تكنولوجيامقالات
أخر الأخبار

فقاعة الذكاء الصناعي: هل يعيش العالم وهماً رقمياً جديداً؟

عبدالله الصاوي

 فقاعة الذكاء الاصطناعي هو مصطلح اقتصادي يُستخدم لوصف وضع سوقي يتم فيه تضخيم قيمة الذكاء الاصطناعي واستثماراته بشكل مفرط، بعيدًا عن قيمتها الحقيقية أو قدرتها على تحقيق أرباح أو نجاحات مستدامة في المدى القريب.

في العقد الأخير، تحوّل الذكاء الصناعي من مفهوم أكاديمي وتقني إلى شعار عالمي يتصدر كل مؤتمر اقتصادي أو تقني. أصبح “الذكاء الاصطناعي” كلمة السر في التمويل، التوظيف، واستراتيجيات الشركات الكبرى، حتى غدا معيارًا للحكم على مستقبل الاقتصادات الوطنية. لكن وراء هذا الحماس هناك سؤال حاسم: هل نحن أمام ثورة تكنولوجية حقيقية، أم أمام فقاعة مالية ومعرفية ضخمة، تشبه فقاعة الإنترنت في نهاية التسعينات؟

أولاً: صخب بلا أرباح

تتنافس الشركات الكبرى — من مايكروسوفت وغوغل إلى أمازون وميتا — في ضخ المليارات في مشاريع الذكاء الصناعي. ورغم الإعلانات الضخمة عن روبوتات توليدية ومساعدات ذكية، تشير التقارير المالية إلى أن هذه الاستثمارات لم تحقق أرباحًا ملموسة بعد.

تكاليف تشغيل النماذج العملاقة مثل GPT وGemini وClaude تتجاوز أي عائد مباشر، ما يجعل المشهد أشبه بـ”سباق تسلّح تقني”، ليس من أجل الربح الفعلي، بل من أجل عدم التخلف عن قطار الثورة القادمة. شركات تخشى أن يتركها المستثمرون خلف الركب، حتى لو لم يكن واضحًا إلى أين تتجه هذه الثورة.

يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل لكل شيء: الطب، التعليم، السيارات الذاتية القيادة، الإنتاجية… إلخ. لكن معظم التطبيقات لا تزال في مراحل التجربة، ولا تحقق أرباحًا كبيرة بعد.

ثانياً: اقتصاد الوهم الرقمي

تمامًا كما حدث في فقاعة الإنترنت (2000) و”فقاعة الكريبتو” (2021)، يشهد السوق اليوم ما يسميه المحللون “تضخمًا سرديًا”: القصة الإعلامية حول الذكاء الصناعي أصبحت أهم من الواقع الاقتصادي.

على سبيل المثال، ارتفعت أسهم شركات بمجرد الإعلان عن “استراتيجية ذكاء صناعي” دون وجود منتج فعلي. وشركات ناشئة جمعت مئات الملايين لمجرد ذكر أنها “تعمل على نموذج لغوي”، دون أي نموذج واقعي. الفقاعة إذن ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في التصور الجماعي لقيمتها المستقبلية.

الاعتماد المفرط على أدوات توليد النصوص والصور يفرغ العملية الإبداعية من جوهرها البشري. يتحول الإنسان من “منتج للفكر” إلى “مستهلك للذكاء الآلي”، بينما تظهر طبقة جديدة من “كهنة الخوارزميات” يسيطرون على أدوات المعرفة والابتكار.

على سبيل المثال سهم نفيديا ارتفع بنسبة أكثر من 800% في عامين فقط.

شركات مثل Super Micro Computer وPalantir شهدت قفزات هائلة بسبب كلمة “AI”

ثالثاً: التسريحات مقابل الإنفاق

في عام 2025، أعلنت شركات التقنية الكبرى تسريح أكثر من 180 ألف موظف: أمازون (30 ألفًا)، مايكروسوفت (15 ألفًا)، ميتا (3600)، وإنتل (22 ألفًا). وبرغم ذلك، ينفق القطاع نفسه أكثر من 300 مليار دولار على الذكاء الصناعي، أي أكثر بكثير من المبالغ التي وفرتها هذه التسريحات.

المال لا يُستثمر في تحسين الإنتاجية البشرية، بل في حلقة مغلقة:

مايكروسوفت تشتري شرائح إنفيديا وتستأجر سعة تخزين من أمازون AWS.

أمازون تستخدم برمجيات مايكروسوفت وتشتري شرائح إنفيديا.

ميتا تعتمد على شرائح إنفيديا وتستأجر البنية التحتية من غوغل وAWS.

آبل تعتمد على بنية تحتية سحابية لشركات أخرى بدلًا من بناء بنيتها الخاصة.

النتيجة: إنفاق هائل لا يولد أرباحًا مباشرة، لكنه يحافظ على أسهم الشركات ويخلق وهم نمو اقتصادي.

رابعاً: خطر معرفي وإبداعي

هذه الفقاعة ليست مالية فحسب، بل معرفية أيضًا. الاعتماد المفرط على أدوات توليد النصوص والصور يفرغ العملية الإبداعية من جوهرها البشري. يتحول الإنسان من “منتج للفكر” إلى “مستهلك للذكاء الآلي”، بينما تظهر طبقة جديدة من “كهنة الخوارزميات” يسيطرون على أدوات المعرفة والابتكار. هنا، قد تكون الفقاعة الأخطر هي فقاعة الثقة العمياء في الذكاء الاصطناعي.

خامساً: مقارنة مع فقاعة الإنترنت

عندما انفجرت فقاعة الإنترنت في 2000، كانت الشركات التقنية الصغيرة تُقدّر بمليارات الدولارات رغم عدم وجود أرباح حقيقية، على أساس مجرد فكرة أو شعار جذاب. اليوم، الشركات الكبرى تعمل بنفس المنطق: الإنفاق الضخم على الذكاء الصناعي يحافظ على قيمة أسهمها، حتى لو لم يترجم هذا الإنفاق إلى منتجات مربحة.

في 2000، انهيار الأسهم أزال الشركات الوهمية. في 2025، الفقاعة أعقد: الشركات الكبرى لا يمكنها التوقف عن الإنفاق، لأن أي تراجع سيؤدي إلى انهيار سوق الأسهم، ومليارات الدولارات من مدخرات التقاعد تعتمد على استمرار وهم النمو.

سابعاً: السيناريوهات المحتملة

الفواقع التاريخية تتغذى على المبالغة ثم تنفجر عندما يُدرك المستثمرون أن القيمة السوقية كانت وهمًا. قد يحدث هذا في الذكاء الصناعي:

توقف التمويل أو تضييق القوانين البيئية أو الأخلاقية قد يقلل من ربحية المشاريع.

التصحيح الاقتصادي المحتمل سيميز بين الذكاء الصناعي الحقيقي والذكاء الصناعي الدعائي.

حتى الآن، الشركات الكبرى في سباق مستمر: تسريحات موظفين ضخمة، وإنفاق هائل على بنية تحتية ومنتجات بعضهم البعض، مع وعود بعوائد مستقبلية لم تثبت بعد.

خاتمة: الذكاء كسلعة وهمية

لقد صار الذكاء الصناعي “ذهب القرن الحادي والعشرين”، لكن دون منجم حقيقي. ما لم يتحول الحماس التقني إلى نتائج اقتصادية ملموسة وإبداع إنساني حقيقي، فإن العالم قد يواجه قريبًا واحدة من أكبر فقاعات التاريخ الرقمي: فقاعة الذكاء الصناعي، التي قد تكلف الاقتصاد العالمي ووظائف ملايين البشر غاليًا قبل أن يتضح إن كان هناك ربح حقيقي خلف الصخب.

زر الذهاب إلى الأعلى