الأخبار
أخر الأخبار

تصريحات ترامب حول سد النهضة تلقى غضبًا من إثيوبيا وترحيبًا من السيسي

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول “سد النهضة” ومياه النيل موجة غضب داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإثيوبية، إذ قال للصحافيين داخل البيت الأبيض خلال استقباله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته إن إدارته تعمل على حل مشكلة سد النهضة، مضيفاً “لقد عملنا على ملف مصر مع جارتها المجاورة، وهي دولة كانت جارة جيدة وصديقاً لنا، لكنها قامت ببناء سد أغلق تدفق كثير من المياه إلى نهر النيل”، مشيراً إلى أن السد يمثل “مشكلة كبيرة لمصر”.

وتابع “لا أعرف كيف مولنا سد النهضة قبل أن نحل الأزمة بين مصر وإثيوبيا، وسنعمل على الحل بين مصر وإثيوبيا… حياة المصريين تعتمد على المياه في النيل”.

وأردف الرئيس الأميركي قائلاً “لكن من الجيد أن يكون نهر النيل فيه ماء، فهو مهم جداً كمصدر للدخل والحياة في مصر، إنه شريان الحياة لمصر وسلبه منها أمر لا يصدق، ولكننا نعتقد أن هذه المسألة ستحل قريباً جداً”.

يأتي ذلك بعد أقل من شهر على تغريدة سابقة له خلال الـ21 من يونيو (حزيران) الماضي على منصة “تروث سوشيال”، حين أعرب عن اعتقاده بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام لنجاحه في فرض السلام بين مصر وإثيوبيا، على رغم قيام الأخيرة ببناء سد ضخم يقلل من نسب مياه النيل لدولتي المصب السودان ومصر، مؤكداً أن بلاده مولت السد “بصورة غبية”.

وتتزامن هذه التصريحات مع إعلان إثيوبيا انتهاءها من الملء الأخير لخزان السد، واستعدادها لتدشين المشروع خلال سبتمبر (أيلول) المقبل.

من جهته، رحب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمس الثلاثاء بالتصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي في شأن سد النهضة الإثيوبي، معرباً عن دعمه لما وصفه بـ”رؤية ترامب لتحقيق سلام عادل” داخل مناطق الصراع العالمية.

وضمن بيان نشر عبر حساباته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، أشاد السيسي بما وصفه بـ”الجهود الجادة” للإدارة الأميركية للتوسط في النزاعات الدولية وإنهاء الحروب.

وأعرب عن ثقته في قدرة ترامب على المساعدة في حل القضايا المعقدة، بما في ذلك النزاعات الدائرة داخل أوكرانيا وفلسطين وجميع أنحاء أفريقيا.

وفي معرض حديثه عن النزاع حول سد النهضة، قال السيسي إن مصر تقدر اهتمام ترامب بالتوصل إلى اتفاق عادل يصون مصالح جميع الأطراف المعنية، مع تأكيده رؤية مصر لنهر النيل باعتباره “مصدر حياة” لشعبها.

وأثارت تصريحات الرئيس الأميركي موجة جدل داخل وسائل الإعلام الإثيوبية، التي تناقلت الخبر مشيرة إلى وجود أزمة في العلاقات مع واشنطن.

وفي حين تجاهلت وزارة الخارجية الإثيوبية الرد على تصريحات ترمب، رد وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إتيفا بصورة غير مباشرة على تصريحات الرئيس الأميركي عبر منصة “إكس”، بإعادة نشر تغريدة سابقة، مؤكداً أن “السد مشروع محلي بناه الشعب عبر الاكتتاب العام وليس بمساعدات أجنبية”، مشيراً إلى أن المشروع سيحقق نهضة حقيقية لإثيوبيا وجوارها، بما في ذلك دولتا المصب مصر والسودان”.

فرص واعدة

من جهته، قال المتخصص المصري عباس شراقي “إن ثمة فرصاً جديدة توفرها التصريحات الإيجابية الصادرة عن البيت الأبيض”، داعياً إلى الاستفادة من ذلك بالدعوة إلى ضرورة توقيع اتفاقات دولية بين إثيوبيا ومصر والسودان، من شأنها أن تضمن شراكة شاملة في تشغيل سد النهضة وبخاصة بعد انتهاء مراحل الملء.

وأشار إلى أن الخيار الأمثل لحل الأزمة يتمثل في أن تتبع إثيوبيا استراتيجية “الملء والتفريغ المتكرر في تشغيل السد”، مؤكداً أنها “أفضل طريقة للمحافظة على مياه النيل وضمان عدم تعرض دول المصب لأية أضرار إضافية”. وثمن أستاذ الجيولوجيا في جامعة القاهرة تصريحات الرئيس الأميركي التي تعهد فيها حل أزمة السد والمحافظة على مياه النيل.

من جهته قال المتخصص في الشأن الإثيوبي تاي مكونن إن “تصريحات ترامب تأتي في إطار سعيه لتقديم نفسه كرجل سلام، وبخاصة في ظل الأزمات التي تعرفها إدارته مع عدد من دول العالم، نتيجة السياسات الاستعلائية التي يعلنها بين فترة وأخرى”.

حملة علاقات عامة

ويرى مكونن أن تصريحات ترامب التي تأتي ضمن حملة واسعة للعلاقات العامة، تضمنت مغالطات واضحة، مشيراً إلى أن إثيوبيا ومصر ليسا بلدين متجاورين ولم يكونا على شفا صراع حاد أو مواجهة مسلحة، كما أن ترمب لم يتمكن من دفعهما إلى توقيع أي اتفاق بينهما.

ويوضح مكونن “صحيح أن ترامب خلال عهدته الأولى كان أطلق مبادرة لحل الخلاف بين الدول الثلاث (إثيوبيا والسودان ومصر) واستمرت المفاوضات بدءاً من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حتى فبراير(شباط) 2020 إلا أنها لم تكلل بالنجاح.

لم تُوقع أية اتفاقات، بالتالي فإن ادعاءات الرئيس الأميركي حول انهائه لصراع حاد بين البلدين عار تماماً عن الصحة، ولا يتسق مع الحقائق على الأرض”. ويفسر المتخصص الإثيوبي ذلك بـ”رغبة ترامب في مغازلة لجنة جائزة نوبل للسلام، إذ يعتقد أنه يستحق نيلها”، موضحاً أن “كل التصريحات التي يدلي بها حول إثيوبيا غالباً ما ترتبط باستحقاقه للجائزة”.

ويوضح مكونن أن “هوس الرئيس الأميركي بنيل جائزة نوبل للسلام تجاوز كل حدود”، منوهاً بأن “ترامب سبق واعترض على حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام (2019)، مدعياً أنه أنجز اتفاق سلام بين إريتريا وإثيوبيا وجنب البلدين حرباً طاحنة، وهو أمر لم يحدث، إذ إن إعادة العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة لم تكن بوساطة أميركية، وأن الاتفاقيتين الموقعتين في هذا الصدد كانتا في كل من جدة وأبوظبي”.

ويرى المتخصص الإثيوبي أن “ثمة من أقنع ترامب بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام أسوة بتيودور ـروزفلت ووودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما، ومن ثم تأتي معظم تصريحاته لتأكيد هذا الاستحقاق، كما هي الحال في إشارته إلى إنجازه تفاهمات بين باكستان والهند، وصربيا وكوسوفو، والكونغو ورواندا، إضافة إلى مصر وإثيوبيا، وعلى رغم ذلك لم يحصل على ’نوبل‘ مما يفسر أن تصريحاته لا تهدف بالأساس إلى حل الأزمات، بقدر ما تهدف إلى تأكيد استحقاقه نيل الجائزة”.

ويوضح مكنون أن “إلقاء ترامب اللوم على الإدارات السابقة يفسر ذات الأمر، إذ إن معظم الأعمال الأساس للسد تمت عندما كان هو في البيت الأبيض خلال ولايته الأولى، كما أن ادعاءه بأن إدارة بايدن مولت المشروع الإثيوبي قول عار عن الصحة، وبخاصة أن مشروع السد قائم على الاكتتاب الشعبي العام، وأن مساهمات بعض الدول معلنة وواضحة، ومن ثم فإن الحديث عن تمويل أميركي يأتي في السياق ذاته المحموم الذي يسير عليه ترمب”.

وفي رده على سؤال “اندبندنت عربية” المتعلق بصمت الإدارة الإثيوبية وعدم ردها على تصريحات الرئيس الأميركي، قدر مكونن أن ذلك عائد إلى رغبة أديس أبابا بعدم تصعيد الموقف وبخاصة أن الأمر يتعلق برغبة ذاتية لترامب لنيل جائزة نوبل.

استئناف مسار واشنطن

من جهة أخرى، قال المتخصص المصري في العلاقات الدولية محمد السيد علي إن “إدارة ترمب تحاول تدارك المواقف السابقة، وإعادة الأمور إلى نصابها في ظل الإجراءات الإثيوبية أحادية الجانب”. وأضاف أن “مستشاري ترامب يدركون حجم مصر وتأثيرها في مجريات العلاقات الدولية والإقليمية داخل المنطقة، خلال وقت يتحدث فيه عدد من الأطراف عن فتور العلاقات الثنائية بين واشنطن والقاهرة”.

ويوضح السيد أن “ترامب يرغب جدياً في استئناف المفاوضات التي توقفت عام 2020 للتوصل إلى اتفاق ملزم يتعلق بـالتدابير الفنية، لتجنيب الإقليم ككل صراعات جديدة”.

ويقدر المتخصص المصري أن “الإدارة الأميركية جادة في إطلاق مبادرة تستصحب الالتزامات السابقة، وبخاصة في ظل التوترات القائمة داخل منطقتي البحر الأحمر وحوض النيل.

وأشار إلى أن “موقف دولتي المصب يتقاطع مع الرؤية الأميركية إذ سبق ووقعت مصر بالأحرف الأولى على اتفاق اقترحته واشنطن بينما تخلفت إثيوبيا عن التوقيع، ومن ثم فإنه من المرجح أن تستأنف الجهود الأميركية الجديدة من المسار السابق ذاته”.

وأوضح السيد أن “إدارة ترامب في عهدتها الأولى كانت علقت بعض المساعدات الموجهة لأديس أبابا نتيجة انسحابها من مسار التفاوض، إلا أن إدارة بايدن أعادت المساعدات الأميركية لإثيوبيا والتي تبلغ نحو مليار دولار أميركي سنوياً، مرجحاً أن يفرض ترامب عقوبات جديدة أو يلجأ إلى تعليق المساعدات في حال عدم تعاطي أديس أبابا إيجاباً مع المبادرة التي أعلن عنها ضمن تصريحاته الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى