
خصصت صحيفة ديلي صباح التركية، وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية من إسطنبول، مساحة واسعة في عددها الأخير لمناقشة التطورات في اليمن، وبالأخص ما جرى في المحافظات الشرقية.
ورأت الصحيفة أن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي ما تزال هشة، وأن الفترة المقبلة ستحدد ما إذا كانت هذه اللحظة تمثل أساسًا لواقع سياسي جنوبي جديد، أم أنها مجرد توقف مؤقت قبل إعادة تشكيل المشهد السياسي.
وأكدت الصحيفة في افتتاحيتها أن المجلس الانتقالي يتوسع شرقًا، لكن نفوذه غير متساوٍ ويُتسامح معه أكثر مما يُرحب به في المحافظات الرئيسية.
وأوضحت الصحيفة أن المناطق الجنوبية دخلت مرحلة جديدة من عدم الاستقرار مطلع ديسمبر، عقب تقدم قوات المجلس الانتقالي عبر مدينة حضرموت الغنية بالنفط، ثم وصولها إلى محافظة المهرة في أقصى الشرق.
وبينما اعتبر البعض هذه التطورات ترسيخًا لمشروع سياسي جنوبي، فإن الواقع أكثر غموضًا، إذ لم يتضح بعد ما إذا كان الانتقالي يمتلك الشرعية والعمق السياسي اللازمين للحفاظ على سيطرة فعّالة على هذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة التي تضم ثماني محافظات.
ورغم أن الانتقالي وأجنحته العسكرية يسيطرون حاليًا على معظم المحافظات الجنوبية، إلا أن الوضع يبقى متقلبًا، وأي تقييم لا بد أن يقرّ بهشاشة هذه السيطرة.
وتابعت الصحيفة أن زحف الانتقالي شرقًا اتسم بسرعة مفاجئة، ففي حضرموت استغلت قواته ضعف الحكومة المركزية والانقسامات بين النخب القبلية والإقليمية، بينما كان دخول المهرة أكثر هدوءًا دون مقاومة تُذكر، مع تأكيد السلطات المحلية على استمرار الحياة بشكل طبيعي.
هذه التطورات أثارت مخاوف من ضعف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومن خطر ترسيخ أنظمة سلطة موازية في أنحاء البلاد.
ومع ذلك، فإن تفسير هذه الأحداث على أنها توطيد حاسم للسلطة الجنوبية سيكون سابقًا لأوانه، إذ إن تأثير الانتقالي السياسي والعسكري حقيقي لكنه متفاوت، ويعتمد في كثير من الأحيان على ترتيبات تفاوضية أكثر من اعتماده على شرعية شعبية راسخة.
وأشارت الصحيفة إلى أن نموذج حكم الانتقالي يقوم على مزيج من السيطرة الأمنية المدعومة بهياكل عسكرية غير منظمة، ورسائل رمزية مرتبطة بتطلعات الجنوبيين التاريخية، وتحالفات محلية براغماتية. هذا النموذج ينجح في أوقات الانهيار لكنه يظل هشًا في بيئة سياسية أكثر توترًا. ك
ما أن قاعدة الانتقالي الشعبية تتركز في عدن ولحج والضالع، بينما يواجه تحديات في حضرموت والمهرة حيث الهوية المحلية قوية والقبول بسلطته مشروط بانهيار المؤسسات المركزية وتغير أولويات الرياض أكثر من كونه توافقًا أيديولوجيًا.
وأضافت الصحيفة أن اليمن اليوم أقرب إلى الانقسام المؤسسي من أي وقت مضى منذ عام 2015، إذ يسيطر الحوثيون على الشمال بثقة، بينما الحكومة المعترف بها دوليًا محصورة في مأرب، والانتقالي يتمدد في الجنوب. لكن هذا التمدد يفتقر إلى العمق الإداري والشرعية المحلية، مما يجعله عرضة للتراجع إذا تغيرت التحالفات الإقليمية أو تصاعدت الانقسامات الداخلية.
فالتماسك الداخلي للانتقالي أقوى من مجلس القيادة الرئاسي، لكنه ليس بمنأى عن الخلافات بين القيادة السياسية في عدن والقادة الميدانيين المرتبطين بولاءات محلية.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد أوضحت الصحيفة أن الإمارات تقدم دعمًا عسكريًا ولوجستيًا وسياسيًا للانتقالي بدوافع استراتيجية واقتصادية، بينما تحاول السعودية الموازنة بين مواجهة الحوثيين والحفاظ على نفوذها في الشرق وتجنب الصدام المباشر مع الانتقالي.
في المقابل، تراقب عُمان بقلق شديد ما يحدث في المهرة، معتبرة التوسع تهديدًا لأمن حدودها ونسيجها الاجتماعي. هذه الحسابات الإقليمية تفسر سهولة تقدم الانتقالي، لكنها أيضًا قد تختبر صلابته إذا ما تغيرت التحالفات.
واختتمت الصحيفة بالقول إن قدرة الانتقالي على التوسع دون عنف واسع النطاق تعكس انضباطه التنظيمي والفراغ الذي خلفه انهيار الدولة، لكنها قد تخفي نقاط ضعف عميقة.
فالجنوب فسيفساء من الهويات والمصالح الاقتصادية يصعب توحيدها تحت إطار سياسي واحد، والخطر الأكبر أن ينزلق اليمن إلى تقسيم فعلي لا نتيجة نجاح مشروع جنوبي متماسك، بل بسبب فشل الإطار الوطني.
وفي الأشهر المقبلة، لن يكون السؤال الأهم ما إذا كان اليمن سينقسم إلى قسمين، بل ما إذا كان أي طرف، بما في ذلك الانتقالي، قادرًا على الحفاظ على حكم فعّال ومستدام عبر مناطق شاسعة ومتنوعة دون إشعال موجات جديدة من الصراع.






