جولة سادسة منذ “طوفان الأقصى” لوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن للمنطقة. في الزيارة الأولى عقب العملية أتى لدعم حرب إسرائيل ضد حركة “حماس”، ثم أتى مرة أخرى في محاولة لفتح ثغرة عربية في جدار رفض ترحيل الفلسطينيين إلى شمال سيناء المصرية، وبعض الدول العربية. اليوم وبعد مرور ما يقارب ستة أشهر على الحرب تمثل زيارة بلينكن محاولة أميركية لإقفال ملف حرب غزة الكبيرة بشكل أو بآخر، مع مواصلة العمليات العسكرية الجراحية ضد حركة “حماس” لبعض الوقت. أما بالنسبة إلى العمليات الكبرى فإن واشنطن تريد إنهاءها بأسرع وقت كي يتفرغ الرئيس جو بايدن لمعركته الانتخابية التي ستستعر في الأسابيع القليلة المقبلة ضد خصم قوي جداً هو الرئيس السابق دونالد ترامب.
في جولته الإقليمية سيحمل بلينكن ملفاً سياسياً كبيراً ألا وهو ملف التحضير لإعلان دولة فلسطينية كهدف نهائي لمسار يبدأ بتشكيل حكومة فلسطينية تغطي بصلاحياتها الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أن تتوقف العمليات العسكرية، وبعد أن تتراجع قدرات حركة “حماس” العسكرية إلى حد تضطر فيه أن تتقبل فكرة خروجها من الحكم في القطاع، أقله في انتظار انتخابات جديدة بعد 24 شهراً.
في جعبة بلينكن جانب أغاثي أساسي في غزة. فأميركا لا تستطيع أن تجاري حكومة بنيامين نتنياهو في مشروعها الترحيلي لفلسطينيي قطاع غزة. ومع أن واشنطن وتل أبيب تتقاطعان في هدف إلحاق هزيمة عسكرية بحركة “حماس”، فإن الأولى أقرب إلى القبول بفكرة إقصاء “حماس” من حكم غزة، ومحاصرتها سياسياً وأمنياً. لكن المشكلة بالنسبة إلى الأميركيين لا تقتصر على “حماس”، ففي مسعاها لتدعيم أركان السلطة الفلسطينية عبر تشكيل حكومة جديدة للمرحلة القادمة، تصطدم واشنطن بحكومة نتنياهو، وبتباين الحسابات في الصف العربي بشأن اليوم التالي، وشكل الحكم الذي سيلي حكم “حماس”. ولعل نقطة ضعف مشروع إدارة الرئيس جو بايدن أنه كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ضعفت قدرته على تسويق مشروع سياسي بهذا الحجم والحساسية، لأن الأطراف الإقليميين سيكونون مترددين في الانخراط في مشروع تقدمه إدارة أميركية تواجه امتحان الانتخابات، وبالتالي قد لا تبقى بعد الانتخابات.
ثم هناك تحدي التباينات العربية حول التركيبة في اليوم التالي. وهذه التباينات تحتاج إلى جهد استثنائي من أجل خلق تقاطعات بين عواصم تتمتع بثقل كبير في المعادلة الفلسطينية، لا سيما في معادلة ما بعد حكم “حماس” المنفرد في غزة. ولا ننسى أيضاً العامل الإيراني الذي يتمتع بقدرة على العرقلة بالأمن والسياسة في الداخل الفلسطيني، وفي “ساحات” إقليمية مؤثرة باللعبة، وأهمها لبنان الذي يجري فيه ترتيب واقع أمني-عسكري جديد يديره “حزب الله” وتشترك فيه فصائل فلسطينية ولبنانية وربما من أقاليم عربية أخرى واقعة تحت سيطرة إيران. والهدف هو الضغط على الساحة الفلسطينية من أرض بلد عربي مجاور. طبعاً يمكن للساحة السورية أن تكون ضمن ساحات العرقلة. لكن هشاشة النظام السوري تدفع طهران وموسكو إلى محاولة تحييده وعدم إقحامه في لعبة قد تؤدي إلى إسقاطه بالضربة القاضية.
ما من مراقب بمقدوره أن يتنبأ بنتائج زيارة بلينكن. وقد يعود منها خالي الوفاض كالمرات الخمس السابقة.
علي حمادة – النهار اللبنانية