عواصم اليمن.. التعبير عن الاستقرار والاضطراب

لم تستقر العاصمة اليمنية في مدينة واحدة، منذ النشأة الأولى لمفهوم الدولة اليمنية في العصور القديمة، وحتى العصر الحديث. وقد بدأ نوع من التكتل القبلي قبل الميلاد، أفضى إلى إقامة مملكة يمنية، لها عاصمتها الخاصة. ثم توالت التكتلات القبلية، فتعددت الممالك، وبالتالي تعددت العواصم. وقد أدت الصراعات والحروب، التي نشبت بين هذه الممالك، إلى انتصار بعضها واندثار بعض آخر. حتى استقرت السلطة على اليمن كله في يد “المملكة السبئية”، في عاصمة واحدة، مدينة “صنعاء”، لمكانتها التاريخية، وموضعها الجغرافي الإستراتيجي.

ثم ترتب على ضعف الدولة الإسلامية إعلان التمرد عليها في اليمن، وإقامة عدد من الدويلات، لكل منها عاصمتها الخاصة… حتى تمكنت الدولة “الصليحية” من القضاء على هذه الدويلات، واستقرار حكمها لليمن من عاصمة واحدة (“صنعاء” ثم “جبلة”). ومع انهيار هذه الدولة تشرذَم اليمن، وتعددت عواصمه بتعدد الدويلات الجديدة التي نشأت فيه… الى أن أسقط الأيوبيون هذه الدويلات، وحكموا اليمن كله من عاصمة واحدة ،”صنعاء”، ثم “تعز”، التي نقلوا العاصمة إليها، بحثاً عن الاستقرار الذي فقدوه في “صنعاء”، بسبب ما يحيط بها من قبائل، كانت تشكل تهديداً مباشِراً لمركز الحكم.

وتوالت الأحداث والصراعات، وصولاً إلى تشطير اليمن، بين التواجدين التركي والإنجليزي. تلاهما انتصار الثورة اليمنية في 1962، وانقسام العاصمة على مدينتين (“صنعاء” و”عدن”)، ثم عودتها إلى “صنعاء” عاصمة لدولة الوحدة اليمنية، التي أجرت تعديلات دستورية استوعبت هذا التحول في العاصمة، وهو لا يزال قائماً في صيغته الدستورية، على ما في هذه التحوّلات السياسية المتعاقبة والصراعات والحروب من متغيّراتٍ أفضت إلى إعلان مدينة “عدن” عاصمة مؤقتة في 2015. كما أفضت تلك المتغيّرات، من جهة أخرى، إلى مزيد من الحدّة في خطاب “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي يسعى إلى استعادة الدولة الجنوبية، واستعادة مدينة “عدن” بصفتها عاصمةً للدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل 1990.

لقد نشأت الدويلات والممالك اليمنية القديمة من تكتلات قبلية. ثم حدثت في هذه التكتّلات تحولاتٍ جذرية، كانتقال جزء كبير منها من طبيعتها البدوية إلى حياة مدينية، تشكّلت منها نواة عدد من المدن. وترتب عليها نمو وارتقاء حضاري، كازدهار التجارة الداخلية والخارجية، في تلك الممالك. إذ وصل نفوذ واحدة منها (“مملكة أوسان”) إلى احتكار التجارة البحرية الأفريقية، بعدما سيطرت على الساحلين اليمني والأفريقي. وتمكنت إحدى القبائل (قبيلة “حمير”) من توحيد اليمن كله تحت حكمها، في مملكة “حمير”، التي اكتشفت الطريق البحري من مصر إلى الهند.

وقد استدعى هذا التحول تشريعات تنظِّم العلاقات الاجتماعية، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهو ما تحيل عليه النقوش اليمنية القديمة، في ما تضمّنته من إشارات إلى صور من التشريعات التي سُنّت في اليمن القديم. كذلك، كان لهذا التحوّل انعكاسه الإيجابي في مجال الزراعة والري، ولعل من أهم الآثار اليمنية في هذا الاتجاه، “سد مأرب”، أشهر السدود في اليمن، في عهد مملكة “سبأ” التي تشكّلت من تكتل قبيلتي: “سبأ”، و”أربعان”.

عدن عاصمة من جديد

قبل تسع سنوات، في السابع من آذار/مارس 2015، أعلن الرئيس اليمني السابق “عبده ربه منصور هادي”، مدينة “عدن” عاصمة للجمهورية اليمنية، بعد أن أحكمت سلطة “الأمر الواقع” (جماعة أنصار الله، “الحوثيين”)، سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية.

في اليمن، توالت التكتلات القبلية عبر الزمن، فتعددت الممالك، وبالتالي تعددت العواصم. وقد أدت الصراعات والحروب، التي نشبت بين هذه الممالك، إلى انتصار بعضها واندثار بعض آخر. حتى استقرت السلطة على اليمن كله في يد “المملكة السبئية”، في عاصمة واحدة، مدينة “صنعاء”، لمكانتها التاريخية، وموضعها الجغرافي الاستراتيجي.

يُعدّ هذا الإعلان الرئاسي، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة “صنعاء” هي العاصمة. وعلى ذلك، فإن هذا الإجراء يحيل على نسق من اتصال الحاضر بالماضي، من خلال صور متكررة لتحوّلات العاصمة في اليمن، على امتداد التاريخ اليمني، منذ أقدم العصور حتى اللحظة الراهنة. كما يحيل من جهة أخرى، على ارتباطه الجوهري بالتحوّلات التي تطرأ على بنية السلطة، وانتقالها من كيانٍ إلى آخر، وما يترتب على ذلك من تمركُز كل كيانٍ في المدينة التي يطمئن إلى ولائها له، وبالتالي يستهل حكمه منها عاصمةً لسلطته، إمّا بشكل دائم، وإمّا بشكل مؤقت، فيما لو اتسع نفوذه، وأحكم سيطرته على المدن الأخرى، وقرر نقل العاصمة إلى مدينةٍ ملائمة وظيفيًّاً لاستيعاب مؤسسات الحكم المركزي.

جولة على عواصم اليمنيين القدامى

تشير دراسات التاريخ والحضارة اليمنية إلى ظهور شكل من أشكال الدولة في اليمن القديم، لا سيما ما يتعلق باستقرار السلطة في مدينة معينة، تُمثِّل عاصمة إدارية وسياسية لأنظمة الحكم، التي اختلفت باختلاف الدول اليمنية القديمة. بدءاً بمملكة “معين” أقدم الدول اليمنية، التي نشأت في منطقة “الجوف” (على بعد حوالي 143 كيلو متراً شمال غربي صنعاء)، وامتد تاريخها من القرن الرابع عشر قبل الميلاد حتى القرن الثاني قبل الميلاد، واستقرت عاصمتها في مدينة “قرناو/ قرناء”. كما كانت مدينة “براقش” عاصمتها الدينية، التي حظيت بمكانةٍ مهمة، لدورها الفاعل في ترسيخ سلطة هذه المملكة.

ونشأت مملكة “حضرموت”، في القرن العاشر قبل الميلاد، (حوالي عام 1020ق.م.) واستمرت إلى القرن الثالث بعد الميلاد. وشمل نفوذها من الشرق إقليم “ظفار”، و”المهرة”. ومن الجنوب “وادي المعسال” جنوبي “رداع”، واتخذت في بداية نشأتها من مدينة “ميفعة” عاصمةً لها. وبعد أن اتسع نفوذها وقويت شوكتها، انتقلت عاصمتها إلى مدينة “شبوة” (على بعد حوالي 474 كيلو متراً شرق صنعاء).

وفي مطلع القرن العاشر قبل الميلاد نشأت مملكة “سبأ” (حوالي عام 850 ق.م.) وامتد تاريخها حتى القرن الثاني قبل الميلاد. وقامت سلطتها في “مأرب”، ثم “الجوف”، ومناطق من “أرحب”، و”خولان”، و”قاع صنعاء”، و”قاع البون”. وبدأت عاصمتها في مدينة “صرواح” (على بعد حوالي 40 كيلو متراً غرب مدينة “مأرب”). وبعد أن امتد نفوذها إلى مناطق شاسعة، انتقلت عاصمتها إلى مدينة “مأرب” (على بعد 173 كيلو متراً شمال شرقي صنعاء).

وفي “وادي بيحان” (على بعد حوالي 200 كيلو متراً من مدينة “شبوة”)، ظهرت مملكة “قتبان”، ما بين القرن السابع قبل الميلاد، والقرن الميلادي الثاني. واتّسع نفوذها من الشرق إلى البحر الأحمر غرباً، ومن مدينة “ذمار” شمالاً إلى البحر العربي جنوباً. واتخذت من مدينة “تَمْنُع” عاصمة لها، وهي ما يُطلق على بقاياه اليوم “هجْر كحلان”، في محافظة “شبوة”. وحينما هاجمتْها مملكة “حضرموت”، انتقلت عاصمتها إلى مكانٍ آخر، تُعرف بقاياه اليوم بـ”هجْر بن حميد”، في منطقة “بيحان”.

وفي القرن السابع قبل الميلاد، ظهرت مملكة “أوسان”، في وادي “مرخة” (إحدى قرى محافظة “لحج” جنوب اليمن). لكنها لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما دمّر مدنها وسيطر عليها الحلف الذي تكوّن من دول: سبأ، وحضرموت، وقتبان. لذلك لم يتم التعرف إلى عاصمتها على وجه الدقة، وإن كان هناك من يراه في الموضع الذي يُطلَق عليه حالياً اسم “هجْر الناب”.

نشأت الممالك اليمنية القديمة من تكتلات قبلية، ثم انتقل جزء كبير منها من طبيعتها البدوية إلى حياة مدينية، تشكّلت منها نواة عدد من المدن، مع نمو وازدهار التجارة الداخلية والخارجية. وقد وصل نفوذ “مملكة أوسان” إلى احتكار التجارة البحرية الأفريقية، بعدما سيطرت على الساحلين اليمني والأفريقي. وتمكنت قبيلة “حمير” من توحيد اليمن كله تحت حكمها، واكتشفت الطريق البحري من مصر إلى الهند.

وظهرت في القرن الأول قبل الميلاد مملكة “حميّر”، (حوالي عام 115ق.م.)، وصار اليمن في عهدها دولة مركزية واحدة. وبدأت عاصمتها في مدينة “ظفار”. وبعد أن اتسع نفوذها، انتقلت عاصمتها إلى مدينة “صنعاء”، حتى كانت نهايتها في مطالع القرن السادس الميلادي، (حوالي عام 525م)، على يد احتلال الأحباش لليمن، الذي قضى عليه التدخل الفارسي وحل محلّه عام 598م، استمراراً حتى ظهور الدولة الإسلامية. وفي حقبة الحكم الفارسي لليمن، بدأ أول تقسيم لليمن الى أقاليم، عُرفت حينها بـ”المخاليف” الثلاثة: “مخلاف الجند”، و”مخلاف صنعاء”، و”مخلاف حضرموت”.

وفي ظل الدولة الإسلامية، كانت “صنعاء” هي العاصمة اليمنية، التي احتفظت بهذه الصفة حتى بدأ ضعف الدولة المركزية في “الخلافة العباسية”، إذ توالى الاستقلال عن هذه الدولة، وانقسمت اليمن الى عددٍ من الدويلات، وبالتالي انقسمت العاصمة على عدد من المدن اليمنية.

كانت أوّل دولة يمنية استقلت عن عاصمة الخلافة “بغداد” هي الدولة “الزيادية” (819 ــ 1016م)، في “تهامة”، وعاصمتها مدينة “زبيد” (على بعد حوالي 233 كيلو متراً جنوب غرب “صنعاء”). بعدها استقلت في “صنعاء” الدولة “اليعفرية” (840 ــ 1003م)، وعاصمتها مدينة “شبام” (شمال غرب صنعاء، على بعد حوالي 43 كيلو متراً). كما أسس الإمام “يحيى بن الحسين الهادي” في عام 897م “الإمامة الزيدية” في اليمن، التي تعددت انتقالات عاصمتها بين مدينتي “صعدة”، و”صنعاء”. وقامت الدولة “النجاحيّة” (1016م ــ 1150م)، في “تهامة”، على أنقاض الدولة “الزيادية”، واتخذت من المدينة نفسها، “زبيد”، عاصمة لها.

استعادت مدينة “صنعاء” مكانتها في الدولة “الصليحية” (1045 ــ 1138م)، التي تمكنت من توحيد اليمن في كيانٍ سياسيٍّ واحد، واتخذت من “صنعاء” عاصمة لها. لكن “صنعاء” فقدت هذه الصفة، حينما آلت السلطة إلى الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي أعلنت عن نقل العاصمة من “صنعاء”، إلى مدينة “جبلة”، (على بعد 6 كيلو متراً جنوب محافظة “إب” وسط اليمن)، لتسهيل التواصل مع مدينة “عدن” التي كانت تحت سيطرة الدولة “الصليحية”.

ومع الضعف الذي بدأ في الدولة “الصليحية”، عاد انقسام البلد إلى الواجهة، وبه عاد تشظي العاصمة إلى عدد من المدن، إذ نشأت الدولة “المهدية” في “تهامة”، وعادت إلى مدينة “زبيد” صفتُها عاصمةً لهذه الدولة. وصارت مدينة “صنعاء” عاصمة للدولة “الحاتمية”، ومثلها “عدن” عاصمة لإمارة “بني زريع”. وعلى ما كان في بعضٍ من هذه الدويلات من ارتباطٍ لها بالدولة “الصليحية”، إلّا أنها بدأت تنحو منحى أكثر استقلالًا عنها.

وفي سياق التشرذم الذي أُصِيْبتْ به السلطة المركزية اليمنية، كان تأسيس الدولة “السليمانية”، وعاصمتها مدينة “حرض” (إحدى مديريات محافظة “حجة” على بعد حوالي 123 كيلو متراً شمال غربي صنعاء). كذلك، جاء تأسيس ثلاث دويلات صغيرة في “حضرموت”: دولة “قحطان”، وعاصمتها مدينة “تريم”، ودولة “الدّغّار”، وعاصمتها مدينة “شبام حضرموت”، ودولة “الفارس”، وعاصمتها مدينة “الشّحر”.

في ظل الدولة الإسلامية، كانت “صنعاء” هي العاصمة اليمنية، التي احتفظت بهذه الصفة حتى بدأ ضعف الدولة المركزية في “الخلافة العباسية”، إذ توالى الاستقلال عن هذه الدولة، وانقسمت اليمن الى عددٍ من الدويلات، وبالتالي انقسمت العاصمة على عدد من المدن اليمنية.

بعد ذلك، لفظت هذه الدويلات أنفاسها الأخيرة، حينما قضت عليها الدولة الأيوبية في اليمن (1174 ــ 1229)، كنوع من امتداد نفوذ الدولة الأيوبية التي كانت قائمة في مصر، إذ كلَّف وزير الخليفة الفاطمي “صلاح الدين الأيوبي” أخاه “توران شاه” بتولي جنوب الجزيرة العربية. وحينما وصل إلى اليمن، سيطر عليها، واتّخذ من مدينة “صنعاء” مقرّاً لحكمه، ثم غادرها بعد عام، وخلفه شقيقه “طُغتكين”، حاكماً من “صنعاء”، قبل أن ينتقل منها إلى مدينة “تعز”، التي اتخذ منها عاصمة لسلطته. وحافظت هذه المدينة على صفتها كعاصمة للدولة “الرسولية” (1229 ــ 1454)، التي استقلت اليمن في عهدها عن الدولة الأيوبية في مصر.

وعلى أنقاض الدولة “الرسولية”، قامت الدولة “الطاهرية” (1455 ــ 1517)، في مدينة “رداع” (في الشرق الجنوبي من “صنعاء” على بعد حوالي 150 كيلو متراً). ثم اتّسع نفوذها، إلى جنوب اليمن، ومناطق المرتفعات الشمالية، وصولاً إلى “صنعاء” عام 1504.

وحينما احتل البرتغاليون جزيرة “سقطرى” عام 1513، قررت دولة “المماليك” في مصر التدخل في اليمن لمواجهة التهديد البرتغالي للسواحل اليمنية. وتوالت الأحداث، بصورة أفضت إلى مواجهات حدثت بين “الدولة الطاهرية”، و”المماليك”، الذين قضوا عليها، وفرضوا سيطرتهم على اليمن عام 1517.

بين الأتراك والإنجليز

في سياق حلول العثمانيين محل “المماليك” في مصر، كان قضاؤهم على نفوذ “المماليك” في اليمن، والحلول محلّهم. فبدأت الفترة الأولى من حكمهم لليمن (1538 ــ 1635)، لا سيما الأجزاء الشمالية والشرقية، بعد أن فرضوا سيطرتهم على مدينة “صنعاء”، وحكموا منها باعتبارها عاصمة البلد. وخاضوا بين فترة وأخرى مواجهات مع “الإمامة الزيدية”، التي تمكّنت بعد قرابة قرنٍ من التغلب عليهم، إذ هاجمت “صنعاء”، وسيطرت عليها عام 1635.

بعد انتصار “الثورة السبتمبرية”، أُعْلن عن قيام نظام الحكم الجمهوري في اليمن، واستعادت مدينة “صنعاء” حيويّتها باستمرارها عاصمةً للنظام الجديد. وعلى ذلك، لم تفقد مدينة “تعز” ميزتها كمدينة مستقرة، إذ كانت مقر الإقامة المفضّل لدى الرئيس “عبد الرحمن الإرياني (1967 ــ 1974). ثم تمّ اعتماد محافظة “تعز” عاصمة ثقافية للجمهورية اليمنية بالقرار الجمهوري رقم (2) لسنة 2013.

في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان اليمن على موعدٍ مع سيطرة الاحتلال البريطاني (1839 ــ 1967) على مدينة “عدن”، إذ فرض وصايته على هذه المدينة وعلى غيرها من المناطق الجنوبية والشرقية.

ثم كان غرب اليمن وشماله على موعدٍ مع العثمانيين، إذ بدأت فترة حكمهم الثانية لليمن (1849 ــ 1918). وتمكنوا من السيطرة على مدينة “صنعاء” عام 1872، واتخذوا منها عاصمة لسلطتهم طيلة فترة حكمهم هذه. وعلى ذلك، فقد اضطروا إلى اتخاذ مدينة “تعز” عاصمة بديلة، من حين إلى آخر، كلما احتدت خلافاتهم مع تحالف القبائل “الزيدية” المحيطة بـ”صنعاء”.

وبعد جولات من النزاع بين الأتراك والبريطانيين على النفوذ في اليمن، وقّعَ الجانبان في التاسع من آذار/ مارس عام 1914على معاهدة، رسمت حدود نفوذ كلٍّ منهما: المناطق الشمالية والغربية ــ نفوذ تركي، والمناطق الجنوبية والشرقية ــ نفوذ بريطاني. وتأسيساً على هذه المعاهدة، انقسم اليمن على شطرين: اليمن الشمالي، واليمن الجنوبي.

تحوّلات عاصمة الثورة والوحدة

أفضى انهزام التحالف الدولي الذي تنتمي إليه “تركيا” في الحرب العالمية الأولى، إلى تحوّلات في النفوذ التركي، الذي غادر اليمن عام 1918، فتمكنت “الإمامة الزيدية”، من السيطرة على اليمن الشمالي، والإعلان عن قيام “المملكة المتوكلية اليمنية”، التي استقرت سلطتها في مدينة “صنعاء” عاصمة لها. والملفت، في تحوّلات العاصمة هنا، تكرار ما حدث مع السلطة التركية (اتخاذ مدينة “تعز” عاصمة بديلة). فبعد ما حدث في عام 1948 من محاولة الثورة على الحكم “المتوكلي” – التي أودت بحياة الإمام “يحيى حميد الدين”، وتَمكّن ابنه الإمام “أحمد” من إفشالها، ثم تولى الحكم خلفاً لأبيه ــ اختار الإمام “أحمد” من مدينة “تعز” عاصمةً بديلة، وصارت مقرّاً لحكمه، حتى سقوط سلطته بالثورة عليه في 26 أيلول/سبتمبر 1962.

بعد انتصار “الثورة السبتمبرية”، أُعْلن عن قيام نظام الحكم الجمهوري في اليمن، واستعادت مدينة “صنعاء” حيويّتها باستمرارها عاصمةً للنظام الجديد. وعلى ذلك، لم تفقد مدينة “تعز” ميزتها كمدينة مستقرة، إذ كانت مقر الإقامة المفضّل لدى الرئيس “عبد الرحمن الإرياني (1967 ــ 1974). ثم تمّ اعتماد محافظة “تعز” عاصمة ثقافية للجمهورية اليمنية بالقرار الجمهوري رقم (2) لسنة 2013.

وعلى غرار التحوّلات السياسية في اليمن الشمالي، كان الأمر في اليمن الجنوبي. فمنذ سيطرة الاحتلال البريطاني على مدينة “عدن”، صارت وما حولها مستعمرةً تابعة لنائب الملك البريطاني في الهند. ثم تحوّلت إلى مستعمرة تابعة لـ”التاج البريطاني” في العاصمة لندن عام 1936، تداعياً مع ما حدث من تطورات في السياسة الدولية بعد اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. تلى ذلك تحوّل فارق، أفضى إليه اندلاع الثورة على الاستعمار البريطاني في 14 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1963، وما ترتب على استمرارها حتى 30 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1967، من نيلٍ للاستقلال وتأسيس دولة “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية”، وعاصمتها مدينة “عدن”، التي ظلت هي العاصمة، بعد إحداث تعديل في اسم الدولة إلى “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، عام 1969.

في الشهور الأولى من عام 1990، كانت العاصمة في اليمن عاصمتين، لدولتين اثنتين: الأولى في المناطق الشمالية والغربية، “الجمهورية العربية اليمنية”، وعاصمتها “صنعاء”، والثانية “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، في المناطق الجنوبية والشرقية، وعاصمتها مدينة “عدن”.

وفي الثاني والعشرين من أيار/ مايو 1990، أُعلن عن قيام الوحدة بين الدولتين، في دولة واحدة، اسمها “الجمهورية اليمنية”، وعاصمتها السياسية “صنعاء”. كما أضفى هذا التحول على مدينة “عدن”، صفتها الجديدة، “عاصمة اقتصادية” للبلد.

السفير العربي

Exit mobile version