الأخبار المحلية
أخر الأخبار

ترتيبات سياسية واستعدادات عسكرية في اليمن.. ماذا بعد؟

في الوقت الذي وصلت فيه الأزمة اليمنية إلى طريق مسدود، وصار وضع البلاد عصيا على الحل السياسي أو الحسم العسكري، برزت معطيات جديدة تشير إلى أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد، لكنه تصعيد يظل بعيدا عن جوهر الأزمة اليمنية وسياقها المحلي، أو ربما توظيف السياق المحلي لتحقيق أهداف لقوى أخرى، عربية وأجنبية، بشأن أمن البحر الأحمر وما يترتب على التصعيد فيه من خسائر لمختلف دول المنطقة.

عسكريا، تجري مليشيا الحوثيين تحركات عسكرية واسعة في مدينة الحديدة ومحيطها استعدادا منها لمعارك قادمة لم تتضح طبيعتها بعد، سبقها تعزيز جبهات الداخل بحشود عسكرية وحفر خنادق وبناء متارس خلال الأشهر الماضية. وقبل أيام، اقترحت دولة الإمارات إنشاء تحالف عسكري يكون بديلا عن تحالف “حارس الازدهار” لحماية أمن البحر الأحمر ضد تهديدات الحوثيين، كما شهدت الأسابيع الأخيرة لقاءات متفرقة جمعت أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي وسفراء دول عربية وأجنبية ركزت في مجملها على أمن البحر الأحمر.

وسياسيا، يبدو أن هناك محاولات سعودية وأمريكية لإعادة إحياء دور الأحزاب اليمنية ربما استعدادا لترتيبات موازية لما يبدو أنه تصعيد عسكري محتمل، مثل التكتل الحزبي الجديد الذي أُعلِن عنه مؤخرا في العاصمة المؤقتة عدن، وشمل جميع الأحزاب والمكونات السياسية المناوئة لمليشيا الحوثيين، والهدف الرئيسي من إنشاء التكتل مساندة السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، ثم عقد لقاء جمع بين قيادات من حزب الإصلاح ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، بهدف تعزيز العلاقات بين القوى المناهضة لمليشيا الحوثيين، يضاف إلى ذلك التنسيق لعقد جلسات مجلس النواب في مدينة عدن.

وكان قد بحث لقاء يمني أمريكي، في 13 أكتوبر الماضي، سبل دعم الجيش الوطني والجهود المشتركة للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وقالت الخارجية الأمريكية حينها إن رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية، الفريق صغير بن عزيز، والسفير اليمني لدى واشنطن، محمد الحضرمي، عقدا مباحثات مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ.

وأكدت الخارجية الأمريكية، في بيان، التزام الولايات المتحدة بدعم حكومة وطنية قوية وعملية سلام بقيادة يمنية. ومن جانبها، قالت السفارة اليمنية في واشنطن إن “بن عزيز”، الذي زار الولايات المتحدة بشكل رسمي، شارك في جلسة مباحثات خاصة بوزارة الخارجية الأمريكية مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندركينغ وممثلين عن البيت الأبيض ووزارة الدفاع.

وفي 16 أكتوبر الماضي، التقى وزير الدفاع اليمني، محسن الداعري، بسفراء الاتحاد الأوروبي لدى اليمن في العاصمة المؤقتة عدن، وتطرق اللقاء لمجمل الأوضاع في جبهات الداخل، واستمرار تهريب السلاح من إيران للحوثيين، وأيضا استمرار تهديداتهم للملاحة الدولية عبر البحر الأحمر. وقال الداعري، خلال اللقاء، إن أمن خطوط الملاحة البحرية مرهون بدعم قدرات القوات المسلحة اليمنية لبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني، وإنهاء التهديدات الحوثية المتربصة بحرية الملاحة، واصفا ذلك بأنه الطريق الأقرب لعودة الاستقرار لليمن والمنطقة.

– أمن البحر الأحمر في الواجهة

ترتبط مختلف التطورات المذكورة أعلاه بأمن البحر الأحمر على ضوء التصعيد الإقليمي الأخير وتهديدات الحوثيين المستمرة للسفن التجارية وغيرها بالقرب من مضيق باب المندب، وسط توقعات بأن الرئيس الأمريكي الفائز في الانتخابات الأخيرة، دونالد ترمب، سيتخذ نهجا أكثر تشددا ضد الحوثيين بعد تسلمه السلطة في 20 يناير المقبل، على العكس من سلفه جو بايدن، الذي لم يتخذ تدابير حازمة ضد تهديدات المليشيا الحوثية للملاحة الدولية.

لكن من الطرف الذي يسعى إلى تحريك المياه الراكدة في اليمن؟ هل هي السعودية أم الإمارات أم الولايات المتحدة؟ أم أن التنسيق جارٍ بين الأطراف الثلاثة لإجبار الحوثيين على وقف عملياتهم في البحر الأحمر من خلال الضغط السياسي والتلويح بالخيار العسكري؟ وهل هناك جدية فعلا بالخيار العسكري في حال فشلت الضغوط السياسية؟

وإذا افترضنا أنه شُنت عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين، فهل سيكون الهدف منها دعم السلطة اليمنية الشرعية والأطراف المناوئة للحوثيين لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، أم فقط إضعاف الحوثيين وتحرير مدينة الحديدة والساحل الغربي بشكل عام للتخلص من تهديدات الحوثيين لأمن البحر الأحمر؟ وهل هذه الخطوة كافية؟ وماذا لو أن الحوثيين واصلوا هجماتهم على السفن التجارية وغيرها من بقية مناطق سيطرتهم في حال طُرِدوا من مدينة الحديدة والساحل الغربي عموما؟

قبل الإجابة عن هذه التساؤلات، سنعود إلى مواقف الأطراف المذكورة من تهديدات الحوثيين للملاحة عبر البحر الأحمر منذ بدايتها. فعندما شكلت الولايات المتحدة تحالف “حارس الازدهار” للتصدي لهجمات الحوثيين، في ديسمبر الماضي، رفضت السعودية الانضمام إلى ذلك التحالف، بينما اشترطت الإمارات للانضمام إلى التحالف أن تشن أمريكا “ضربة مهمة” ضد الحوثيين.

ويبدو أن تخاذل كل من السعودية والإمارات عن الانضمام إلى التحالف كان بسبب أن الهدف منه حماية إسرائيل وليس القضاء على الحوثيين أو إضعافهم، وبنفس الوقت ربما أن ذلك يعكس حنق قيادات البلدين من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي علقت بيع أسلحة وذخائر للسعودية، ووجهت لها انتقادات لاذعة بشأن الحرب في اليمن، وسحبت منظومات الدفاع الجوي من المملكة بعد هجمات الحوثيين على منشآتها النفطية، ورفعت مليشيا الحوثيين من قوائم الإرهاب.

كما أن الإمارات منزعجة من تعليق إدارة بايدن صفقات سلاح مهمة، وفي مقدمتها صفقة طائرات إف-35 الحربية، بسبب الحرب في اليمن. علاوة على ذلك، كانت الدولتان تخشيان من انزلاق الإقليم إلى حرب شاملة ستتسبب باستنزافهما والتأثير الكبير على اقتصادهما واستقرارهما، وخصوصا السعودية، التي توصلت إلى تهدئة مع الحوثيين، وقبل ذلك توصلت إلى اتفاق مصالحة مع إيران بوساطة صينية، وبالتالي فهي تحاول الاستمرار في توجهها الجديد، وعدم التورط في حرب مفتوحة ستؤثر على خطتها التنموية (2030).

إذن ما الذي استجد كي تغير السعودية والإمارات موقفهما بشأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟ فهل وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن -قبيل نهاية ولايته- حكومتي البلدين بالتراجع عن إلغاء صفقات الأسلحة مقابل الانخراط في التحالف ضد الحوثيين وحشد الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين ودعمها كي تبدو المعركة وكأنها بين الأطراف اليمنية وليست لأجل أمن البحر الأحمر للحد من تداعياتها على التصعيد الإقليمي، وتشتيت قدرات الحوثيين العسكرية في اتجاهات عدة، ليحقق جو بايدن إنجازا عسكريا قبيل انتهاء ولايته، أم أنه يهدف إلى فتح فخ جديد لخلفه، دونالد ترمب، الذي كان قد اتخذ إجراءات في نهاية ولايته الأولى الهدف منها توريط جو بايدن أو إحراجه أمام حلفاء واشنطن بعد خسارته في الانتخابات السابقة، مثل تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؟

بالنسبة لمثل هذه التصرفات فهي مألوفة في النظام السياسي الأمريكي، الذي يتميز عن بقية الأنظمة بأن الرئيس المنتخب لا يتسلم السلطة فعليا إلا بعد ثلاثة أشهر من انتخابه، وهذه الثغرة تسمح للرئيس المنتهية ولايته أن يفخخ ولاية الرئيس الجديد بقرارات سياسية أو ترتيبات معينة ووضعه أمام قيود حرجة في الملفات التي تتعارض فيها رؤيتهما، لكن هذه التوقعات تظل مجرد تكهنات، والأيام المقبلة كفيلة بإثبات صحتها من عدمها.

وبصرف النظر عن كل ما سبق، فمن المؤكد أن هجمات مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر قد تسببت بخسائر للعديد من دول المنطقة طوال الأشهر الماضية، بما فيها السعودية والإمارات، نظرا لتداخل اقتصاد دول المنطقة مع الاقتصاد العالمي، كما تضرر اليمنيون أيضا، بسبب ارتفاع رسوم التأمين على السفن التجارية القادمة إلى اليمن، والتي أضفت أعباء جديدة على كاهل المواطنين، وبالتالي فإن القضاء على الانقلاب الحوثي يمثل مصلحة مشتركة لليمن ولدول الإقليم قبل أن يكون مصلحة للقوى الأجنبية.

– هل غيرت واشنطن موقفها من الحوثيين؟

بعد أن استهدف الحوثيون عددا من القطع البحرية وحاملات الطائرات الأمريكية، يبدو أن واشنطن غيرت إستراتيجيتها في المنطقة، من خلال تقليص وجود حاملات الطائرات في المياه القريبة من اليمن، واتخاذ نهج أكثر تشددا ضد الحوثيين. ومن المحتمل أن سحب حاملات الطائرات يمثل تمهيدا لعملية عسكرية واسعة ضد المليشيا الحوثية يشارك فيها اليمنيون وحلفاء واشنطن في المنطقة، وأما سحب تلك الحاملات فالهدف منه تجنيبها أي أضرار محتملة في حال اندلاع حرب شاملة في اليمن.

ومن أهم حاملات الطائرات التي غادرت المنطقة، بسبب هجمات الحوثيين، الحاملة “يو إس إس دوايت أيزنهاور”، التي تعرضت لأربع عمليات استهداف بالصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة من قِبَل الحوثيين، خلال شهري مايو ويونيو الماضيين، وانسحبت من البحر الأحمر إلى أطرافه، ثم غادرت المنطقة، يليها حاملة الطائرات “ثيودور روزفلت”، التي عملت في الخليج حتى سبتمبر الماضي، ولم تجرؤ على عبور البحر العربي أو البحر الأحمر، وسُحبت بسبب التهديدات الحوثية، وأخيرا حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن”، التي استهدفها الحوثيون بعمليتين نوعيتين، في نوفمبر الجاري، باستخدام صواريخ مجنحة وطائرات مسيرة، أثناء وجودها في البحر العربي.

– ما الذي سيحدث إذن؟

في الحقيقة، الترتيبات والاستعدادات القائمة لا تكفي لشن عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا الحوثيين، لكن ليس هناك ما يمنع من أن تكون مقدمات لترتيبات واستعدادات أكبر وأوسع، لا سيما في حال واصل الحوثيون تهديداتهم للملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، حينها سيتم التنسيق بين أطراف عدة لشن هجوم واسع ضد الحوثيين، تشارك فيه قوى محلية وإقليمية ودولية.

هذا السيناريو وارد في حالة واحدة فقط، وهي في حال واصل الحوثيون استهدافهم للسفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر وألحقوا بها خسائر فادحة، لكن إذا تراجع الحوثيون، تحت وطأة الضغوط السياسية والعسكرية، وتوقفوا عن تهديد أمن البحر الأحمر، فلن تكون هناك حاجة لعملية عسكرية واسعة ضدهم، وسيظل الملف اليمني في حالة جمود إلى أجل غير مسمى.

زر الذهاب إلى الأعلى