ثقافة وفكر
أخر الأخبار

توجهات القراء الشباب تثير استياء الأدباء والمثقفين

من زار الصالون الجزائري الدولي للكتاب سيصاب حتما بالذهول والفضول وستظل أسئلة كثيرة عالقة بذهنه للصور والمشاهد التي حملتها ذاكرته، جراء وقوفه المحتمل على تناقضات وسلوكيات تبقى بحاجة إلى تفسير أو تبرير لكل الذي حدث، أو المظاهر التي كانت خارجة عن المألوف ولو إلى حين.

فبين مشاهد التدافع الهستيرية التي نتجت عنها عملية بيع بالإهداء للكاتب السعودي أسامة المسلم، والتي فرضت تدخل عناصر حفظ النظام، وبين المبيعات القياسية للتيكتوكر لولا ديزاد وهي الكاتبة المغمورة جدا، والإقبال الكبير على إصدارات دار النشر المصرية “عصير الكتب”، والكتب الدينية، والتهافت غير المسبوق على الكتاب والأدب المكتوب باللغة الإنجليزية، ثمة توجهات ظهرت إلى العلن لدى القارئ الجزائري تستحق الدراسة والتوقف عندها.

ظاهرة صحية

لولا ديزاد لديها عشرات الآلاف من المعجبين على منصة اليوتيوب ونحو ألف آخرين على إنستغرام، وهي أول صانعة لمحتوى الرعب في الجزائر، وتتناول قصص الرعب وقضايا جنائية حقيقية

يتحدث أحمد، وهو أحد الصحافيين المخضرمين، يقول إنه “انبهر بالتوافد الكبير على صالون الكتاب خاصة من قبل الشباب”، معتبرا ذلك ظاهرة صحية تبعث على التفاؤل، معترفا في نفس الوقت بأن تلك المشاهد كانت ستبدو غير واقعية وكأنها من الأحلام قبل سنوات قليلة فقط.

واصل أحمد جولته في الصالون منتقلا من جناح إلى جناح وهو يحمل على ظهره حقيبة جاء بها خصيصا لحفظ الكتب التي اشتراها من دور نشر مختلفة، قبل أن يؤكد أن الجزائريين باتوا يتهافتون على كتب ومؤلفات بلغات مختلفة ومتعددة.

تشدد نسرين، شابة جزائرية لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها اشتغلت كمضيفة في دار النشر المصرية “عصير كتب”، على الإقبال القياسي على مختلف الإصدارات التي جرى عرضها والتي تراوحت بين الكتب الدينية والنفسية خصوصا، حيث كان للكاتب الفلسطيني أدهم الشرقاوي مكان لافت، أعاد إلى الأذهان حضور كتابه “رسائل من القرآن” رفقة مقاومي “القسام” خلال إعدادهم لأحد الكمائن بخان يونس في قطاع غزة ضد عناصر جيش الاحتلال.

لم تفلح نسرين في تحديد أسباب هذا الرواج وراحت تفتخر بالاستقطاب الكبير الذي نجحت فيه دار النشر التي اشتغلت معها، وكأن لسانها أراد أن يقول إنها أدت مهمتها بنجاح، وإن الجزائري فعلا يعشق القراءة وتواق لها بخلاف ما يتردد هنا وهناك.

أما إمام مسجد “أنس بن مالك” بأحد أحياء أعالي العاصمة الجزائر، فلم ينس الإعلان قبل صعوده المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، عن النجاح في تزويد مكتبة المسجد بأكثر من 150 عنوانا من مجالات دينية مختلفة، متوجها بالشكر لجموع المصلين الذين استجابوا للنداء الذي أطلقه قبل أيام من أجل استغلال فرصة صالون الكتاب للمساهمة في اقتناء كتب ومؤلفات ومجامع، أوضح بشأنها أنه أشرف عليها شخصيا حتى لا تتعارض مع المرجعيات الدينية الخاصة.

اجتهد البعض في تفسير التهافت غير المسبوق على بعض الكتاب ومؤلفاتهم دون غيرهم، وربطوا ذلك بالثورة التي أحدثتها التكنولوجيات الرقمية والتأثير الواضح الذي تركته في طرق التواصل بين الناس.

الكاتب السعودي أسامة المسلم عدد معجبيه يتجاوز 10 ملايين، وهو ما سهل له الوصول إلى عدد كبير من الشباب الذين تستهويهم القصص والروايات التي يكتبها

يربط أحد الكتاب الجزائريين فضل التحفظ على كشف هويته، حصول الكاتب السعودي أسامة المسلم على “الجائزة الأكثر شعبية”، إضافة إلى أسلوب الأخير الخاص في الكتابة، بحضوره القوي على منصات التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن عدد معجبيه يتجاوز 10 ملايين على منصتي تيك توك وإنستغرام، وهو ما سهل له الوصول إلى عدد كبير من الشباب الذين تستهويهم القصص والروايات التي يكتبها وينشرها، ومن بينهم قراء كثر من الجزائر، وهو ما ظهر جليا خلال الصالون الدولي للكتاب في طبعته الأخيرة.

تأثير التنكولوجيات الرقمية

لم يكن أسامة المسلم، أو رواية “الشوك والقرنفل” للشهيد البطل يحيى السنوار، وحدهما من صنعا الحدث أو الاستثناء في هذه المناسبة الثقافية – الفكرية، بل حاولت التيكتوكر المعروفة باسم لولا ديزاد أن تنافسهما بدليل أن مؤلفها “ديناتور” حقق لها نجاحا خرافيا.

تزعم لولا ديزاد التي لديها عشرات الآلاف من المعجبين على منصة اليوتيوب ونحو ألف آخرين على إنستغرام، أنها أول صانعة لمحتوى الرعب في الجزائر، وأنها تتناول قصص الرعب وقضايا جنائية حقيقية. وبفعل ذلك نجحت في بيع 700 نسخة من كامل الطبعة الأولى لـ”ديناتور”، فما كان منها إلا أن طبعت نسخة ثانية استجابة لطلبات المعجبين والمعجبات خاصة من المراهقين.

لم تتمكن أميرة، وهي مسؤولة بإحدى دور النشر، من فهم الأسباب التي جعلت من لولا ديزاد كاتبة بصفة نجمة فوق العادة، وراحت تتساءل بالمقابل عن الأمر الذي جعل كُتاب من مصاف حملة شهادة دكتوراه لا يستطيعون بيع أكثر من 100 نسخة لكل واحد منهم.

حاولت أميرة أن تلقي باللوم على التغيير الذي أصاب فكر الشباب الجزائريين وتأثرهم بالصراع الأيديولوجي الداخلي وتراكماته بشكل أو بآخر على نفسيتهم، قبل أن تستدرك وتشير إلى أن ما وقفت عليه يحتاج إلى دراسات معمقة من قبل كبار المختصين من أجل فهم صحيح ودقيق.

لكن مراد، وهو زميل لأميرة يشتغل بدار نشر أخرى، بدد شكوكها أو جزءا منها عندما أشار إلى أن مؤلفات كاتب ظل يظهر على برنامج تلفزيوني لقت رواجا كبيرا في السابق، لتهوي بنحو 70 في المئة عندما توارى عن الأنظار أو خَفُتَ ظهوره العلني.

التهافت غير المسبوق على بعض الكتاب ومؤلفاتهم دون غيرهم مرتبط بثورة التكنولوجيا ومواقع التواصل المؤثرة في القراء

قد يكون لنجاح “خوف” لأسامة المسلم و”ديناتور” للولا ديزاد تأكيد للصعود اللافت لما يسمى بـ”أدب المراهقين”، وانعكاس حقيقي للانخراط الجماعي للشباب في وسائط التواصل الاجتماعي وإسقاطاته على المشهد القرائي بشكل عام.

حقيقة لا يجب على المثقفين والأدباء من النخب الجزائرية نكرانها، فبدلا من انتقاد الآخرين على “كتبهم الصفراء – التجارية”، يتعين عليهم الرقي بمحتوى الكتاب المعرفي النخبوي حتى يصل إلى قطاع واسع من القراء وخاصة الشباب، من أجل صنع رأي عام واع بالتحديات المصيرية التي تواجهها الأمة من جهة، ومن جهة أخرى إحداث نقلة علمية نوعية بـ”عقول أجيال جديدة مستنيرة بالعلم والإبداع والفكر السديد”، على حد قول رئيس مجلس الشيوخ الجزائري صالح قوجيل.

زر الذهاب إلى الأعلى