Blogمقالات
أخر الأخبار

سلام من الشام لغزة

المنشد العالمي أبو راتب أنشد طويلا للجزائر؟ بدعوى من جمعية الإرشاد والإصلاح

محمد مصطفى أبو راتب

في عام 1982م اشتهرت لي أنشودة لم يقدر لها أن تسجل بألبوم أناشيد أو تنتشر كما أخواتها من أناشيدي الكثيرة، وذلك أثناء غزو لبنان وهجومها على المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير أو ما أطلقت عليه إسرائيل آنذاك عملية السلام للجليل أو عملية الصنوبر. وهو نفس العام الذي حدثت به مجزرة حماة التي ارتكبها النظام السوري ضد الشعب الأعزل في مدينة حماة المجاهدة.

دمَّر الأسد حماة في شباط 1982 وقتل أكثر من 40 ألفاً من سكانها وكانت “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” تملك صوراً التقطتها أقمار صناعية عن المذبحة، لكنها صمتت، ونشرت نيويورك تايمز خبراً من بضع كلمات يشير لأحداث في مدينة سورية قمعت فيها السلطات تمرداً محلياً! وكنتُ حينئذ طالباً أدرس الشريعة الإسلامية في عمان وأتابع أحداث بلادي من هناك، وما سمعت عن المجزرة إلا بعد انقضائها.

رفعت الأسد، الذي قاد المجزرة وكان حينذاك رئيس سرايا الدفاع التي نفذتها زار نيويورك والتقى أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، ونتج عن اللقاء غزو لبنان في حزيران 1982، ونجح الطرفان في ضرب الثورة الفلسطينية ونفي مقاتليها إلى تونس، ومن استعصى قاد الأسد حملة عام 1983 لإخراجه، ثم محاصرة المخيمات وارتكاب مجازر فيها بالتعاون مع حركة أمل (نبيه بري).

كل هذه الأحداث تدل على أن عدو الشعبين السوري والفلسطيني واحد وأنهما المستهدفان في طليعة شعوب المنطقة.

واليوم تعود بي الذاكرة لتلك الفترة من التاريخ وكأنه يعيد نفسه. جيش النظام في سورية يقصف إدلب وشعبها ومجاهديها وجيش الاحتلال في فلسطين يقصف غزة والضفة الغربية وشعبها ومجاهديها.

كانت كلمات الأنشودة تعبر على العلاقة المصيرية بين الشعبين السوري والفلسطيني وترسم تشابه المعاناة والكفاح والمصابرة. وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني يوسف النتشة (أبو المعتصم) من مدينة الخليل الذي يقول:

من أرض الإسراء سلام للشام عرين الأبرارِ

فهنا الأحرار قد انتفضوا وهناك زحوف الثوارِ

من أرض خليل الرحمن ودمشق ونابلس النارِ

من حلب ويافا وحماة وجنين وعكا الجزارِ

من نبع الأيمان تنادوا من كل أبي مغوارِ

قد رفعوا للمجد لواءً منسوجاً بدم الأبرارِ

الله الأكبر غايتنا ومحمد رمز الإصرارِ

والذكر الأكرم شرعتنا والدرب جهاد الفجارِ

والموت الأشرف أمنية تسري بدماء الأحرارِ

بارك يا رب جهادهم في ركن الدعوة والدارِ

تذكرت هذه الأنشودة وأنا أستمع لمقطع فيديو لإعلامي سوري شاب استشهد بقصف على إدلب منذ أيام من قبل طيران النظام السوري الآثم يساعده الطيران الروسي المجرم وهو يرثي غزة وسكانها المظلومين الذين يجابهون آلة الدمار الصهيوني الغدار حيث كان رحمه الله يقول:

