غزة.
وبحسب شهود عيان، تجمع عدة آلاف الأشخاص بهدف الحصول على مساعدات غذائية. وذكر شاهد عيان وهو أبوسمير حمودة (42 سنة)، أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار “باتجاه المواطنين عندما حاولوا الاقتراب من الحاجز العسكري” الإسرائيلي في منطقة زيكيم شمال غربي السودانية.
من جهة ثانية، قال بصل إن طواقم الدفاع المدني تمكنت صباح اليوم من انتشال 12 جثة من منطقة موراج شمال رفح جنوب القطاع، وذلك بعد التنسيق مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، مشيراً إلى أنهم قتلوا جراء قصف إسرائيلي مساء أمس الجمعة ونقلت جثثهم إلى مستشفى ناصر في خان يونس.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لـ”حماس” في غزة “وفاة طفلين هما الرضيع هود عرفات، في مدينة غزة، وزينب أبو حليب (ست سنوات) في خان يونس، جراء الجوع وسوء تغذية حاد ونقص الحليب”.
وحذر الإعلام الحكومي في غزة التابع للحركة من أن قطاع غزة “على أعتاب مقتلة جماعية بحق 100 ألف طفل، من بينهم 40 ألف رضيع”، مضيفاً أنهم “يواجهون خطر الموت الجماعي خلال أيام بسبب انعدام حليب الأطفال والمكملات الغذائية تماماً، جراء استمرار الحصار وإغلاق المعابر ومنع دخول المستلزمات الأساسية”.
في الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم السبت أن “مقذوفاً” تم إطلاقه من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وقال في بيان، “رُصد مقذوف عبر قطاع غزة من الجنوب، وسقط على الأرجح في منطقة مفتوحة”، مشيراً إلى عدم ورود إصابات.
تعثر المفاوضات
يأتي ذلك فيما بدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب قد بدآ يتخليان أمس الجمعة عن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مع “حماس”، وقالا إن من الواضح أن الحركة الفلسطينية لا تريد التوصل إلى اتفاق.
وقال نتنياهو إن إسرائيل تدرس الآن خيارات “بديلة” لتحقيق أهدافها من الحرب المتمثلة في إعادة الرهائن من قطاع غزة وإنهاء حكم حركة “حماس” في القطاع.
وتفشى الجوع في القطاع في وقت يعيش فيه معظم السكان في مخيمات نزوح وسط دمار واسع النطاق.
وقال ترامب إنه يعتقد أن قادة الحركة “سيُلاحقون” الآن، وأضاف للصحافيين في البيت الأبيض “حماس لم تكن تريد التوصل إلى اتفاق. أعتقد أنهم يريدون الموت. وهذا أمر سيئ للغاية. لقد وصل الأمر إلى نقطة لا بد فيها من إنهاء المهمة”.
وبدت التصريحات وكأنها تغلق الباب، في الأقل خلال المدى القريب، أمام استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار، في وقت تتصاعد فيه المخاوف الدولية من تفاقم الجوع في قطاع غزة الذي يعاني ويلات الحرب.
وفي رد فعل على تدهور الوضع الإنساني في غزة أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس ستصبح أول قوة غربية كبرى تعترف بدولة فلسطينية مستقلة.
وقالت بريطانيا وألمانيا إنهما ليستا مستعدتين بعد لاتخاذ هذه الخطوة، لكنهما انضمتا لفرنسا في الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أمس إن الحكومة لن تعترف بدولة فلسطينية إلا في إطار اتفاق سلام تفاوضي.
وقلل ترمب من أهمية خطوة ماكرون قائلاً “ما يقوله لا يهم”. وأضاف للصحافيين في البيت الأبيض “إنه رجل جيد جداً، يعجبني، لكن هذا التصريح ليس له أي أهمية”.
وفي السياق، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني اليوم إن الاعتراف بدولة فلسطين قبل قيامها قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وأضافت في تصريح لصحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، “أنا أؤيد بشدة (قيام) دولة فلسطين، لكنني لا أؤيد الاعتراف بها قبل إقامتها”. وتابعت، “إذا تم الاعتراف على الورق بشيء غير موجود، فقد تبدو المشكلة وكأنها حُلّت وهي لم تُحل”.
وسحبت إسرائيل والولايات المتحدة وفديهما من محادثات وقف إطلاق النار في قطر أول من أمس الخميس، وذلك بعد ساعات قليلة من تقديم حركة “حماس” ردها على مقترح الهدنة.
وذكرت مصادر في بادئ الأمر أن انسحاب الوفد الإسرائيلي يهدف فقط للتشاور، ولا يعني بالضرورة أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، لكن التصريحات التي أدلى بها نتنياهو في وقت لاحق أشارت إلى أن الموقف الإسرائيلي ازداد تشدداً.
وحمل المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حركة “حماس” مسؤولية جمود المفاوضات، وقال نتنياهو إن ويتكوف “على صواب”.
وقال باسم نعيم القيادي في “حماس” على “فيسبوك” إن المحادثات كانت بنَّاءة، لكنه انتقد تصريحات ويتكوف ووصفها بأنها محاولة للضغط بالنيابة عن إسرائيل.
وأضاف نعيم “ما قدمناه، بكل وعي وإدراك لتعقيد المشهد، نعتقد أنه يوصل لصفقة، (لو) كانت لدى العدو إرادة لذلك، ويمكن أن يبنى عليه اتفاق وقف إطلاق نار دائم وانسحاب القوات المعادية بشكل كامل، والكرة الآن في ملعب العدو الصهيوني وداعميه لإنهاء هذه اللعبة القذرة”.
تفاوض معقد
قالت الوسيطتان مصر وقطر في بيان مشترك أمس الجمعة إن بعض التقدم تحقق في أحدث جولة من محادثات وقف إطلاق النار وإن تعليق المفاوضات للتشاور قبل استئنافها أمر طبيعي في سياق تفاوض معقد.
وذكر البيان المشترك “تشير الدولتان إلى إحراز بعض التقدم في جولة المفاوضات المكثفة الأخيرة التي استمرت لمدة ثلاثة أسابيع، وتؤكدان أن تعليق المفاوضات لعقد المشاورات قبل استئناف الحوار مرة أخرى يعد أمراً طبيعياً في سياق هذه المفاوضات المعقدة”. وقال البيان “تؤكد الدولتان بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية التزامهما باستكمال الجهود وصولاً إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في القطاع”. كما أشار البيان إلى أن جهود التفاوض متواصلة، ودعا إلى عدم التقليل منها، وقال “تدعو الدولتان إلى عدم الانسياق وراء تسريبات تتداولها بعض وسائل الإعلام في محاولات للتقليل من هذه الجهود والتأثير في مسار العمل التفاوضي، وتشددان على أن هذه التسريبات لا تعكس الواقع وتصدر عن جهات غير مطلعة على سير المفاوضات”.
وتطرق البيان للتغطية الإعلامية لسير التفاوض بالقول “تدعو الدولتان وسائل الإعلام الدولية إلى التحلي بالمسؤولية وأخلاقيات مهنة الصحافة وتسليط الضوء على ما يجري في القطاع من معاناة غير مسبوقة، لا أن تلعب دوراً في تقويض الجهود التي تسعى إلى إنهاء الحرب على القطاع”.
وينص مقترح الهدنة على وقف القتال لمدة 60 يوماً والسماح بدخول مساعدات إنسانية إضافية إلى قطاع غزة إلى جانب إطلاق سراح عدد من الرهائن المتبقين، وعددهم 50، مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن تنفيذ المقترح تعثر بسبب خلاف حول مدى انسحاب القوات الإسرائيلية والأوضاع بعد مرور فترة الـ60 يوماً في حالة عدم التوصل إلى اتفاق دائم.
ورحب وزير الأمن الوطني الإسرائيلي إيتمار بن جفير بالخطوة التي أقدم عليها نتنياهو، ودعا إلى وقف كامل للمساعدات إلى غزة والاستيلاء الكامل على القطاع. وأضاف في منشور على منصة “إكس”، “الإبادة الكاملة لـ(حماس) وتشجيع الهجرة والاستيطان” اليهودي.
تفشي الجوع
تقول وكالات إغاثة دولية إن الجوع تفشى على نطاق واسع بين سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة مع نفاد المخزونات وقطع إسرائيل كل الإمدادات للقطاع في مارس (آذار) والسماح ببعضها في مايو (أيار) الماضي، لكن بقيود جديدة.
وقال الجيش الإسرائيلي أمس الجمعة إنه وافق على السماح للدول بإيصال مساعدات عبر الإسقاط الجوي لقطاع غزة. ورفضت حركة “حماس” الخطوة ووصفتها بأنها حركة استعراضية.
وقال مدير المكتب الإعلامي لحكومة قطاع غزة الذي تديره حركة “حماس” إسماعيل الثوابتة “قطاع غزة لا يحتاج إلى استعراضات جوية، بل إلى ممر إنساني مفتوح وشاحنات إغاثة تتدفق يوميا لإنقاذ ما تبقى من أرواح الأبرياء المحاصرين المجوعين”.
وقالت السلطات الطبية في قطاع غزة إن تسعة فلسطينيين آخرين توفوا على مدى الساعات الـ24 الماضية بسبب سوء التغذية والجوع الشديد. وتوفي العشرات خلال الأسابيع القليلة الماضية مع تفاقم أزمة الجوع في القطاع.
وتقول إسرائيل إنها تسمح بدخول ما يكفي من الطعام للقطاع وتتهم الأمم المتحدة بالإخفاق في توزيعه، وهو ما وصفته وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس الجمعة بأنه “حيلة متعمدة لتشويه سمعة إسرائيل”.
وتقول الأمم المتحدة إنها تعمل بأقصى كفاءة ممكنة في ظل القيود الإسرائيلية.
وقالت وكالات تابعة للأمم المتحدة أمس الجمعة إن إمدادات الأغذية العلاجية المتخصصة التي يمكن أن تنقذ أرواح الأطفال المصابين بسوء تغذية حاد تنفد من القطاع.
وأظهرت رسالة اطلعت عليها “رويترز” أمس أن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر طالب إسرائيل بتقديم أدلة على اتهاماتها بأن موظفين في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لهم صلات بحركة “حماس”.
وتزامن استمرار الهجمات الإسرائيلية على الأرض مع محادثات وقف إطلاق النار.
وقال مسؤولون فلسطينيون في قطاع الصحة إن الضربات الجوية والقصف بالنيران الإسرائيلية أسفر عن مقتل 21 في الأقل بأنحاء القطاع أمس الجمعة من بينهم خمسة قتلوا في غارة على مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة.
وشيع فلسطينيون في المدينة جثمان الصحافي آدم أبو هربيد في جنازة عبر الشوارع وهو ملفوف في كفن أبيض وعليه سترة زرقاء تحمل بوضوح كلمة “صحافة” باللغة الإنجليزية بعدما قتل في هجوم إسرائيلي على مخيم للنازحين.
وقال محمود عوضية، وهو صحافي آخر حضر الجنازة، إن الإسرائيليين يتعمدون استهداف الصحافيين. وتنفي إسرائيل أنها تستهدف الصحافيين عمداً.
وشنت إسرائيل الحملة العسكرية على قطاع غزة بعدما اقتحم مسلحون بقيادة “حماس” بلدات إسرائيلية قرب الحدود في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتشير إحصاءات إسرائيلية إلى أن هذا الهجوم أدى إلى مقتل نحو 1200 واحتجاز 251 رهينة.
ويقول مسؤولون فلسطينيون في قطاع الصحة إن القوات الإسرائيلية قتلت منذ ذلك الحين ما يقرب من 60 ألفاً في قطاع غزة ودمرت معظمه.