غزة على مفترق الحسم الأميركي–الإسرائيلي.. مبادرات ترامب بين اشتراطات نتنياهو وخيار العودة للحرب

غزة – متابعة الوعل اليمني
تتجه الأنظار الفلسطينية والإقليمية والدولية، مطلع الأسبوع الحالي، إلى اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في ولاية فلوريدا، في اجتماع تصفه مصادر أميركية وإسرائيلية بـ”الحاسم”، نظراً لارتباطه المباشر بمصير اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإمكانية الانتقال إلى مرحلته الثانية، أو الانزلاق مجدداً نحو استئناف العمليات العسكرية.
وكشف موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي، الجمعة، نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض، أن الرئيس ترامب يعتزم الإعلان عن “عدة مبادرات كبيرة” تتعلق بقطاع غزة خلال مطلع يناير/كانون الثاني المقبل، غير أن توقيت الإعلان ومضمونه يعتمدان إلى حد كبير على نتائج لقائه مع نتنياهو، وسط مخاوف أميركية من أن يعمد الأخير إلى عرقلة مسار التهدئة واستئناف الحرب.
انقسام داخل الإدارة الأميركية
وبحسب “أكسيوس”، يرى مسؤولون في البيت الأبيض أن نتنياهو بات يمثل عقبة أمام تقدم عملية السلام، في وقت تسعى فيه إدارة ترامب إلى تسريع الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل، يحاول نتنياهو، رغم الخلافات الواضحة مع فريق ترامب، إقناع الرئيس الأميركي بتبني موقفه “الأكثر تشدداً” تجاه غزة وحركة حماس، وفق ما نقله الموقع عن مسؤول إسرائيلي رفيع.
وأشار التقرير إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على حزمة ترتيبات تشمل الإعلان عن حكومة فلسطينية ديمقراطية أو تكنوقراط لإدارة قطاع غزة، إلى جانب تشكيل قوة استقرار دولية، مع احتمال عقد اجتماع لـ”مجلس السلام” الذي يترأسه ترامب، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أواخر يناير المقبل.
خطة المرحلة الثانية
في السياق ذاته، يعمل مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف، وصهره جاريد كوشنر، بالتنسيق مع الوسطاء الإقليميين، مصر وقطر وتركيا، على وضع اللمسات الأخيرة للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام، التي تتضمن، وفق المصادر الأميركية، تسليم الأسلحة الثقيلة لدى حركة حماس، وانسحاباً إضافياً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
غير أن مصدرًا مطلعًا نقل لـ”أكسيوس” أن نتنياهو أبدى خلال لقاء جمعه مع السيناتور الأميركي ليندسي غراهام توجساً واضحاً من أفكار ويتكوف وكوشنر، لا سيما ما يتعلق بملف نزع سلاح حماس، مؤكداً أن أي تقدم في مسار السلام سيبقى معطلاً من دون موافقته الشخصية.
اجتماع حاسم
ووصف مسؤول إسرائيلي رفيع اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو بأنه “اجتماع حاسم”، قائلاً إنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيتبنى مواقف ويتكوف وكوشنر، أم سينحاز لرؤية نتنياهو. وأضاف: “نتنياهو يحاول إقناع جمهور من شخص واحد، والسؤال هو: هل سينحاز ترامب إليه أم إلى مستشاريه الكبار؟”.
في المقابل، لم تُخفِ الدائرة القريبة من ترامب إحباطها من خطوات نتنياهو، واعتبرتها “تقويضاً للهدنة” و”عرقلة مباشرة لعملية السلام”. ونقل الموقع عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وويتكوف، وكوشنر “فقدوا الثقة في نتنياهو”، ولم يتبقَ له سوى دعم ترامب شخصياً، رغم رغبة الأخير في رؤية تقدم أسرع في ملف غزة.
كواليس التحضير
وبحسب مسؤولين في البيت الأبيض، فإن نتنياهو هو من بادر بطرح فكرة عقد اللقاء خلال فترة العطلة، في مكالمة هاتفية مع ترامب مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري. ورغم تردد ترامب في البداية، باعتبار أن هذا سيكون اللقاء الخامس بينهما منذ عودته إلى البيت الأبيض، إلا أن توقيت الاجتماع بات يخدم خطط الإدارة الأميركية، خاصة قبيل إطلاق مجلس السلام.
ونقل “أكسيوس” عن مصادر مطلعة أن ويتكوف وكوشنر عقدا، الأسبوع الماضي، اجتماعاً مع مسؤولين من قطر وتركيا ومصر، جرى خلاله الاتفاق على وضع مطالب محددة لنتنياهو قبل لقائه مع ترامب، أبرزها الالتزام الصارم بوقف إطلاق النار، وتجنب استهداف المدنيين، والمضي قدماً في تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية لتولي إدارة القطاع بدلاً من حركة حماس.
وتقوم الخطة الأميركية، وفق المصادر ذاتها، على إقناع الفصائل الفلسطينية بأن الحكومة الفلسطينية الجديدة ستكون الجهة الوحيدة المخولة بفرض القانون والنظام، واستخدام السلاح، على أن يتم نزع السلاح تدريجياً، بدءاً من الأسلحة الثقيلة كالصواريخ، ثم الانتقال لاحقاً إلى الأسلحة الخفيفة.
شكوك إسرائيلية
في المقابل، أبدى نتنياهو ودائرته الأمنية شكوكاً واسعة إزاء خطة نزع السلاح، وتشكيل حكومة التكنوقراط، وإنشاء قوة الاستقرار الدولية، إضافة إلى الاعتراض الشديد على أي دور عسكري محتمل لتركيا في قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما أثار مخاوف إسرائيلية نقلتها صحيفتا “يديعوت أحرونوت” والقناة 12 العبرية.
الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية
وبحسب مسؤولين أميركيين، سيطرح ترامب خلال اللقاء ملف الضفة الغربية ومخاوف انهيار السلطة الفلسطينية، حيث تسعى الإدارة الأميركية إلى تنفيذ خطة لإصلاح السلطة، لكنها تشترط وقف الإجراءات الإسرائيلية التي “تقوضها”، بما في ذلك عنف المستوطنين، واحتجاز أموال المقاصة الفلسطينية، والتوسع الاستيطاني.
وأكد مسؤول في البيت الأبيض أن نجاح أي إصلاحات في السلطة الفلسطينية مرهون بتغيير السلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية، واتخاذ خطوات ملموسة لدعم الاستقرار الاقتصادي والأمني.
شرط نتنياهو للمرحلة الثانية
في موازاة ذلك، كشفت القناة 13 الإسرائيلية، الخميس، أن نتنياهو اشترط استعادة جثة آخر محتجز إسرائيلي في غزة، ران غوئيلي، للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق إنهاء الحرب. وأشارت القناة إلى انعقاد مجلس وزاري مصغر (الكابينت) للتحضير للقاء ترامب، في وقت أفادت فيه وسائل إعلام إسرائيلية بأن زيارة نتنياهو للولايات المتحدة ستمتد بين 28 ديسمبر الجاري و4 يناير المقبل.
وبحسب القناة 15 الإسرائيلية، سيبحث نتنياهو مع ترامب أربعة ملفات رئيسية هي: غزة، وسوريا، ولبنان، وإيران. كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر مطلعة أن ويتكوف أبلغ مسؤولين إسرائيليين بضرورة بدء المرحلة الثانية مطلع الشهر المقبل، في حين تؤكد حماس أن استخراج الجثة قد يستغرق وقتاً بسبب الدمار الواسع في القطاع.
اتفاق من مرحلتين
وكانت إسرائيل وحركة حماس قد توصلتا، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى اتفاق من مرحلتين لوقف إطلاق النار، بوساطة مصر وقطر وتركيا، وبرعاية أميركية، استناداً إلى خطة من 20 بنداً قدمها ترامب. ودخلت المرحلة الأولى حيز التنفيذ في العاشر من الشهر ذاته، إلا أن وزارة الصحة في غزة أفادت باستشهاد أكثر من 400 فلسطيني نتيجة خروقات إسرائيلية متكررة، وعدم الالتزام الكامل بالشق الإنساني من الاتفاق.
وتشمل المرحلة الثانية، وفق الخطة الأميركية، تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة القطاع، وبدء عملية إعادة الإعمار، وإنشاء مجلس السلام، ونشر قوة دولية، وانسحاب إضافي للجيش الإسرائيلي، إلى جانب ملف نزع سلاح حماس.
إيران على طاولة اللقاء
ومن منظور إسرائيلي، ستتصدر إيران جدول أعمال قمة فلوريدا، إذ من المتوقع أن يقدم نتنياهو لترامب معلومات استخباراتية حول تقدم البرنامج الصاروخي الإيراني، ودعم طهران لحلفائها في المنطقة. ونقلت “يديعوت أحرونوت” عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الخيارات المطروحة تشمل اتفاقاً أميركياً-إيرانياً شاملاً، أو ضربة إسرائيلية منفردة، أو هجوماً مشتركاً مع الولايات المتحدة، رغم إدراك تل أبيب لتردد واشنطن في فتح جبهة جديدة.
غزة بين التسوية والتصعيد
في المحصلة، تقف غزة اليوم على مفترق طرق حساس، حيث قد يحدد لقاء ترامب ونتنياهو مسار المرحلة المقبلة، إما بالانتقال إلى تسوية سياسية شاملة تتضمن إعادة الإعمار وترتيبات الحكم، أو بعودة شبح الحرب في ظل استمرار الخلافات العميقة بين واشنطن وتل أبيب حول شروط السلام ومستقبل القطاع.






