تطاول الحوثي على مقام النبي ﷺ.. شطحات وردود

تقرير خاص
في خطبة جمعة أثارت سخطًا واسعًا، تجرأ القيادي الحوثي فاضل الشرقي، مشرف عام محافظة ذمار، على التطاول على مقام النبي محمد ﷺ بادعاء أن الرسول الكريم لم يكن محيطًا بالقرآن، وأن زعيم الحوثيين هو “الشخص الوحيد الذي أحاط بالقرآن”، وتعتبر هذه التصريحات جزء من سلسلة طويلة من الشطحات العقائدية التي تهدف إلى تعظيم زعيمهم وتجريده من صفات البشرية، وصولًا إلى ادعاءات تفوقه حتى على الأنبياء.
خروج عن الإجماع الإسلامي
لم يسبق في تاريخ الأمة الإسلامية أن ادعى عالم أو زعيم ديني أن أحدًا يفوق النبي ﷺ في علوم القرآن، فهو الذي تلقى الوحي من الله تعالى وعلمه لأصحابه، وهو القائل في الأحاديث الصحيحة إنه أوتي القرآن ومثله معه، وبحسب رجال دين، فالادعاء بأن شخصًا آخر “أحاط بالقرآن” أكثر من النبي هو “إنكار للأدلة الشرعية التي تؤكد أن النبي ﷺ هو أعلم الخلق بالقرآن، وأنه المبلغ عنه والمفسر له”، ويحرم العلماء التصريح او الإشارة إلى أن النبي لم يكن محيطًا بالقرآن وهو الذي بلغه للأمة وفسره بأقواله وأفعاله.
دفاع عن مقام النبوة
لم تكن هذه التصريحات لتمر دون ورد، فقد تصدى لها عدد من أئمة المساجد والعلماء مؤكدين على حرمة التطاول على النبي ﷺ وحصر العلم الكامل بالقرآن فيه، فقال الشيخ عبدالرحمن الكاملي، إمام مسجد في صنعاء، : “من زعم أن أحدًا أعلم بالقرآن من النبي ﷺ فقد خرج عن إجماع الأمة، فالرسول أعلم الخلق بالقرآن، وكل من جاء بعده أخذ من علمه”، وأضاف: “لا يجوز شرعًا ولا عقلًا أن يُفضَّل أحدٌ على النبي ﷺ، فمن فعل ذلك فقد انحرف عن الصراط المستقيم”.
وهاجم الشيخ “محمد العزاني” تصريحات الشرقي قائلًا: “إن هذه الأقوال جزء من مخطط الحوثيين لتحريف عقيدة الأمة، فهم يريدون تقديس زعيمهم حتى يوصلوه إلى منزلة فوق بشرية، كما فعلت الفرق الضالة عبر التاريخ”.
وفي مسجد التوحيد بتعز ذكر الشيخ يوسف الحاضري أن “ادعاء الإحاطة بالقرآن زعم باطل، لأن القرآن علمه واسع لا يحيط به إلا الله ثم رسوله، والصحابة والتابعون أخذوا منه ما استطاعوا، فكيف يُدعى أن شخصًا في هذا الزمان أحاط به أكثر من النبي؟”.
صنمية جديدة
تأتي تصريحات فاضل الشرقي في سياق الحملة الحوثية المستمرة لتعظيم زعيمهم عبدالملك الحوثي، والتي وصلت إلى حد وصفه بأوصاف تخرجه عن إطار البشرية، فقد صرح أحد مؤيديهم في إذاعة صنعاء قائلًا: “السيد عبدالملك الحوثي هو وارث علم النبيين، وهو الذي فتح الله عليه من علوم القرآن ما لم يفتح على أحد من الأولين والآخرين”.
وفي مناسبة أخرى، قال أحد خطبائهم في تجمع حوثي: “إن السيد القائد هو الإمام المعصوم في هذا الزمان، وهو الذي يفسر القرآن تفسيرًا حقيقيًا كما أنزله الله، دون حاجة إلى أقوال المفسرين أو علماء السلف”.
بل إن بعض كتّابهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ففي مقال نشرته صحيفة تابعة لهم، زعم الكاتب أن “الحوثي هو الإمام الذي سيملأ الأرض عدلًا، وأن علمه يتجاوز علم بعض الملائكة”.
ويرى عدد من علماء اليمن بان هذه الأقوال تتعدى كونها خطابات عابرة الى جزء من منهج عقائدي يسعى إلى تحويل الحوثي إلى شخصية مقدسة، تخرج عن نطاق النقد والمساءلة، وتوضع في مكانة تفوق مكانة الأنبياء والعلماء، وفي تعليق على هذه الظاهرة الخطيرة، قال الشيخ “ابو محمد” ( عالم فضل عدم الكشف عن اسمه): إن “ما يحدث اليوم من تقديس مبالغ فيه لزعيم الحوثيين ليس بجديد، فقد شهد التاريخ الإسلامي عبر العصور العديد من الحركات التي غلت في زعمائها حتى أخرجتهم عن إطار البشرية”.
وأضاف الشيخ أبو محمد في حديث خاص لموقع الوعل اليمني “إن هذه الأساليب تشبه إلى حد كبير ما فعله الغلاة في العصر الفاطمي عندما زعموا أن أئمتهم يعلمون الغيب، أو ما تفعله بعض الفرق الضالة اليوم عندما ترفع شيوخها إلى مرتبة العصمة”.
وتابع قائلًا: “الأخطر في الأمر أن الحوثيين لا يكتفون بادعاء العلم والمعرفة لزعيمهم، بل يتجرأون على مقام النبوة نفسه، وهذا مسلك خطير يهدد عقيدة الأمة”.
وفي رد على سؤال حول دوافع هذه الظاهرة، أوضح الشيخ: “الهدف واضح، وهو صنع زعيم مقدس لا يُنتقد ولا يُساءل، وتتحول طاعته إلى واجب ديني، وهذا ما نراه اليوم مع الحوثيين حيث أصبح أي انتقاد لزعيمهم يعتبر عند أتباعه خروجًا عن الدين”.
واختتم الشيخ أبو محمد حديثه بالتحذير قائلا: “هذه الأفكار ليست مجرد أخطاء عابرة بل هي حلقة في مشروع كبير لتحريف العقيدة وإعادة تشكيل الوعي الديني لدى الناس، بحيث يصبح الزعيم هو المركز بدلًا من الكتاب والسنة”.
وأكد الشيخ أبو محمد في نهاية حديثه أن “محبة الرسول ﷺ تكون بالاقتداء به واتباع سنته، لا بتعظيم أشخاص يدعون ما ليس لهم”، مشددًا على أن “الأمة اليوم بحاجة إلى يقظة دينية تمنع أي محاولة للعبث بمقام النبوة أو التطاول على مكانة النبي ﷺ”.