تهامة… الأرض التي تُسحق بالحديد والنار

تقرير خاص

على امتداد الساحل الغربي لليمن، حيث تتراقص أمواج البحر الأحمر، هناك وجوه لا تعرف الفرح. تهامة، التي عُرفت بخصوبتها وسواحلها الذهبية، تحولت إلى مقبرة صامتة للكرامة الإنسانية. هنا، لا يُسمع سوى أنين الجوع وصوت الرصاص، ولا تُرى إلا أمهات يرتدين السواد، وأطفال بعينين غارقتين في الدموع.
في ظل حكم الحوثيين، صار الناس غرباء في أرضهم؛ يُساقون إلى المعتقلات، تُنهب أرزاقهم، تُغتصب بناتهم، ويُجند أطفالهم إلى حرب لا يفهمونها.

خبز مغموس بالدموع

في كوخ صغير من سعف النخيل، تجلس أم أحمد بين سبعة أطفال نحيلين، تروي قصتها بصوت يختنق بالبكاء:

“ننتظر المساعدات التي لا تصل، وإن وصلت تُباع في السوق. أحيانًا أغلي الماء وأضع فيه قليلًا من الملح لأوهم أطفالي أننا سنأكل. ينامون وهم يبكون من الجوع… وأنا أبكي لأنني عاجزة.”

هذه ليست قصة عابرة؛ إنها صورة تتكرر في آلاف البيوت، حيث صار الخبز حلمًا، والكرامة رفاهية، والأمل سلعة نادرة.

عاد بلا يد

كان محمود (13 عامًا) يحلم أن يصبح معلمًا. لكن الحوثيين اقتادوه من مدرسته إلى “مركز صيفي”، ثم إلى جبهة مأرب. عاد بعد عام بجسد ممزق ويد مبتورة.
والده يروي بحسرة لموقع الوعل اليمني“قالوا لي: إما أن يذهب ابنك أو تذهب أنت. اخترت أن يذهب هو… وعاد لي طفلًا مشوهًا، مكسور الروح. قتلوه حيًا.”

قصة محمود ليست استثناء؛ تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن الحديدة وحدها صدّرت أكثر من 4500 طفل مجند خلال عامين فقط.

بين الاغتصاب والإذلال

في أزقة الحديدة، قصص مخفية خلف الجدران: شابة في السابعة عشرة اغتُصبت على يد أحد المشرفين الحوثيين، فاختارت عائلتها الصمت خوفًا من الانتقام. أرملة أُجبرت على تزويج ابنتها الصغيرة (14 عامًا) لأحد القادة مقابل “الحماية”.ناشطة اختفت من بيتها منذ عامين، ولم تُعرف أخبارها حتى اليوم.

تقول الحقوقية صفاء التهامية: لموقع الوعل اليمني ““المرأة هنا تعيش في سجن بلا جدران. تُعامل كغنيمة حرب، لا كإنسانة. كثيرات يدفنّ مأساتهن في صمت، لأن الكلام قد يعني الموت.”

فقدوا البحر

في قرية الصيادين جنوب الحديدة، يجلس سالم على شاطئ البحر بلا قارب. صودر قاربه بحجة أنه “مخالف للتعليمات”، وبقي بلا عمل. “البحر كان رزقي وكرامتي. اليوم أنا متسول على شاطئي. حتى البحر لم يعد لنا.”

بحسب تقارير محلية، تمت مصادرة مئات القوارب، واعتُقل عشرات الصيادين، فيما لقي كثير منهم حتفهم بسبب الألغام البحرية أو إطلاق النار.

حين يُنهب الفقراء

المزارعون في تهامة يُجبرون على دفع جبايات تصل إلى 30% من محاصيلهم. بعضهم يبيع نصف إنتاجه ليتمكن من تسليم نصيب الحوثيين.المزارع حسن عبده يصرخ بمرارة:“نزرع بعرقنا، وهم ينهبون ثمارنا. حتى الماء الذي نسقي به الأرض صار عليه مشرف.”

أرقام تصرخ

شهادات

المحامي وليد عيسى: “ما يجري في تهامة جرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، والمجتمع الدولي يتواطأ بصمته.”

صرخة من الساحل الغربي

تهامة اليوم ليست مجرد جغرافيا؛ إنها صرخة إنسانية يجب أن تُسمع. كل بيت يحمل مأساة، كل شارع يخفي دمعة، وكل طفل يحمل جرحًا.الحديد والنار قد يفرضان الصمت، لكن صرخات الجوع والظلم ستظل تتردد حتى تصل إلى العالم:
“أنقذوا تهامة… أنقذوا الإنسان.”

Exit mobile version