شرح مبسط لفرضية الأكوان المتعددة

مصطفى عابدين

لكثير من الأحيان أسمع أو أقرأ تعليقات حول موضوع الأكوان المتعددة. لماذا وصلنا لهذه الفرضية وهل هي حقاً مثبتة؟ وماذا يعني وجود أكوان متعددة؟

في الواقع استنتاج الأكوان المتعددة تنتج عن نظرية علمية مثبتة اسمها “التضخم الكوني”. في البداية كيف نعلم أن الكون بدأ من حدث بداية وأنه لم يكن على شكله الحالي منذ الأزل؟

عدة دلائل فيزيائية أوصلت العلماء لاستنتاج الانفجار العظيم. أهم هذه الدلائل هو حقيقة أن كوننا يتوسع بشكل متسارع فالمجرات البعيدة عنا تزداد بعداً. الجميل في العلوم أن العثور على الجواب يطرح المزيد من الأسئلة، لهذا سأقوم بسرد سلسة الأسئلة والأجوبة التي أوصلتنا لاستنتاج وجود أكوان متعددة.

التوسع:
اكتشف العالم هابل أن كوننا مليء بالمجرات وأن الافتراض السابق بأن كوننا عبارة عن مجرة واحدة افتراض خاطئ. هذه الحقيقة الجديدة كانت بزرة الفضول لمعرفة كم تبعد عنا هذه المجرات وعند رصد المجرات تم اكتشاف أن تردد الضوء القادم منها يصل لنا بانزياح نحو اللون الأحمر. هذا الاكتشاف يعني أن الضوء القادم نحونا من تلك المجرات يبتعد عنا وذلك بسبب مبدأ دوبلر الذي يوصّف ألية عمل الأمواج في الطبيعة وكيف يتغير تواترها بناء على الاتجاه الذي تنطلق له. جميعنا يميز صوت سيارة الإسعاف التي تمر بجانبنا وكيف يكون الصوت عالي وحاد وثم ينخفض باتجاه توجه السيارة. هذه الظاهرة التي تجعل من صوت سيارة الإسعاف ينخفض تدريجياً هي نفسها التي تجعل ضياء المجرات يصلنا بانزياح نحو الأحمر وذلك بسبب تباعدها عنا.

إذاً اكتشفنا أن الكون يتألف من مجرات عديدة وأن هذه المجرات في حالة حركة بالاتجاه المعاكس لنا كنتيجة لتوسع المكان بيننا وبين تلك المجرات.

من هنا بدأت فكرة الانفجار العظيم بالظهور حيث أننا إن عدنا في الوقت إلى الوراء فإن هذه المجرات لابد وأن كانت قريبة جداً من بعضها البعض إلى أن نصل إلى نقطة بغاية الصغر.

اشعاع الخلفية الكونية:
ضمن البحوث المتعلقة بموضوع الانفجار العظيم أطلق الباحثون مرصد لقياس الأثار الإشعاعية لبداية الكون وتوسعه فكانت النتيجة ما نسميه خارطة
الاشعاع الخلفي المياكروني للكون أو بعبارة أخرى خريطة توضح الأثر الإشعاعي للتفاعلات النووية في الكون. هذه الخريطة توضح كيف أن الكون متجانس في جميع أنحائه ولا يمكن تميزه في أي مكان من الخارطة.

هذه النتيجة طرحت سؤال مهم وصعب جداً. بما أن الكون يتوسع وبما أن عمر الكون حوالي ١٤ مليار سنة تقريباً فهذا يعني أن أطراف الكون تقدر بحوالي ٩٢ مليار سنة ضوئية. هذا يعني أن المعلومات (خواص فيزيائية) الموجودة في طرفي الكون والتي اكتشفنا أنها متطابقة بعيدة لدرجة لم يتمكن الضوء من الوصول بين أطرافها فكيف عرفت أطراف الكون بماهية الخواص الفيزيائية لكي تتجانس؟

من هذه النقطة نشأت نظرية اسمها التضخم الكوني والتي تشرح كيفية توسع الكون بشكل عظيم في لحظات البداية مما يفسر التجانس بين الأطراف بحكم أنها كانت جزء واحد وانفصلت ثم توسعت.

أنا هنا لا أدخل بأي تفاصيل تقنية وفقط أشرح المفاهيم بشكل مختصر للوصول لاستنتاج الأكوان المتعددة.

الأن تخيل أن الكون عبارة عن فقاعة بدأت بالتوسع بشكل عظيم. الاستنتاج الذي ظهر بسبب نظرية التوسع أن ليس جميع أجزاء هذه الفقاعة ستتوسع بنفس السرعة مما يعني أن بطء بعضها عن الأجزاء الأخرى سيشكل فقاعة ضمن الفقاعة الأساسية أو الكون الأصلي الذي بدأنا منه.

تخيل وجود فقاعة كبيرة تتوسع لكن أجزائها تتوسع ضمن سرعات متفاوتة. سينشأ لدينا العديد من الفقاعات بسبب التفاوت في السرعات وكل فقاعة ستستمر بعملية التوسع لكن ضمن ظروف وسرعات مختلفة مما يعني أن الظروف التي تنشأ داخل كل فقاعة ستكون مختلفة.

استنتاج ظهور فقاعات مختلفة بسبب التفاوت بسرعات التوسع نصل له بسبب نظرية التضخم الكوني. نظرية التضخم الكوني نظرية رصينة لها العديد من الدلائل الملموسة والتي لم أتطرق إليها بتفاصيلها (توقع أن الكون مسطح، وجود تجانس كوني في كل الأطراف، قطبية الاشعاع الكوني، نظرية التطور الذرية من الهيدورجين). هو استنتاج رياضي وبما أن النظرية بحد ذاتها مثبتة فإن استنتاجاتها هي استنتاجات علمية، لكنها تبقى غير مثبتة بعد.

هذه لاستنتاجات تدعي وجود فقاعات نسميها أكوان متعددة تكون فيها القوانين الفيزيائية مختلفة قليلاً كنتيجة لسرعات التوسع التي حصلت ضمن تلك الفقاعات في بداية التضخم. نحن نعيش داخل إحدى هذه الفقاعات ويوجد فقاعات كونية أخرى ضمن الفقاعة الأصلية لا يمكننا رصدها بسبب بعدها عن أفق حدث كوننا (حدود كوننا).

بسبب توسع فقاعتنا بأسرع من الضوء فإن الضوء الموجود ضمن أطراف فقاعتنا لن يصل إلى الطرف الآخر أبداً ودائماً سيكون لدينا افق نظن أنه حدود الكون. يعني الضوء الذي ينطلق اليوم من حدود كوننا المنظور لن يتمكن من الوصول إلى الطرف الأخر بسبب سرعة التوسع التي تتسارع بأسرع من سرعة الضوء.

نحن ننظر إلى السماء ونقدّر أبعد ضوء يصل إلينا بحوالي ١٤ مليار سنة ضوئية ولكن هذا لا يعني أن هذا هو عمر الكون الحقيقي أو أن هذا هو حجم الكون الحقيقي وإنما أن كوننا المنظور (فقاعتنا) هي فقاعة فيها القوانين الفيزيائية التي نعرفها وأن أفق رصدنا لا يمكنه تجاوز حدود تسارعها.

فقاعتنا تتوسع بأسرع من سرعة الضوء بينما كل الموجودات داخلها حتى الضوء لا يمكنها التحرك بأسرع من سرعة السببية (الضوء) فيكون ما نسميه نحن الكون المنظور.

إذا ما أردنا تخّيل كون موازي لكوننا فعلينا الانتقال خارج أفق حدث كوننا بسرعة تفوق سرعة الضوء بعشرات الأضعاف لكي نستطيع الانتقال بأسرع من سرعة التوسع الكوني. على فرض أننا تمكنا من ذلك وانطلقنا بأسرع من الضوء بألاف الأضعاف لتعويض السنين التي توسع بها الكون منذ ١٤ مليار سنة وعلى فرض أننا تجاوزنا ال٩٤ مليار سنة ضوئية التي تحد كوننا المنظور الحالي ثم توقفنا فإننا سنرصد كون “منظور جديد” غير كوننا الحالي يكون محدود بسرعة توسعه من نقطة وصولنا فيكون البشر على كوكب الأرض يبعدون عنا لدرجة لم ينطلق الضوء من كوكبهم نحونا وحتى إن انطلق فهو لن يصلنا أبداً لأننا خارج نطاق سرعة التوسع مقابل السببية. ايضاً انتقالنا بسرعة أسرع من سرعة الضوء بألاف الاضعاف تعني من الناحية النظرية أننا عدنا في الوقت إلى الوراء والذي يعني أننا سنلاحظ أن كوننا يتقلص عوضاً عن أن يتوسع وذلك لأننا نسافر بسرعة أسرع من توسعه.

الفكرة هنا أن الأكوان المتعددة ليست إلا تعبير يوصف فقاعات سببية نتجت بسبب تضخم الكون الأولي وثم صارت الموجودات التي في داخل تلك الفقاعات محكومة بسرعة السببية وعدم تمكنها من الخروج بسبب أن سرعة التوسع أكبر من السببية التي في داخلها.

الكون هو كل شيء وتسمية أكوان متعددة ليست إلا وسيلتنا لكي نقول إنه قد يوجد أكوان منظورة متعددة لكنها جميعاً ضمن كون واحد قد يكون لا نهائي التوسع.

نحن مجرد نقطة من تريليونات النقاط ضمن فقاعة كونية من ضمن عدد لا متناهي من الأكوان المنظورة لمن يعيش بداخلها.

فكرة الأكوان المتعددة تفسر مغالطة التوليف الذكي التي يتم طرحها حول عدم إمكانية ظهور الحياة سوى إن كانت القوانين الفيزيائية متطابقة بالضبط كما هي في كوننا إلا أن فهم فكرة الأكوان المتعددة يشرح كيف أنه لا يمكن أن تظهر الحياة كما نعرفها اليوم إلا ضمن كون (فقاعة) ذات هذه القوانين التي نرصدها.

المصدر: علومي

Exit mobile version