
في ريف منطقة “مقبنة” بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، بزغ حلم شاب عشريني يدعى محمد الكدهي، حين قرر تحويل التحديات المعيشية في قريته إلى فرصة.
ووسط بيئة يطغى عليها الطابع البدوي، أطلق محمد مشروعًا غير مألوف في الأرياف: خدمة توصيل تحت اسم “فيسع”، لتكون الأولى من نوعها في مناطق الريف اليمني.
– فكرة من رحم المعاناة
جاءت فكرة المشروع بعد أن لمس محمد، برفقة شقيقه، حاجة مجتمعه المحلي إلى خدمات أساسية كالتوصيل والنقل، وهي خدمات شائعة في المدن، لكنها نادرة في الأرياف.
أُطلق المشروع بداية العام الجاري، مستعينًا بخمس دراجات نارية، وزي رسمي، وشعار موحد للعاملين، مما أضفى على المشروع طابعًا احترافيًا وثقة مجتمعية.
يقول محمد الكدهي لبلقيس نت: “حرصت على دراسة احتياجات الجمهور، ووجدت أن منطقتنا تفتقر إلى خدمات التوصيل، برغم توسعها وكثافتها السكنية المتزايدة”، لافتًا إلى أن اختياره للاسم كونه مصطلحًا عاميًا مألوفًا لدى الكثيرين، ويعكس سرعة التنفيذ وجودة الخدمة.
برغم أن المشروع ما يزال ناشئًا، حيث بدأ نشاطه مطلع العام الجاري، إلا أنه بدأ في التوسع ليشمل مناطق وعزلًا أخرى، ولأن الكثير من سكان الأرياف لا يستخدمون التطبيقات الحديثة، خصص الفريق رقم هاتف مباشر لتلقي الطلبات، إلى جانب صفحة على فيسبوك وحساب على تطبيق واتساب.
ويقول صاحب المشروع إن انطلاقة المشروع بدأت بالتعاقد مع مالكي خمس دراجات نارية لتوصيل الطلبات ضمن خمس عزل في مديرية مقبنة، لكنه اليوم يمتلك نحو 15 دراجة نارية ويغطي مناطق أخرى مثل مدينة تعز، جبل حبشي، والبيرين.
مؤكدًا لبلقيس نت: “برغم أن الفكرة بدت غير مألوفة في البداية لدى السكان، إلا أنها لاقت ترحيبًا واسعًا بعد التجربة، حيث أدرك الناس أهميتها وفعاليتها”.
يُقدم مشروع “فيسع” عدة خدمات للجمهور، منها: توصيل الطلبات الخفيفة، إيصال الأغراض الشهرية للمنازل، توصيل الأفراد، نقل مواد البناء والإعمار (بما في ذلك البُلك، الحجر، الإسمنت، الكري، والحديد)، توصيل الأطباء إلى المنازل، نقل الحرفيين وأصحاب المهن إلى أماكن عملهم، توفير وشراء الاحتياجات المطلوبة من قبل العملاء.
– صعوبات
ترافق تنفيذ مشروع “فيسع” عدد من الصعوبات، منها تباعد القرى وتناثرها عن السوق، وعورة الطريق، ارتفاع أسعار الوقود، وقلة الإمكانيات المادية لدى الفريق، مؤكدًا محاولته برفقة فريقه مواجهة الصعوبات وتجاوزها بقدر الإمكان.
يضيف: “نواجه صعوبة في جذب سائقي الدراجات النارية كونها خاصة بهم، وهذا ما يجعل السائق غير منضبط في دوامه، مما يُشكل أحيانًا نقصًا في سائقي التوصيل ويسبب عجزًا أثناء تلقي طلبات بكثرة”.
يطمح الكدهي إلى الحصول على طيران “درون” كبير لتوصيل الطلبات بين القرى، بيد أن الميزانية لا تكفي لذلك، ويتابع: “ثقة السكان بالمشروع وتقبلهم واعتمادهم عليه يتسع مداه يومًا بعد يوم، وهو ما يجعلني أطمح إلى ما هو أعلى من حيث توفير الإمكانيات”.
وفر المشروع بشكل كبير – كما يقول – فرص عمل لبعض سائقي الدراجات النارية، ومن جانب آخر سهّل رفاهية المجتمع الريفي.
– قصص من الواقع
بسرور كبير، تؤكد الخمسينية أم مصطفى، التي تقطن عزلة الفكيكة في مديرية مقبنة، أنها باتت تعتمد على مشروع “فيسع” في الحصول على أي احتياجات منزلية منذ بدء نشاطه في يناير الماضي.
وتقول لبلقيس نت: “أنا امرأة وحدي، لدي أبناء صغار، وكنت أجد صعوبة في توصيل احتياجات البيت، خصوصًا أنبوبة الغاز واحتياجات المطبخ. المشروع سهّل لنا الكثير، اتصال واحد وكل ما نحتاجه يصلنا بسرعة”.
وتضيف أم مصطفى: “في يوم من الأيام مرض أحد أحفادي، وبحكم عدم وجود والدهم، لم يكن هناك من يذهب ليجلب لنا الدواء من الصيدلية. اتصلت بمحمد، وكان الدواء بين أيدينا. مشروع يستحق الشكر”.
– أثر اقتصادي واجتماعي
لا يقتصر دور المشروع على تقديم الخدمة فقط، بل يسهم في دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة للشباب العاطلين عن العمل، يقول الصحفي الاقتصادي وفيق صالح.
ويضيف لبلقيس نت: “يساهم المشروع في تحفيز الاقتصاد الريفي عبر تمكين الشباب والنساء من دخول سوق العمل، وتقليص الفجوة بين الريف والحضر، كما يعد نموذجًا واعدًا للابتكار المحلي باستخدام حلول خفيفة ومناسبة للبيئة”.
يرى محمد أن مشروع “فيسع” يمكن أن يتحول إلى نموذج يُحتذى به في مناطق ريفية أخرى، إذا توفرت له الإمكانيات، ويؤكد أن أبناء الريف أكثر حاجة إلى هذه الخدمات، خاصة في ظل غياب الرجال للعمل خارج القرى، وهو ما يزيد من أهمية تسهيل الحياة اليومية للأسر.