مقالات
أخر الأخبار

ذلك يوم عزَّ فيه العرب

بقلم: د. جاسم الجزاع

” ذلك يوم عز فيه العرب”.. هكذا جاءت في المرويات عن النبي الأكرم ﷺ مقولته، عندما ذُكرت أمامه معركة ذي قار التي قادها العرب في جاهليتهم ضد القوات الساسانية الفارسية، وكان النصر فيها من نصيب العرب.

وكأن النبي الأعظم يشير- والله أعلم- إلى مفهوم السيادة والحرية لدى العرب، وضرورة تحررهم من ربقة التبعية للقوى العظمى؛ فمعركة ذي قار تعتبر من أبرز المعارك في تاريخ العرب السياسي والملحمي قبل الإسلام، وقد وقعت في القرن السابع الميلادي بين العرب بقيادة بني شيبان والجيش الفارسي الساساني بقيادة كسرى الثاني. تشكل هذه المعركة علامة فارقة في التاريخ السياسي العربي، إذ كانت أول انتصار للعرب على الفرس، ما عزز مكانة القبائل العربية، وأكسبها نشوة السيادة التي جاء الإسلام ليتممها بعد ذلك، وألهمها الوقوف بوجه القوى العظمى العالمية.

وعند الحديث عن الأسباب التي أدت إلى معركة ذي قار، نرى أنها تعود إلى تزايد التوتر بين العرب والفرس نتيجة المظالم الاقتصادية التي تعرضت لها القبائل العربية من قِبل النظام الفارسي. وقد كانت بعض القبائل العربية، ومنها وعلى رأسها قبائل بكر بن وائل، ومنها بنو شيبان، في مناطق النفوذ السياسي الفارسي على العراق، حيث كان الفرس يفرضون الضرائب والإتاوات، ويتدخلون في شؤون القبائل العربية بشكل مستفز كما يراه البعض.. جاءت الشرارة الرئيسة للمعركة عندما طلب كسرى الثاني من القبائل العربية تسليم بعض الرجال من بكر بن وائل بسبب اتهامهم بسرقة قافلة فارسية، وهو ما اعتبرته القبائل العربية إهانة لكرامتها، تبعا للمنظومة العربية في إيواء الدخيل، فرفضت القبائل طلب القيادة الفارسية، فقرر الأخير إرسال جيش كبير لإجبارهم على الخضوع.

دارت المعركة في منطقة ذي قار، الواقعة في جنوب العراق الحالي، وقاد الجيش العربي القيادي هانئ بن مسعود الشيباني، شيخ قبيلة بكر بن وائل، وتشكل ذلك الجيش العربي من عدة قبائل متحدة تحت راية واحدة لمواجهة الجيش الفارسي المتفوق عليه عدداً وعتاداً. استخدم العرب تكتيكات حربية ذكية، مستفيدين من معرفتهم الجيدة بتضاريس الإقليم العراقي، إضافة إلى شجاعتهم وإصرارهم على الدفاع عن كرامتهم وحريتهم.

تميزت المعركة بقتال شرس ومواجهات مباشرة بين الطرفين، وذكر كثير من المؤرخين البسالة والشجاعة التي أظهرها الجيش العربي في سبيل تحقيق الانتصار، فتمكن العرب من إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الفارسي الساساني، ما أدى إلى تراجع الفرس وفرارهم من ساحة المعركة، في حين احتفل العرب بنصرهم الذي عزز نشوتهم لنيل الحرية وتحرير رقابهم من تبعية القوى الإقليمية العظمى.

فمعركة ذي قار ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي تجسيد لإرادة الشعوب العربية في الدفاع عن كرامتها وحريتها وتطلعها إلى استعادة السيادة المفقودة، التي جاء الإسلام وعززها في نفوس العرب، وقد ظل ذكرها يتردد في الذاكرة العربية كشاهد على قدرة العرب على كسر القواعد السياسية العالمية في أحلك الظروف وأعجبها .

.

المصدر: مدونة العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى