غزة.. جارة البحر، وعنوان المقاومة والصمود
بعد أكثر من خمسين يوما من العدوان الصهيوني على قطاع غزة صرح الجيش الصهيوني بإلقاء أكثر من 40 ألف طن من المتفجرات بأكثر من عشرة آلاف طلعة جوية على مساحة لا تزيد عن 365 كيلومترًا مربعًا، والأرقام في ازدياد، وكذلك الضحايا من شهداء ومصابين، فلماذا يلقي الكيان الصهيوني كل ذلك على غزة؟ لماذا كل هذا الدمار؟ هل هذا فقط لأجل ما حصل في السابع من أكتوبر؟ لنعرف ما وراء كل هذا علينا أن نقترب أكثر من غزة وتاريخها ونضالها في وجه الصهيونية والاحتلال.
يطل قطاع غزة على البحر الأبيض المتوسط، وهو الجزء الجنوبي من السهل الساحلي الفلسطيني، مشكلًا ما يقرب على 1,33% من مساحة فلسطين، وفصلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية بعد احتلالها للأراضي الفلسطينية الواقعة بينهما، ومنذ فوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 تعرض القطاع لحصار شامل بري وبحري وجوي. وعلى الرغم من انسحاب الكيان الصهيوني من جانب واحد من غزة إلا أن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الحقوقية والإنسانية تعد قطاع غزة محتلًا.
بموجب اتفاق أوسلو عام 1993م منحت إسرائيل السلطة الفلسطينية حكمًا ذاتيًّا محدودًا على الضفة الغربية والقطاع، حتى العام 2005م حيث انسحبت إسرائيل من القطاع مبقية إياه تحت الحصار الخانق حتى يومنا هذا.
أما التاريخ المعاصر لغزة، فقد كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية قبل أن تخضع للاحتلال البريطاني بين عامي 1918 و1948م، وأصبحت على إثر قيام دولة الكيان الصهيوني تحت الحكم المصري حتى العام 1967م عام النكبة، حيث احتل الصهاينة ما تبقى من فلسطين الضفة وقطاع غزة. وبموجب اتفاق أوسلو عام 1993م منحت إسرائيل السلطة الفلسطينية حكمًا ذاتيًّا محدودًا على الضفة الغربية والقطاع، حتى العام 2005م حيث انسحبت إسرائيل من القطاع مبقية إياه تحت الحصار الخانق حتى يومنا هذا.
القطاع والمدينة اللذان وقفا في وجه احتلالات وغزوات كثيرة صامدة شامخة، قبل أن تُسلِمَ أمرها للحكم الإسلامي في السابع الميلادي، تعرضت لكثير من التحولات، وكان أبرزها خلال القرن الماضي وما تلاه، ولأن غزة كانت تحت الحكم العربي حين احتل الصهاينة فلسطين، فإن مئات الآلاف من الفلسطينيين هُجِّروا إلى القطاع، ثم تعرضت للغزو الصهيوني في عام العدوان الثلاثي، لتنسحب منه لاحقًا فارضةً حصارها عليه، ليجيء العام 1967م بنكبته التي أدخلت غزة في احتلال الدولة الصهيونية وجعلت سكانها تحت القانون العسكري.
في العام 1987م اندلعت انتفاضة الحجارة وكنت شرارتها من جباليا في الحادثة الشهيرة عقب استشهاد أربعة عمال على حاجز بين حانون (إيريز)، حين أقدم مستوطن على دهسهم بشاحنته
في العام 1987م اندلعت انتفاضة الحجارة وكنت شرارتها من جباليا في الحادثة الشهيرة عقب استشهاد أربعة عمال على حاجز بين حانون (إيريز)، حين أقدم مستوطن على دهسهم بشاحنته، ليعم الغضب مخيم جباليا، وتخرج المظاهرات الغاضبة العفوية، التي تحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، لم يكن سلاح أهل جباليا ومن تلاهم بعد ذلك إلا الحجارة، حيث تدحرجت المواجهات من مخيم جباليا إلى مخيم بلاطة ونابلس، لتقوم الانتفاضة مخلفة مئات الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى.
استمرت الانتفاضة، لتجعل الكيان المحتل ومن وراءه عن سلام وهمي تكتيكي مؤقت بالنسبة لهم من خلال اتفاقية أوسلو، وقامت بموجبه سلطة فلسطينية انتقالية بحكم ذاتي في غزة والضفة الغربية، وفي العام 2005م انسحبت إسرائيل من غزة من جانب واحد، وأخلت مستوطناتها وجنودها، لكنها استمرت في التحكم بحدود غزة وأجوائها ومياهها وشددت حصارها على قطاع غزة التي يقطنها ما يزيد عن مليوني نسمة في مساحة لا تزيد عن 365 كيلومترًا مربعًا وفي مخيمات شديدة الاكتظاظ للاجئين من خارج القطاع ومدنٍ هي الأكثر كثافة سكانية في العالم.
لم تكتفِ دولة الكيان المحتل بحصارها الجائر المرهق لقطاع غزة بل شنت مجموعة من الحروب عليه، فهي قد أعلنت العام 2007م بأن غزة (كيان معادٍ)، وفيما يلي أبرز هذه الحروب:
- الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان 2008-2009: سمتها إسرائيل (عملية الرصاص المصبوب)، وردت عليها المقاومة الفلسطينية بعملية أسمتها (معركة الفرقان)، وكان هدف قيادة الاحتلال هو “إنهاء حكم حماس على القطاع، والقضاء على المقاومة الفلسطينية ومنعها من قصف إسرائيل بالصواريخ، وأيضا كان لها هدف الوصول إلى الأسير جلعاد شاليط وتحريره، واستمر العدوان الإسرائيلي 23 يومًا، ولم تنجح دولة الكيان الصهيوني من تحقيق أيٍّ من أهدافها.
- عمود السحاب/ حجارة السجيل 2012: أسمتها إسرائيل عملية (عمود السحاب)، وجاء رد المقاومة تحت اسم (معركة حجارة السجيل)، واستمرت ثمانية أيام أطلقت فيها المقاومة ما يزيد عن 1500 صاروخ تجاوز مداها 80 كيلومترًا، ووصل بعضها لأول مرة إلى تل أبيب والقدس المحتلة، واستهدفت بعضها طائرات وبوارج حربية إسرائيلية.
- الجرف الصامد/ العصف المأكول 2014: أطلقت إسرائيل عملية أسمتها (الجرف الصامد)، وكان الرد المقاوم بـ(العصف المأكول)، استمرت فيها المواجهات 51 يومًا، شن جيش الاحتلال خلالها أكثر من 60 ألف غارة، وكان هدف العملية الصهيونية المعلن هو تدمير شبكة أنفاق المقاومة التي امتد بعضها تحت غلاف غزة الحدودي. أطلقت المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة أكثر من 8 آلاف صاروخ، وتسببت في إيقاف الرحلات من مطار تل أبيب، كما أطلقت طائرات مسيرة في المجال الجوي الإسرائيلي، لم تًكتَشفْ إلا بعد اختراقها العمق الإسرائيلي أكثر من 30 كيلومترًا، كما أسرت المقاومة جنديًّا صهيونيًّا (شاؤول آرون) خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية.
- معركة صيحة الفجر 2019: على إثر عملية اغتيال بطائرة مسيرة لقائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بغزة بهاء أو العطا هو وزوجته، ردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية استمرت بضعة أيام أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات من الأراضي المحتلة.
- حارس الأسوار/ سيف القدس 2021: استولى مستوطنون على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح واقتحمت القوات الصهيونية المسجد الأقصى، لتندلع معركة (سيف القدس) التي أسمتها إسرائيل (حارس الأسوار)، أطلقت فيها المقاومة أكثر من 4 آلاف صاروخ تجاوز مدى بعضها 250 كيلومترًا، واستهدف بعضها الآخر مطار رامون، لتقف هذه الحرب لاحقًا بضغوطات وتحركات دولية.
- الفجر الصادق/ وحدة الساحات 2022: اغتال الكيان المحتل قائد المنطقة الشمالية في غزة في الخامس من أغسطس 2022 بطائرة مسيرة، وأطلقت إسرائيل على هذه العملية (الفجر الصادق)، لترد حركة الجهاد الإسلامي بعملية (وحدة الساحات)، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على بلدات ومدن محتلة.
- طوفان الأقصى/ السيوف الحديدية 2023: شهد فجر يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 انطلاقة (طوفان الأقصى) العملية الأوسع والأهم للمقاومة الفلسطينية على مدار تاريخها النضالي، بل عُدَّ أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود، وشملت هجومًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا وتسللًا للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، إضافة إلى مقر فرقة غزة المقر العسكري الأهم للكيان الصهيوني في محيط القطاع، وتجاوز عدد قتلى إسرائيل 1200 خلال خمسة أيام فقط، وأصيب أكثر من 3 آلاف، وجاء الرد الصهيوني بإعلان “حالة الحرب”، مطلقة على عمليتها العسكرية اسم (السيوف الحديدية)، مكثفة قصفها الجوي والبحري على قطاع غزة، إلا أن رد المقاومة جعل دولة الكيان الصهيوني تجلي سكان مستوطنات الغلاف إجلاء كاملًا، وما زلنا نعيش أيامًا عصيبة من الهجوم البربري الغاصب على قطاع غزة ارتقى فيه آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، ومنع فيها الاحتلال دخول أي شاحنات للإغاثة أو غيرها، إلا أن المقاومة كبدت العدو الصهيوني خسائر فادحة في المعدات والآليات والأرواح.