بدأت حملات مقاطعة واسعة تنتشر في كل من كندا والمكسيك رداً على الإجراء التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من كندا والصين والمكسيك.
وتتوافق هذه الخطوة مع وعود الحملة الانتخابية، لكنها أثارت أيضًا تحركات انتقامية يمكن أن تشير إلى حرب تجارية موسعة مع شركاء تجاريين رئيسيين، وفي حالة المكسيك وكندا أقرب جيران الولايات المتحدة وحلفائها.
على النقيض من حملة عام 2024، عندما روّج ترامب لأجندته الاقتصادية باعتبارها وسيلة أكيدة لخفض تكاليف المعيشة للأميركيين، يعترف الرئيس الآن بما توقعه العديد من خبراء الاقتصاد منذ فترة طويلة: أن الرسوم قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الإمدادات في جميع أنحاء العالم.
وتعد كندا أكبر سوق تصدير لـ36 ولاية أميركية، والمكسيك هي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة.
الكنديون يواجهون
وبدأ الكنديون في تنظيم جهودهم الخاصة في مقاطعة السلع الأميركية لمواجهة الرسوم الجمركية مع استجابة البعض لدعوات رئيس الوزراء جاستن ترودو، الذي أعلن بسرعة عن فرض رسوم انتقامية ضد الولايات المتحدة، لشراء المنتجات الكندية ومقاطعة البضائع الأميركية “قدر الإمكان”، وسط انتشار دعوات مقاطعة منتجات الولايات المتحدة ومقاطع فيديو لمشجعي الرياضة وهم يطلقون صيحات الاستهجان أثناء عزف النشيد الوطني الكندي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال جيانكارلو تريمارشي، الرئيس السابق للاتحاد الكندي لمحلات البقالة المستقلة ورئيس سوق فينس في شارون، أونتاريو، إنه بدأ في إنشاء علامات “صنع في كندا” ليتم وضعها إلى جانب المنتجات الكندية في محلات السوبر ماركت.
وقال تريمارشي عن الحرب التجارية لموقع “سي بي سي”: “هناك الكثير من التوتر، وهناك الكثير من القلق بشأن كيفية تطور الأمور”. ومع ذلك، قال إنه يعتقد أن “الوضع له جانب إيجابي في عرض مجموعة واسعة ومتنوعة من السلع الكندية.
ويمكن أن تكون علامات تريمارشي مفيدة لبعض المتسوقين في أونتاريو” الذين قالوا لشبكة سي بي سي نيوز إنهم يخططون لشراء المنتجات الكندية فقط ضمن حملة مقاطعة السلع الأميركية.
وقال ماثياس نيل، وهو مواطن كندي أميركي مزدوج الجنسية، لشبكة سي بي سي نيوز في تورنتو، إنه يعمل على إعداد قائمة بالمنتجات الأميركية التي يجب تجنبها.
وتابع نيل: “لم أشعر قط في حياتي بقدر أكبر من العداء لأميركا”. ومع دخول الرسوم الجمركية الأميركية والتدابير المضادة الكندية حيز التنفيذ يوم الثلاثاء، يقول الخبراء إن العواقب قد تؤدي إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة الصعبة بالفعل بالنسبة للمستهلكين وتضرب الشركات الكندية بشدة.
ومع شنّ الرئيس ترامب حربًا تجارية ضد كندا، حث رئيس الوزراء جاستن ترودو الكنديين على شراء المنتجات المصنوعة في هذا البلد والتفكير في عدم قضاء العطلات في الولايات المتحدة.
ووفق شبكة “آي بي سي” الكندية، تخطط بعض السلطات في مقاطعات أونتاريو، وكولومبيا البريطانية، وكيبيك، ومانيتوبا ونوفا سكوشا لإزالة العلامات التجارية الأميركية للمشروبات الكحولية من أرفف المتاجر.
ومن المقرر أن تستهدف الرسوم الجمركية الانتقامية الكندية مجموعة واسعة من السلع الأميركية، بما في ذلك المنتجات الزراعية، مثل لحوم البقر والدواجن ومنتجات الألبان، والسلع مثل الأجهزة المنزلية، والعناصر المصنعة، بما في ذلك أجزاء السيارات. وأوضح ترودو أن “كندا لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يتعرض اقتصادها وعلاقاتها التجارية للتقويض”.
وقال: “الرسوم الجمركية غير مبررة وتضر بالكنديين والأميركيين على حد سواء. سنحمي صناعاتنا ونقف بحزم ضد هذا العدوان”.
ولتخفيف وطأة الصدمة على الشركات الكندية، أعلنت حكومة ترودو عن صندوق إغاثة للقطاعات المتضررة. وقد أعربت الشركات الكندية عن مخاوفها بشأن احتمال فقدان الوظائف وانقطاع سلسلة التوريد، وخاصة في قطاعي التصنيع والسيارات.
مقاطعة واسعة في المكسيك
وقد تسبب وصول ترامب إلى البيت الأبيض واستخفافه بالبلد المجاور في موجة غير مسبوقة من مقاطعة البضائع في المكسيك.
ففي شبكات التواصل الاجتماعي، يتم توجيه نداءات للمكسيكيين حول مقاطعة المنتجات الأميركية، مثل قهوة ستاربكس، وكوكا كولا، أو ماكدونالدز وبرغر كينغ، وأيضًا عدم شراء الأجهزة الكهربائية أو غيرها من المواد المصنوعة في أميركا.
ووفق “تيليغراف”، هناك الآلاف من المكسيكيين الذين وافقوا على أن يكونوا جزءًا من حملة مقاطعة البضائع هذه، بينما بدأت مسابقة أخرى على إنستغرام، وهي مسابقة أجمل صور المكسيك، حيث يتم من خلالها الإعلان عن حب البلاد.
وردت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم بسرعة، وانتقدت الولايات المتحدة بسبب ما وصفته بـ”نهج عقابي وغير فعال” في العلاقات الدولية.
وفي منشور ناري على موقع X، سلطت شينباوم الضوء على الجهود المكثفة التي تبذلها المكسيك للحد من تهريب المخدرات والهجرة، ووصفت تصرفات ترامب بأنها “غير عادلة وغير منتجة”.
أما الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها المكسيك فهي تشمل الرسوم الجمركية على الصادرات الزراعية الأميركية الرئيسية، بما في ذلك الذرة ولحم الخنزير، والرسوم الجمركية على قطع غيار السيارات والآلات الصناعية، وعلى السلع الاستهلاكية مثل الإلكترونيات.
ويحذر خبراء الاقتصاد من أن الرسوم الجمركية قد تدفع الاقتصاد المكسيكي الهش بالفعل إلى الركود، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الهجرة إلى الولايات المتحدة.
ويعتمد اقتصاد المكسيك بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة، حيث تمثل الصادرات والواردات ما يقرب من 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع تقرير صادر عن شركة موديز أنه إذا استمرت الرسوم الجمركية، فسوف تنخفض قيمة العملة المكسيكية، ويرتفع التضخم، وقد تواجه البلاد أسوأ ركود اقتصادي لها منذ عقود.
رد الصين
وأعلنت الصين، التي كانت بالفعل متورطة في توترات تجارية مع الولايات المتحدة منذ ولاية ترامب الأولى، عن سلسلة من التدابير الاستراتيجية المضادة ردا على الرسوم الجمركية البالغة 10% على جميع الواردات الصينية.
وأكدت وزارة التجارة الصينية أنها ستقدم شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية وتفرض “رسوما مماثلة” على الصادرات الأميركية.
ومن المتوقع أن تركز الصين على الصادرات الأميركية البارزة، بما في ذلك المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والذرة، والسلع التكنولوجية مثل أشباه الموصلات، والآلات الصناعية والسلع الفاخرة.
كما ألمح المسؤولون الصينيون إلى قيود محتملة على صادرات المعادن النادرة، والتي تشكل أهمية بالغة لقطاع التكنولوجيا الأميركي. وقد يكون لهذه الخطوة عواقب وخيمة على الصناعات الأميركية التي تعتمد على هذه المواد الحيوية.
ومن المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تفاقم اضطرابات سلسلة التوريد وتغذية الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يكون تأثير الرسوم الجمركية سريعا وواسع النطاق، حيث يتحمل المستهلكون الأميركيون العبء الأكبر من ارتفاع التكاليف.
ويتوقع خبراء التجارة ارتفاع أسعار المنتجات الطازجة وقطع غيار السيارات والسلع المنزلية في الأسابيع المقبلة.