مقالات

تركيا وإيران وروسيا وتعديل التّحالفات!

بقلم: صدام الحريبي

يبدو أن روسيا منذ فترة تحاول التخلّص من حِمل إيران، فموسكو وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم تجد حليفا قويا لها في المنطقة وفي الشرق الأوسط سوى إيران رغم معرفتها بأن التواجد والتأثير الإيراني بين شعوب المنطقة ضعيف جدا ويكاد يختفي، لكنها مضطرة.

خلال الفترة القريبة الماضية، ومع سطوع نجم تركيا في المنطقة بعد تولّي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحكم فيها، وبعد أن حدث تقارب وتفاهمات اقتصادية وسياسية بين موسكو وأنقرة، قرّرت روسيا التخلّص من عبء إيران، لكنها لم تجد الوقت والمبرّر المناسبَين، وذلك من أجل الدخول في تحالف استراتيجي مع تركيا بدلا عن إيران لأسباب تتلخّص في أن: تواجد إيران أو حلفائها إن صح التعبير ضعيف جدا ولا يتجاوز ١٥ ٪ في المنطقة برمتها، ثم إنهم منبوذين وليسوا على انسجام لا مع شعوب المنطقة ولا مع أنظمتها بسبب الأسلوب الطائفي الذي تعتمده إيران وحلفائها كنظام رئيسي وأساسي في التوسّع والسيطرة والتعامل، وكذا استخدام إيران وحلفائها للقوة المفرطة ضد الشعوب وإجبارهم على اعتناق مذهبهم، أو محاربتهم وتكفيرهم، وكذا التعالي واستخدام شمّاعة آل البيت ومبدأ “أنا خير منه” الذي لا ينسجم أبدا مع الطباع الإنساني برمته فضلا عن الطباع العربي والإسلامي، وهذه الأساليب تسبّبت في فشل إيران سواء سياسيا أو مذهبيا في المنطقة، فقد أسّست طهران قوة بشرية هشّة في المنطقة، حيث أن معظم الملتحقين بالقوّات التابعة لإيران في المنطقة ليسوا عقائديين وليسوا على توافق وانسجام مع أيدلوجيا إيران، وإنما نفعيين والتحاقهم لأجل المصلحة فقط، كما هو الحال مع الحوثي في اليمن حاليا حيث لا يمثّل تواجده ٥٪ وباقي من يهدّد بهم ليسوا معه حتى على مستوى القيادات العسكرية، وللأسف ما زالت إيران تمارس هذا الأسلوب في التوسّع حتى الآن.

وبناء على ذلك وجدت روسيا في تركيا ضالتها، فحلفاء تركيا لا يمارسون نفس أساليب حلفاء إيران ولا تركيا تمارس نفس سلوك إيران حتى في التعامل مع حلفائها، حيث أن تركيا تتواجد بخفّة في المناطق المشتعلة وتحرص على الظهور الرسمي والقانوني ولا تتفاخر بسفك الدماء ولا تتّخذ الخط المذهبي أو الأيدلوجي عنوانا لها، أما حلفائها الذين يختلفون على حلفاء إيران بالنّدّيّة فتجدهم مندمجين مع شعوب المنطقة، بل إن الشعوب تحبهم ودائما ما توصلهم إلى كراسي الحكم إلا أن الأنظمة معظمها تحاربهم، وبالتالي فهم مرحّب بهم ليسوا كمجتمعات فقط بل حتى كحكّام، لكن مشكلتهم التي لم تستطع حتى تركيا حلّها هي تقوقعهم في نفس المكان وتمسّكهم بالطريقة السياسية التي أكل عليها الدّهر وشرب، وكذا الركون على الآخرين في إيصالهم إلى الحكم، لكن أهم مميزاتهم أنهم لا يستخدمون القوة والعنف، ويستخدمون المسلك السياسي والاجتماعي والخيري، وكذا يتعاملون مع حلفائهم بندّية وليس كتوابع، وهذا ما جعل الشّعوب تتقبّلهم.

هذه المفارقات، جعلت روسيا ترى في تركيا الحليف الأهم والأقوى والأسلم في المنطقة، خصوصا مع الحرب الروسية الأوكرانية التي أنهكت الروس وجعلتهم يبحثون عن حلفاء أقوياء تحسّبا لأي تحرّكات غربية ضدهم.

ولذلك جاء السقوط غير المتوقّع لحزب الله في لبنان وكأنه مبرّرا للروس أمام إيران، فبعد الضربة القاضية التي تلقّاها حزب الله من العدو الصهيو.ني وتشفّي شعوب المنطقة به بدلا من الحزن عليه كونه تلقى الضّربة من الأعداء الأزليين للعرب والمسلمين، التقطت روسيا الفرصة، ولم تقصّر كذلك تركيا في التقاطها، لتعتذر موسكو عن مواصلة التحالف الاستراتيجي مع طهران، وتتّفق مع أنقرة التي وضعت أول شرط للتحالف، التخلّص من نظام بشار الأسد، فكما أن روسيا قلقة من جارتها أوكرانيا لمصلحة البلاد، فتركيا قلقة أيضا من نظام بشار الذي يدير جارتها سوريا، وبالتالي يجب التخلّص منه أو إضعافه وإشراك حلفاء تركيا في الحكم على أقل تقدير، ولا أعتقد أن هذه التّحرّكات ستكون بمعزل عن الأمريكان، فالأتراك والروس استغلوا الفترة الانتقالية بين الرئيسين السلف والخلف في الولايات المتّحدة، ويبدو أنهم التزموا بتأمين مصالح الجميع من أجل هذا التغيير.

وبالعودة إلى روسيا يبدو أنها اقتنعت بما طرحته تركيا، بعد يقينها ألّا عودة لحلفاء إيران وفي مقدمتهم نظام بشار بعد سقوط حزب الله الدّاعم الأساسي لنظام بشار، وبالتالي لا مانع من أن يكون لتركيا دور أساسي في صناعة نظام جديد في سوريا، فنظام بشار هو أصلا إيرانيا وليس روسيا، إنما موسكو تدخّلت في دمشق من أجل حماية مصالحها، وهذا لا يعني أن روسيا ستقطع علاقاتها مع إيران نهائيا أو ستتحوّل إلى خصم لها، بل ستستمر العلاقة بين البلدين وستظل قائمة لفترة، لكنها لن تكون كما كانت من قبل.

أما الاتّهامات التي يكيلها أتباع إيران ضد الثوّار في سوريا بأنهم منسّقين مع الصها..ينة، ويستدلون بتصريح نتنياهو الذي أطلقه قبل ثلاثة أيام من تحرّك ثوار سوريا وقال فيه أن الأسد يلعب بالنار، هو غير منطقي، وأساسه من وجهة نظري أن الاستخبارات الصهيو.نية (الموساد) علمت من مصادرها بأن هناك تحرّكات لثوار سوريا من أجل تحرير المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد، فاستغل نتنياهو الفرصة وأراد إما تحذير الأسد وتنبيهه لتلك التحرّكات، خصوصا أن الوضع لا يسمح بالتواصل الاستخباراتي ولا الدبلوماسي مع نظام الأسد حيث أنه يتعرّض للرقابة من إيران وروسيا، أو أنه حاول أن يسجّل انتصارا أو خلطا للأوراق ليظهر للعالم بأن الضّربة التي سيتلقّاها الأسد من الثوّار هي موجهة من نتنياهو.

الوضع معقّد جدا، ويجب ألا نتسرّع في الحكم ونتبنّى أي رواية دون التحقّق منها، فالحبكات والتعقيدات السياسية تحتاج إلى وقت من أجل فكفكتها وحلحلتها، أما إن تعاملنا مع الأحداث والسياسيات بطريقة بدائية ومستعجلة، فهذا ما يسمى بالمصلح اليمني “عصيد” وهو ليس بسياسة، بل إنها فوضى تذهب بالوضع الإنساني والأمني والسياسي والاقتصادي إلى الهاوية.

زر الذهاب إلى الأعلى