شهدت عاصمة الهند، نيودلهي، خلال نوفمبر الجاري، أعلى مستويات التلوث المسجلة على الإطلاق، إذ يتجاوز أحد مقاييس التلوث الحدود اليومية الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية بأكثر من 20 ضعفاً.
ووفقاً لـ “بلومبرغ”، فإن الدراسات تُظهر أن الهواء الملوث في الهند يقتل نحو مليون شخص أو أكثر سنوياً، وهو رقم ضخم لا تزال السلطات تكافح من أجل الحد منه، إذ يتنفس مئات الملايين من الهنود بعضاً من أكثر الهواء سمية في العالم على مدار العام. فما الذي يسبب التلوث؟
وتساهم الانبعاثات من المركبات والمصانع ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الهواء الملوث، فيما يلعب البناء دوراً في هذا، وكذلك الأسر التي تشعل النيران للطهي والتدفئة.
ويؤدي حرق بقايا المحاصيل من الحقول المحصودة في ولايات البنجاب وأوتار براديش وهاريانا وراجاستان المحيطة بالعاصمة إلى خلق دخان كثيف لدرجة أنه يمكن رؤيته من الفضاء.
وفي الفترات الأكثر دفئاً، يمكن أن يتشتت الدخان بسهولة أكبر، لكن الهواء البارد يمكن أن يحبس الجسيمات السامة ويتسبب في بقائها بالقرب من الأرض، وهي حالة تعرف باسم “انعكاس درجة الحرارة”، وهذا هو السبب في أن تلوث الهواء في الهند والموجود طوال العام، يصبح أكثر كثافة ووضوحاً خلال فصل الشتاء.
هل حرائق المزارع مسبباً رئيسياً؟
وتعزى الأسباب في كثير من الأحيان إلى الحرائق، لكن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تمكنت الحكومات المحلية في عام 2023 من تقليل عدد حرائق المزارع بنسبة تصل إلى 38%، ومع ذلك لم ينخفض التلوث في العاصمة.
ووفق بيانات المعهد الهندي للأرصاد الجوية الاستوائية، فإن مساهمة حرق القش في رداءة جودة الهواء تتفاوت، ولكنها دائماً ما تكون ضئيلة مقارنة بمساهمة النقل البري، كما لا يوجد إجماع علمي حول المصدر الرئيسي لمعظم الجسيمات السامة.
ما المخاطر الصحية؟
وتشير تقديرات مجلة “لانسيت” الطبية، إلى أن ما يقرب من 18% من الوفيات في الهند في عام 2019، العام الذي سبق جائحة فيروس كورونا، كانت بسبب الهواء السيئ.
والتهديد الأكثر خطورة على البشر يأتي من الجسيمات التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرون أو أقل، والمعروفة باسم PM 2.5.
ويمكن لهذه الجسيمات الدقيقة للغاية أن تستقر عميقاً في الرئتين وربما تدخل مجرى الدم، ويزيد التعرض المطول من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي وكذلك السرطان.
وتحدد أحدث إرشادات منظمة الصحة العالمية حد التعرض للسلامة، لكن عشرات المدن الهندية تنتهكه بانتظام، وفي بعض الأحيان تصل تركيزاتها إلى أكثر من 40 مرة فوق الحد.
وتركيز الجسيمات الدقيقة يتجاوز المستويات الآمنة على مدار العام، حيث ارتفع عدد الوفيات بسبب تلوث الهواء في الهند حتى في مدن مثل تشيناي وبنجالور وشيملا الجبلية، والتي كان يُعتقد سابقاً أنها تتمتع بهواء نظيف نسبياً، وفقاً لمجلة “لانسيت”.
ويواجه الأشخاص الذين يقضون فترات طويلة في الهواء الطلق أسوأ تأثير للتلوث. وفقاً لحسابات البنك الدولي، فإن الحالات الطبية والوفيات المبكرة المرتبطة بالتلوث تكلف الهند 1.36% من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2019.
وتظل المعلومات من الأرض شحيحة، إذ لا يوجد جهد منهجي لتسجيل الضرر الصحي الناجم عن التلوث سنوياً، ومع ذلك، وجد أحد الاستطلاعات أن كل واحد من حوالي 10000 مستجيب يعيشون في العاصمة والمدن التابعة لها كان لديه فرد واحد أو أكثر من أفراد الأسرة يعاني من أمراض مرتبطة بالتلوث، والتي تتراوح من التهاب الحلق إلى الصداع إلى مشاكل التنفس.
كيف تقارن الهند عالمياً؟
مع تزايد فهم العلماء للتأثير الصحي البعيد المدى لتلوث الهواء، أصبح الوصول إلى القياسات الدقيقة أكثر إلحاحاً. ويتبنى المجتمع العالمي طرقاً أكثر تطوراً لالتقاط التركيزات السامة وتوصيلها إلى الجمهور.
وفي فبراير 2024، شددت وكالة حماية البيئة الأميركية، العتبات التي تعتبر فوقها تركيزات الجسيمات الدقيقة ضارة، بما يتماشى مع أحدث العلوم.
ومع ذلك، لم يتم مراجعة معايير جودة الهواء الهندية منذ عام 2009، وحددت عتبة سنوية مقبولة للجسيمات الدقيقة تبلغ 40 ميكروجراماً لكل متر مكعب، في حين توصي منظمة الصحة بحد أقصى مثالي يبلغ 5 لكل متر مكعب.
في عام 2023، كانت الهند موطناً لتسعة من أكثر 10 مدن تلوثاً في العالم، وفقاً لقياس PM2.5، وبحسب دراسة أجرتها IQAir، والتي تقول إنها تجمع البيانات من 30 ألف محطة مراقبة جودة الهواء في أكثر من 130 دولة ومنطقة، تتصدر نيودلهي القائمة بانتظام.
كما أشارت إلى أن الهند لديها 42 من أكثر 50 مدينة ملوثة في العالم، حيث ظلت جودة الهواء أعلى باستمرار من المستويات الآمنة على مدار العام. وعلى مستوى الدولة، كان أداء الهند أفضل قليلاً.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، كانت أعلى معدلات الوفيات بسبب تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة في عام 2021 في غرب أستراليا.