د. جاسم الجزاع
يعيش المسلمون في شهر رمضان في علاقة روحانية مع القرآن الكريم، فتجد الصغار والكبار والرجال والنساء يقبلون على قراءة القرآن وتلاوته طلبا للأجر والثواب الجزيل، الذي وعده الشارع الحكيم في شهر رمضان.
ذلك كله خير، ولا مجال لمناقشة ذلك الأمر.. ولكن، ألا يتفق معي كثيرون أن المقصد من وجود القرآن ليس تلاوته فحسب، إنما التفكر في آياته، والتأمل في إعجازه، والتحول من النظر إلى التطبيق حتى يكون القرآن حيا في قلوبنا؟ والواقع أن كنوز القرآن الكريم لا تنفد، ومعارفه لا تنتهي، ولم تزل همم العلماء تسمو في كل عصر إلى التأمل في كلام الله، وتبيان معانيه الظاهرة والباطنة، وكل عالم أو باحث له هدفه الذي يسعى لتوضيحه.. وإنّ من أشكال التأمل العقلي التدبري للقرآن الاطلاع على الآيات التي تحوي الحقائق العلمية التطبيقية، أو ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن.
ويُقصد بالإعجاز العلمي إشارة القرآن الكريم إلى عدد من الحقائق الكونية التي أثبتها العلم التجريبي، وهذه الحقائق لم يتم إدراكها بالوسائل البشرية زمن الرسول ﷺ، بمعنى أن هذه الحقائق الكونية موجودة في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا، ولكن لم يتم إثباتها بمقاييس العلم المادية إلا في العصور الحديثة. وهذا الإعجاز العلمي فيه دليل على أن محمد ﷺ رسولٌ من عند الله تعالى، ودليل على صدق نبوته.
وقد حث القرآن الكريم الإنسان في العديد من الآيات على التفكر والتأمل والتدبر في خلق الله، والنظر في هذا الكون الفسيح وما به من ظواهر وآيات كونية عجيبة، لأن النظر في هذا الكون والتدبر فيه يقود الإنسان إلى الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، قال تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنَّه الحقُّ أو لم يكفِ بربِّك أنَّه على كلِّ شيءٍ شهيدٌ﴾؛ وقال تعالى: ﴿قل انظروا ماذا في السَّماوات والأرض﴾؛ وقال أيضًا: ﴿وينزِّل من السَّماء ماءً فيُحيي به الأرض بعد موتها إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون﴾.
فالإعجاز العلمي له دور في فتح الآفاق أمام المسلمين للإقبال على العلم والمعرفة والبحث، وقبول ما هو جديد في العلم، كما أن له دورًا في تأليف قلوب غير المسلمين وزيادة إقبالهم على الإسلام، ويؤدي إلى زيادة التوافق بين الحقائق التي يعرضها القرآن الكريم وبين الحقائق التي يثبتها العلم، ويعتبر وسيلة فعالة ومناسبة للدعوة إلى الله، خاصة في هذا العصر الذي يموج بالاكتشافات والتقنيات الحديثة وشيوع العلوم الكونية.
إلا أنه من الواجب علينا أن ننوه بأن الذين يتصدرون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم يجب أن يكونوا من أهل الاختصاص والدراية بالعلم الشرعي، فالقرآن الكريم في مغزاه كتاب هداية يسعى لهداية البشر إلى الغاية العظمى من الوجود، وليس كتابًا في الفلك أو الطب، والقرآن الكريم لم يأت بذكر الآيات العلمية إلا لزيادة جرعة الإيمان بالله وفردانيته، وإن مهمة الأنبياء والرسل هي هداية الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، وليس تعليمهم أمور الدنيا، وذلك مصداقًا لقول الرسول ﷺ: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”.
فالواجب على الأمة أن تقرن التلاوة بالتدبر والتفكر، والتأملات المبنيّة على الآراء السديدة لأهل الشأن في العلم، فيجد المقبلون على القرآن وقود مهجتهم في زمن المادية الطاغية في معجزة القرآن في جميع الجوانب، التشريعية والقانونية، واللغوية والعلمية وغير ذلك.
المصدر: مدونة العرب