من إدلب العز حتى غزة الحرة .. حر يورث حراً بعده ثأرا

هذي الحياة ممر لا لنحيا بها .. إنا نموت لنحيا بعدها عمرا

يا غزة الشام منك تطلب العذر .. فالشام تكوى كما لو أنها جمرا

ان كان ما يرجى منا لنصرتكم .. أنَّا وأنتم كلانا نكتوي قهرا

إن كان العرب قد ماتت ضمائرهم .. لم يشتر الله نفساً بايعت نكراً

سيأتي يوم نضمّد به جرحنا .. ونرفع فيه راية المجد فخرا

بطولة الشعبين السوري والفلسطيني يشهد لها التاريخ، والتعاضد بينهما موجود على مر الزمان. فهم أهل الرباط وعصابة الحقّ بإذن الله تعالى، أهل أرض الشام المباركة التي شهد لها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه سمع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن معاوية -رضي الله عنه- عن النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: “لا تزال طائفة من أُمّتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على النّاس”.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “لا تزال عصابةٌ من أُمّتي قائمةٌ على أمر الله، لا يضرّها من خالفها، تقاتل أعداءها، كلما ذهبت حربٌ، نشبت حربُ قومٍ آخرين، يرفع الله قومًا ويرزقهم منه حتى تأتيهم الساعة”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هم أهل الشام”. ووصى النّبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام حيث قال: “عليك بالشام، فإنّها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده”.

فهذا هو عز الدين القسام السوري من مدينة اللاذقية الذي استشهد على أرض فلسطين وهو يقارع المحتل البريطاني تسمت باسمه كتائب المقاومة في فلسطين لأن المقاومة الصادقة هي الوحيدة الذي تقدر قيمة المقاوم الحق.

هذه المقاومة الشجاعة التي ابتدعت مصطلح المسافة صفر وأدخلته إلى قاموس الأعمال القتالية الحديثة، حيث أن المسافة بيننا وبين الأهداف تقاس بالأمتار أو بالزمن أو بالفلوس أو بالقوة أو بالحجم. لكن المقاومة الفلسطينية استعملت هذا المصطلح المبهر الآن بعدما استنبطته من عهد حروب الرجال حيث السيف والترس والحراب، حروب المواجهة وليس حروب الجبناء التي فيها القاتل لا يرى ولا يميز ملامح ضحيته ولا شكله ولا عمره ولا حتى ذنبه. حروب الجبناء التي ترمى فيها القنابل والبراميل المتفجرة المصنوعة في مصانع الموت الغربية، على رؤوس الأبرياء لتفريغ جام الحقد والكره والانهزام من دون وازع من ضمير أو إنسانية.

ولكن هيهات هيهات أن يخيف ذلك مقاومة باسلة أمضت سبعة عشر عاماً في التجهيز والإعداد رغم الحصار والتضييق فباتت تلقن العدو الغاصب دروساً في الثبات والإقدام. وأبهرت العالم باستبسالها ورباطة جأشها وتكتيكاتها وخططها وأساليبها التي ستدرَّس في أكبر المعاهد والكليات العسكرية في العالم بكل تأكيد.

المقاوم الفلسطيني اليوم يسطر أروع آيات البطولة والشجاعة في مواجهة جيش صهيوني بربري لا أخلاقي، خرق كل قوانين الحرب الإنسانية وضرب بعرض الحائط كل المحرمات وتجاوز كل الخطوط الحمراء، فهو يستقوي على المدنيين العزل بقصفهم من الطائرات الحربية وبقنابل وصواريخ بلغ حجمها ضعفين أو أكثر من قنبلة هيروشيما النووية.

إيماننا بالله كبير أن الشعب السوري سينتصر على جلاده رغم قساوة الحال وتشتت الثوار وضعفهم. وأن المقاومة في فلسطين ستنتصر في النهاية وستنهي احتلال الأرض المغتصبة وتعود القدس والأقصى لحضن الأمة المكلومة.

وكما قال الزميل أحمد رمضان في تغريدته: سيتوقف العدوان على غزة، وستخرج إسرائيل منكسرة تلعق جراحها رغم الدعم الأمريكي لها، وسيكون الفلسطيني رجلَ المرحلة، منتصراً رغم الألم، معيداً تشكيل خريطة الصراع وقواعد الاشتباك، وطرفاً أساسياً في المنظومة الإقليمية بعد أن كان ضحية لها. رغم قساوة المشهد.. تبدو ملامحُ نصرِ فلسطين، ومعها العدالة والحرية لكل الشعوب التي تقاوم الاحتلال والاستبداد.

.

مدونات الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى