Blogمقالات
أخر الأخبار

حماس وداعش.. والمقاربة الباطلة

د. أحمد جاسم الساعي
د. أحمد جاسم الساعي

في ظل غياب القيم الأخلاقية، تضيع المبادئ، وتُزدوج المعايير، وتختل الموازين، وتختلط بعد ذلك الأمور، وتُغلب المصالح، ويسود الظلم، وتُرمى الاتهامات بالعنف والإرهاب جزافاً، وتُسمى الأشياء بغير أسمائها، فتُسمى المقاومة إرهاباً، والإرهاب المنهجي المنظم دفاعاً عن النفس، ويُمزج بين النازية المقيتة والحق في مقاومة المحتل وتقرير المصير، ويأتي نتيجة لذلك الظلم والجور في محاولات العدو الإسرائيلي وأمريكا والغرب من بعدهما في الربط غير المنطقي بين تنظيمين متضادين هما حماس وداعش.

فالمقارنة بين التنظيمين بمثابة المقاربة بين الخير والشر اللذين لا يلتقيان أبداً، فلا داعش ينبغي لها أن تدرك حماس، ولا حماس تقبل أن تُشبه بداعش، وكلٌّ في فلكٍ يسبحون.
وفي ضوء طبيعة التنظيمين وخصائصهما الأيديولوجية، وفلستهما الفكرية، والعقيدة القتالية، فيمكن المقارنة من عدة أوجه، فمن حيث المنشأ على سبيل المثال، فقد وُلدت حركة حماس في بيئة مظلمة يسودها الظلم والقهر والمهانة.
فالحياة صعبة وقاسية، ولكنها ليست مستحيلة، بل كفيلة بصناعة الرجال، وإثارة التحدي، ومواجهة الأزمات، والتغلب على الصعوبات من خلال التربية والتنشئة السليمة القائمة على مواجهة قسوة الحياة وصعوبتها وتحدياتها، وذلك بترسيخ مبادئ المواجهة وانتزاع الحق المسلوب من العدو الصهيوني الغاصب.
ولا يتم ذلك إلا بالعمل الجاد على الخلاص من هذا الظلم والظلمات، والعيش في عزة وكرامة بمقاومة الاضطهاد والظلم والظالم المعتدي، وكسر شوكته بالقوة.
ولذا، فشاعت هذه الثقافة، وتشكلت عقيدة حركة حماس الفكرية القائمة على محاربة العدو الإسرائيلي وصد عدوانه بالقوة لأنه لا يعرف سواها، ولا يُقهر ولا ينكسر بغيرها.

وبذلك تشكلت هذه الثقافة، وترسخت مبادئها الأخلاقية الموجهة لرد الظالم المحتل عن ظلمه بكل ما أُوتيت من قوة ومن رباط الخيل ترهب به عدو الله وعدوها، متخذةً مبدأً أخلاقياً يقضي بعدم رفع السلاح في وجه أي إنسان غير العدو الإسرائيلي، ومن والاه وأيده في ظلمه وقهره للشعب الفلسطيني. وهذا مشهود للحركة بأنها لم تطلق رصاصة واحدة خارج حدود وطنها فلسطين المحتلة.
ولذلك، فكان الهدف الرئيس من تأسيس الحركة هو رد الظلم ومكافحة المحتل بكل أساليب المقاومة العسكرية، وهذا حق تكفله لها كل القوانين والمواثيق الدولية.
فحركة حماس ليست إرهابية على الإطلاق، بل هي حركة وطنية عربية إسلامية تمارس حقها المشروع في مقاومة المحتل.

أما تنظيم داعش، فلم يُولد ولادة طبيعية، بل وُجد وصُنع صناعة قصدية، وزُرع في منطقة تضم دول ثورات الربيع العربي بهدف نشر الرعب والإرهاب والظلم والقهر بين العرب والمسلمين المحسوبين على هذه الثورات في المنطقة العربية، والمؤيدين لها.
ولم يُزرع هذا التنظيم في المنطقة إلا ليكون حجة وذريعة تتذرع بها أمريكا ومن في كنفها للتدخل العسكري لمحاربة الإرهاب في المنطقة متى ما أرادت.
فالتنظيم أُنشئ لإرهاب أبناء المنطقة من العرب والمسلمين، وقتلهم والتنكيل بهم أمام عدسات الكاميرات، وعيون المجتمع الدولي، ولم يتعد هذا الإرهاب بكل أشكاله حسب رؤية المراقب المحايد الشعوب العربية المسلمة في المنطقة إلى شعوب أخرى ودول لم تصلها هذه الثورات، ولذا فداعش تنظيم إرهابي لا علاقة له بالإسلام على الإطلاق، بل زُرع ليحقق غايات وأهدافا غربية أمريكية بشكل خاص، وذلك استشهاداً بما ردده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مناكفته للديمقراطيين أثناء حملته الانتخابية سنة 2016، حين قال «إن تنظيم داعش من صناعة أوباما وهيلاري كلينتون».
وربما جاء هذا التنظيم ليكون دعامة من دعائم الفوضى الخلاقة التي تبنتها وأشاعتها الإدارة الأمريكية على لسان وزيرة خارجيتها السيدة/ كوندليزا رايز، والمبنية على إثارة النعرات الطائفية، وإشعال الفتن، وتأجيج الخلافات بين طوائف شعوب المنطقة العربية.
ولم تكن هذه العبارة من تأليف ترامب، ولا من وحي خياله، بل من مصادره الخاصة كسياسي متابع لسياسة بلاده الخارجية، ومرشح لرئاستها في تلك الفترة.

كما أن هناك أوجها أخرى للمقارنة، وليست المقاربة بين التنظيمين، مثل الهوية، والحاضنة الشعبية، وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر.
فمن ناحية الهوية فحماس حركة وطنية فلسطينية، ولها حاضنة شعبية متينة، ولها عمق إستراتيجي في غزة، بينما داعش ليست وطنية، ولا تُعرف لها هوية، ولا انتماء، ولا أصل على الإطلاق، كما أنها تفتقر إلى الحاضنة الشعبية في المنطقة التي زُرعت فيها، فليس لها جذور ولا عمق إستراتيجي يحتويها متى ما دعت الحاجة، فهي عدوة الكل في المنطقة.
وبناء على ما سبق، فليس من العدل التشبيه والمقاربة بين حركة حماس وتنظيم داعش، فالمقاربة باطلة، وما التشبيه إلا اتهام باطل لحركة حماس بالإرهاب من الإرهابيين أنفسهم، ومن يشهد لهم التاريخ بممارساتهم الإرهابية في المنطقة العربية والإسلامية.

وقبل الختام هناك سؤالان، لابد من طرحهما، فالأول لأمريكا وإسرائيل حول الإرهابي الحقيقي، فمن هو الإرهابي الحقيقي، هل هو المدافع عن أهله ووطنه السليب، والمتصدي للغزاة المحتلين للأرض، أم هو من يعتدي على الشعوب في أوطانها، ويُرهب الآمنين في بيوتهم ومدنهم كما يحدث في غزة اليوم ومنذ 43 يوما من القتل والهدم والتشريد، والعربدة غير المبررة وهدم المستشفيات، وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة العزة والكرامة، أم هو من يُجيش الجيوش لغزو دول أخرى، ويعتدي على سيادة هذه الدول، والعبث فيها وتغيير أنظمة الحكم فيها، وما كلف هذه الدول من خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ومصادر الثقافة وغيرها كما حدث لأفغانستان، والعراق.. أليس هذا إرهابا رسميا ممنجهاً دون حجة ولا تبرير؟

والسؤال الثاني يوجه للأنظمة العربية المعادية لحركة حماس، ما الذي يبرر المواقف السلبية من حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية (حماس)، مع العلم أنها لم تعتدِ على أحد من هذه الأنظمة، ولم تعبث بأي نظام عربي، ولم تطلق أي طلقة رصاص في أي دولة عربية، بل بالعكس فقد احترمت كل مواقف هذه الدول ولم تعترض على سياسات أي من هذه الأنظمة على الإطلاق، فما المبرر لهذه المواقف.
أليست حماس حركة عربية تدافع عن الأمة العربية والإسلامية ضد الحركة الصهيونية العالمية في هذا الزمن، أليست حماس وحركات المقاومة الفلسطينية هي الحصن الحصين المتبقي من النظام العربي المشتت؟ وغيرها من التساؤلات والوقفات مع مواقف الدول العربية غير المفهومة.

.
.
الشرق القطرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى