ابتسام عازم
طالب وفد رفيع المستوى من أطباء عادوا أخيراً من غزة بوقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية بشكل فوري وعاجل للقطاع.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده أربعة أطباء بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بعد مشاركتهم ضمن وفد رفيع المستوى للقاء ممثلين عن دول أعضاء في الأمم المتحدة، قبل توجههم إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع أعضاء في الكونغرس الأميركي لحثهم على الضغط من أجل وقف إطلاق النار الفوري وتقديم شهاداتهم حول ما عايشوه في غزة.
ويعمل الأطباء مع منظمات دولية غير حكومية، مثل “أطباء بلا حدود” ومنظمة “MedGlobal” ومنظمة “المعونة الطبية للفلسطينيين” ومقرها المملكة المتحدة.
استهداف واضح للمراكز الطبية في غزة
وكان أول المتحدثين الطبيب نيك ماينارد، وهو جراح من أكسفورد في المملكة المتحدة، وقال إنه في زيارته الأخيرة لغزة، التي يعرفها جيداً حيث زارها عدة مرات خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة لتدريب الكوادر الطبية، في نهاية العام الماضي والعمل لأسبوعين في مستشفى الأقصى فاجأته. وأضاف “رأيت أشياء لم أكن أتوقع أن أراها في أي مكان للرعاية الصحية”، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار المستدام “لمنع استمرار الكارثة الإنسانية”.
وحول ادعاءات إسرائيل أن قصفها للقطاع يستهدف مقاتلي حماس فقط وليس المدنيين وأنها لا تقوم بقصف عشوائي وأن جيشها يقوم بالعمل على حماية المدنيين، قال ماينارد: “يمكنني كأي طبيب كان على الأرض في غزة في الأشهر الأخيرة أن أبدد هذا الادعاء بيقين مطلق، حيث إن هناك قصفاً عشوائياً جماعياً أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، وهناك استهداف واضح للغاية لمرافق الرعاية الصحية والعاملين في المجال، وتدمير متعمد للبنية التحتية لجميع المستشفيات، بحيث يصبح من المستحيل تقريباً تقديم أي شيء يشبه الرعاية الصحية العادية إلى سكان غزة”.
وأشار إلى أن هجمات سابقة لإسرائيل أظهرت أنه جيشها يمكنه تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف بناية أو حتى شقة بعينها، وأن ما يقوم به الآن هو قصف عشوائي يظهر عدم صحة تلك الادعاءات.
أما الطبيب زاهر سحلول، وهو أميركي من أصول سورية ومؤسس مشارك ورئيس “Med Global”، فشدد أيضاً على أن الهدف من الاجتماعات التي يعقدها الوفد مع الوفود الدبلوماسية وأعضاء الكونغرس هو حثهم على التحرك بشكل فوري لأن الأوضاع كارثية ولا تحتمل المزيد من الانتظار.
وتحدث سحلول في مداخلته عن زيارته الأخيرة للقطاع وعن بعض الحالات التي عالجها، بما فيها حالة الطفلة هيام أبو خضر (سبع سنوات)، التي توفيت وهي تنتظر لأسابيع بعد إصابتها بحروق في كل جسدها الحصول على تصريح لنقلها للعلاج في مصر، مشيراً إلى أن هناك ثمانية آلاف شخص على الأقل ينتظرون أن يتم السماح لهم بتلقي العلاج خارج غزة لكن لا يحصل إلا عشرة بالمئة منهم على تصاريح.
وتحدث عن استهداف المستشفيات في صراعات أخرى في سورية وأوكرانيا، لافتاً إلى أن الوضع في غزة أسوأ بكثير، حيث لا مكان آمنا ولا حتى المستشفيات، ناهيك عن التقلص المستمر للمساحة التي يمكن للمدنيين الوجود فيها في القطاع المحاصر أصلاً والمكتظ، وقال “إن السكان المدنيين في غزة يعانون من كارثة إنسانية: فهم نازحون أو يتضورون جوعاً أو على وشك المجاعة، ولا يحصلون إلا على الحد الأدنى من الرعاية الطبية. إن هذه الظروف مروعة”.
أما ثائر أحمد، وهو طبيب أميركي من أصول فلسطينية، فتحدث عن زيارته في شهر يناير/كانون الثاني الماضي لمستشفى ناصر، ثاني أكبر مستشفى في غزة، وأشار إلى حصار المستشفى وإجبار الطواقم الطبية على إخلائه واجتياحه وإلقاء القبض على الطواقم التي بقيت.
وقال “كنت واحداً من الذين قرروا الإخلاء، ومن المهم أن نسرد قصص الذين بقوا والذين فضلوا البقاء مع مرضاهم على الرغم من وجود تهديد وجودي على أمنهم وحياتهم”، ولفت إلى أنه وبالإضافة إلى مقتل 400 من الطواقم الطبية على الأقل منذ بداية الحرب وحبس آخرين، فإن التحدي الإضافي هو منع الأطباء من الحصول على الأدوية والمعدات الطبية اللازمة للقيام بأساسيات عملهم.
وأشار في هذا السياق إلى منع إسرائيل إدخال حفاظات الأطفال والمواد المخدرة مثلاً، بحيث يضطر الكثير من الأطباء للقيام بالعمليات بما فيها بتر الأطراف دون تخدير، وكل ذلك على الرغم من اصطفاف الشاحنات المليئة بالمعدات الطبية والغذائية خارج القطاع، ولكن لا يسمح لأغلبيتها الساحقة بالدخول.
أما طبيبة الأطفال ومسؤولة برنامج “أطباء بلا حدود” في فلسطين وهايتي وأفغانستان عمبر العيان، فتحدثت عن انهيار النظام الصحي في غزة، وأشارت إلى الخدمات التي تقدمها المنظمة قبل الحرب الأخيرة وأثناءها والتحديات المستحيلة التي تواجه الطواقم الطبية.
وشددت على أنه حتى عندما تدخل بعض المساعدات الطبية فإن هناك تحديات يفرضها الواقع على الأرض بما فيها كيفية إيصالها إلى داخل غزة، كما أشارت إلى “الخيارات الصعبة التي يجبر الأطباء على اتخاذها بما فيها نقص الأدوية والقيام بعمليات دون تخدير، ناهيك عن وجود آلاف النازحين داخل المستشفيات، ما يعني أن المرضى لا يمكنهم تلقي العلاج بعد العمليات تحت ظروف ملائمة للتعافي، حيث يصل الوضع إلى تعفن الجروح”.
وأكدت أنه لا يوجد مستشفى في العالم، حتى في الدول الغنية، يمكنه التعامل مع هذا الكم من الإصابات والمرضى، وأشارت إلى استهداف المستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف وغيرها، ولفتت إلى أن ذلك يحول دون أن يتمكنوا من جمع المعلومات ليس لرصد الدمار والأضرار بل أيضاً للقيام بمسح لنوعية وكمية الاحتياجات.
خسائر هائلة
ورداً على أسئلة لمراسلة “العربي الجديد” بالأمم المتحدة في نيويورك حول الرعاية والدعم النفسي للطواقم الطبية وللغزيين عموماً، قالت العيان “لدينا فرق على الأرض عملنا معها في الماضي والآن تحاول تقديم خدمات اجتماعية ونفسية، ولكن التحدي الآن أن الكثير من هذه الطواقم تعاني من سقوط ضحايا وتعاني من اضطرابات وصدمات، وهو ما يزيد التحديات”.
وأضافت “كل من يعملون في المجال الصحي منهكون تماماً، ناهيك عن قلقهم على عائلاتهم واضطرارهم لمواجهة فقدهم لأبناء عائلاتهم ومعارفهم وبيوتهم. كل هذا في الوقت الذين يحاولون فيه القيام بأعمال بطولية والاستمرار بتقديم الخدمات للمرضى”، وأشارت إلى أن البعض يفضل الاستمرار بالعمل وآخرون لم يعد بإمكانهم ممارسة أعمالهم.
وشددت على أن الاحتياجات للدعم النفسي هائلة ولا يمكن تصورها، ويُتوقع أن تستمر عواقبها الوخيمة بعد انتهاء الحرب.
أما ثائر أحمد، فأشار إلى جملة تكررت على مسامعه خلال وجوده في غزة حول الاحتياجات في ما يخص الدعم النفسي والاجتماعي، مفادها أن “هناك حرباً بعد هذه الحرب، وسيأتي اليوم الذي سيضطر الغزيون فيه إلى التعامل، بعد انتهاء الحرب، مع الخسائر الهائلة التي تعرضوا لها”، وأشار إلى أن هناك فريقاً من المختصين النفسيين سيتوجه لغزة الشهر القادم، وهي أول بعثة من هذا النوع منذ بدء الحرب، لمحاولة تقديم المساعدة والدعم للطواقم التي تعمل على الأرض.
وشدد على أن هناك حاجة ملحة للتحرك الآن وأن هذه هي الرسالة التي يحملونها للسياسيين والدبلوماسيين الذين يلتقون بهم، كما شدد على ضرورة تدريب الطواقم العادية للتعامل مع الصدمات، وأشار أيضاً إلى عدم وجود أدوية لمعالجة الاضطرابات النفسية بما فيها الاكتئاب وغيره.
المصدر: العربي الجديد