الاستهلاك برمضان: عبء اقتصادي يثقل كاهل الفقراءباليمن

تقرير خاص

رغم البركة التي يحملها شهر رمضان المبارك في طياته، الا ان البسطاء والفقراء يجدون فيه عبئا اقتصاديًا يصعب عليهم تجاهله، بسبب زيادة الاستهلاك التي تصاحب هذا الشهر حيث يصل الإنفاق فيه إلى مستويات قياسية، ما يجعل من رمضان عبئًا اقتصاديًا على من يعيشون على هامش الحياة الكريمة.

تضخم وعجز

وتشير تقديرات إلى أن الإنفاق الأسري في رمضان يرتفع بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بباقي أشهر السنة، فبينما ينفق المواطن العادي حوالي 300 دولار شهريًا في الأوقات العادية، يرتفع هذا الرقم إلى 500 دولار او اكثر في رمضان، وهذه الزيادة ليست فقط في المواد الغذائية، بل تشمل أيضًا السلع الاستهلاكية الأخرى، مما يضغط على ميزانية الأسر محدودة الدخل.

وتلعب الأسعار أيضًا دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة، فخلال رمضان، تشهد المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت ارتفاعًا في الأسعار يصل إلى 25%، وحتى الخضروات والفواكه التي تعتبر أساسية على مائدة الإفطار، تصبح في رمضان بأسعار خيالية، وهذا الارتفاع يجعل من الصعب على الأسر الفقيرة تأمين احتياجاتها الأساسية، ناهيك عن التفكير في الكماليات.

أم محمد، ربة منزل من إحدى الأحياء الشعبية، تقول لموقع الوعل اليمني”رمضان شهر بركة لكن الأسعار ترتفع بشكل جنوني ونضطر لشراء أقل كمية من الطعام لأننا لا نستطيع تحمل التكاليف، حتى الخضروات أصبحت غالية جدا “.
و ليست ام محمد وحدها في هذه المعاناة، فالكثيرون يشعرون بأن رمضان، الذي يفترض أن يكون شهر العطاء، أصبح شهرًا للضغوط المالية.

علي، وهو عامل يومي، يعبر عن معاناته بقوله: “أعمل طوال اليوم لأجل أن أطعم أسرتي في رمضان، لكنني أشعر أنني لا أستطيع مجاراة الأسعار، لقد الغيت السنبوسة والكنافة من المائدة لانها أصبحت غاليًا، حتى الخبز ارتفع سعره”.
علي ايضا مثل الكثيرين من العمال اليوميين، يجد نفسه عاجزًا أمام الارتفاع المتواصل في الأسعار، مما يجعله يعيش متلازمة ” قلق اليوم التالي” التي تمنع الشخص من الاستمتاع بمالديه اليوم خوفا من عدم وجوده في الغد.

وتقول فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال:
“في رمضان، أحاول تقليل عدد الأصناف على المائدة، لكن حتى هذا لا يكفي، سعر كيلو الطماطم يرتفع من 200 ريال إلى 400 اي الضعف، كيف لأسرة مثلنا أن تتحمل هذه الزيادة، هذا فقط سعر كيلو الطماطم وقيس على ذاك بقية المواد الغذائية، لذلك نحن نعتمد كليا على الدين لنهاية الشهر ونحاول اختصار المشتروات قدر المستطاع لكي لا تزداد الديون”.

نورة، طالبة جامعية تعيل أسرتها، توكد لموقع الوعل اليمني “رمضان يذكرني بمدى الظلم الاقتصادي الذي نعيش فيه، حيث الأغنياء يشترون بلا حساب، ونحن نحسب كل قرش، مررت اليوم أمام محلات الحلويات ورأيت الاغنياء يشترون بكميات كبيرة، بينما أنا لا أستطيع شراء بعض الحلوى لأخوتي”.

ارتفاع التكاليف وضغوط البيع

من جانبهم، يؤكد اصحاب المحلات بأن الزيادة في الاسعار جبرية بسبب “الموسم”، أبو أحمد، صاحب محل سوبر ماركت وبهارات يقول:
“الناس تعتقد أننا نغالي في الأسعار، لكن الحقيقة أن تكاليف الشحن من الموردين ارتفعت بنسبة 30% قبل رمضان، إذا لم أرفع السعر سأخسر، واحيانا أبيع بعض المواد بسعر التكلفة أحيانًا لأجل زبائني الدائمين لكي احافظ عليهم”.

ويقول سمير، تاجر لحوم: “الطلب يزداد في رمضان، لكن الفئة الفقيرة تشتري القليل جدًّا، بعض الزبائن يطلبون ربع كيلو لحم فقط! وغالبيتهم يكتفي باللجم المفروم الرخيص ” الدقة” وأشعر بالحزن عندما أرى أمهات كثيرات يترددن أمام المحل ولا يشترين”.

أبو علي، بائع خضار، يقول: “من جانبي أحاول بشدة عدم رفع الأسعار مثل المحلات الكبيرة، لكن حتى أنا أضطر لزيادة السعر قليلًا لأن المزارعين اصلا يرفعون الأسعار، وكثير من الايام تتلف بعض الخضار في اليوم التالي لأن الفقراء لم يعودوا يستطيعون الشراء”.

توضيح ” الغرفة “

تعليقا على الموضوع، صرح مصدر في غرفة التجارة والصناعةلموقع الوعل اليمني: “نشهد زيادة في الطلب بنسبة 50% على المواد الأساسية خلال شهر رمضان وهو ما يتسبب برفع الأسعار بشكل طبيعي”.
مضيفا :” هناك بعض التجاوزات والمخالفات من قبل بعض التجار و باعة التجزئة لكنها تجاوزات فردية منبعها الجشع وعدم الخوف من الله، ونحن ندرك التحديات التي يواجهها المواطنون خلال شهر رمضان، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود، لذلك نعمل على مراقبة الأسواق لمنع الاحتكار وضمان استقرار الأسعار، ندعو التجار إلى تخفيف المعاناة التي يعانيها المواطن والاكتفاء بالزيادة التي تحددها الغرفة والتحلي بالمسؤولية الاجتماعية، كما ندعو المواطنين إلى الاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف”.

هذه الجهود، رغم أهميتها، تبقى غير كافية من وجهة نظر المواطنين، في ظل غياب سياسات اقتصادية شاملة تدعم الفقراء بشكل فعلي، خصوصا وان زيادة الاستهلاك في رمضان ليست فقط في المواد الغذائية، بل تشمل أيضًا استهلاك الكهرباء، الذي يرتفع بنسبة 30% بسبب زيادة استخدام الأجهزة الكهربائية والإضاءة في ساعات الإفطار والسحور، وهذه الزيادة تضيف عبئًا إضافيًا على الأسر محدودة الدخل، التي تجد نفسها مضطرة لدفع فواتير كهرباء باهظة في نهاية الشهر، ويقول عبدالله ، تاجر ، ان رمضان، الذي يفترض أن يكون شهرًا للتكافل الاجتماعي، يتحول في كثير من الأحيان إلى شهر يزيد من معاناة الفقراء لعدة أسباب ابرزها الأسواق المزدحمة، والأسعار المرتفعة، والإنفاق المتزايد، وهي كلها عوامل تجعل من الصعب على الأسر الفقيرة أن تعيش الشهر الكريم بكرامة.
مضيفا : ” مع ذلك، هناك حاجة ماسة إلى سياسات اقتصادية تدعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتضمن لهم حياة كريمة دون ضغوط مالية إضافية”

Exit mobile version