إياد القطراوي
لقد أحدثت خطة الرئيس الأمريكي جو بايدن حالة من الإرباك في المشهد السياسي والحزبي داخل دولة الكيان الصهيوني، في الوقت الذي تشير فيه كافة التحليلات إلى وصول رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى طريق مسدود فيما يتعلق بآليات سير الحرب وأهدافها
بعد ثمانية شهور متواصلة من القصف والقتل والتدمير. جاءت الخطة الأمريكية على لسان بايدن بكل تفاصيلها، موجهة بشكل مباشرة لكل الأحزاب السياسية داخل الكيان الصهيوني، لتضعها أمام سؤال مهم لليوم التالي لانتهاء الحرب، بيد أن أكثر المعنيين بها هو نتنياهو الذي سيكون عليه الاختيار بين مواصلة الحرب والتخبط، دون أهداف واضحة والقتال العشوائي والسير على خطى أحزاب اليمين والصهيونية الدينية والرهان على ائتلافه الحكومي المهدد بالانقسام والتفكك، والنجاة بنفسه والحفاظ على مستقبله السياسي، أو القبول بالصفقة التي ستمكنه وستمكن دولته أن تكون ضمن حلف إقليمي لتحصينها ضد أي تهديد وجودي مستقبلا، وهي معادلة تعتبر الأصعب في مسيرته السياسية لا تقبل المراوغة والمماطلة أو التردد أمام حليفته في المنطقة، خاصة وأن صاحب الخطاب هو رئيسها وأن الخطة هي خطة صهيونية بصياغتها ومراحلها.
إن توقيت الخطاب للكشف عن تفاصيل الخطة، والدعوة لوقف الحرب والقتال لم يكن صدفة، وإنما تم اختياره بدقة متناهية حيث الخلافات الصهيونية المحتدمة داخل معسكرات الأحزاب السياسية، واليمين والمعارضة، والتهديدات الأخيرة لأعضاء المعسكر الوطني ومجلس الحرب بيني غانتس وغادي ايزنكوت بالانسحاب من حكومة الطوارئ، والتهديدات الأخرى لكل من الوزير، إيتمار بن غفير رئيس حزب عظمة يهودية والوزير، بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية الانسحاب من الحكومة في حال تمت الصفقة، والضغط المتواصل من قبل المعارضة وزعيمها، يائير لابيد لإتمام الصفقة، وإنهاء الحرب العبثية على حد تعبيره، وهو ما مفاده بأن الخطاب وتوقيته قد تمت بالتنسيق المباشر بين بايدن ونتنياهو لرفع الحرج عنه أمام خصومه، وتشكيل طوق نجاه له من الخارج ليبرهن لخصومه أن الأمر خارج عن إرادته، وأن أمريكا هي التي تريد ذلك ولا يمكن معارضتها لأنها حليفتنا الأقوى في المنطقة.
يرغب بايدن من خلال الكشف عن خطة وقف القتال وإنهاء الحرب إلى توجيه العديد من الرسائل للحكومة الصهيونية، والأحزاب السياسية والمؤسسة العسكرية مفادها:
- تبني واشنطن للمقترح الصهيوني ينقل الأزمة من مرحلة التفكير في تحقيق أهداف الحرب وإنهائها، إلى مرحلة القرار بإنهاء الحرب فورًا دون تفاصيل ودون تأخير.
- تشكيل ضغط على الداخل الصهيوني وعلى المجتمع بكل مكوناته، لإظهار قدرة واشنطن وجديتها أمام شركائها العرب وأمام الرأي العام الدولي.
- خفض سقف الشروط الصهيونية المتمثلة في القضاء على قدرات حماس العسكرية والحكومية في غزة، إلى ردع حماس وفصائل المقاومة وعدم قدرتها على توجيه هجمات على دولة الكيان في المستقبل القريب والبعيد.
- خفض التوتر العالمي، وتجنيب دولة الكيان عزلة دولية وعالمية جراء حرب الإبادة التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء وتحديها للقانون الدولي وحقوق الانسان.
- تحسين صورته في الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة بعد استطلاعات الرأي التي تشير الى خفض شعبيته، واتهامه بالمشاركة الفعلية في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
- تسريع ملف التطبيع الصهيوني العربي قبل الانتخابات وتعزيز فرص قبوله في المنطقة العربية.
ودون الدخول في تفاصيل العرض أو الخطة التي طرحها بايدن، أو تفصيل بنودها وما يندرج في إطارها، الا أنه لا يمكن إغفال النقاط التالية:
- حرص بايدن على تقديم العرض الذي هو في الأصل خطة صهيونية على مراعاة صورة دولة الكيان، وعدم تقديم الأمر على أنه إملاء من الخارج على الحكومة الصهيونية.
- ظهور بايدن يحمل في مضمونه ضمانات أمريكية بمتابعة مراحل الصفقة مع مصر وقطر، ما يضفي على المقترح صفة الجدّية والمصداقية التي تسمح لحركة حماس بالتعامل معها، وتوفير ببيئة دولية حاضنة وقبول ودعم عربي.
- لم تؤكد المبادرة على آليات تلزم دولة الكيان بها، وعدم تنصّلها من أي بند أو تمييعها، كما لم تكشف عن وسائل الضغط التي ستمارسها واشنطن عليها.
- تأكيد بايدن أن المقترح صهيونيي، لتوجيه تحذير لحركة حماس مفاده إما القبول بـالعرض الصهيوني أو استمرار الحرب.
- سعي بايدن لإرضاء حليفته، وإرضاء الكتلة الناخبة في الولايات المتحدة المناصرة لدولة الكيان.
- تسويق جهوده لوقف الحرب في غزّة كرافعة تحسّن أداءه الانتخابي، لا سيما في الولايات المتأرجحة، والتجاوب مع الحراك المدني الذي تُوّج بالتحرّك اللافت داخل الجامعات الأميركية.
- خروجه شخصيًا يمثل قرارا أمريكيا لإنهاء الحرب في غزّة، ليس فقط لأسباب انتخابية، بل لأسباب استراتيجية تتعلق بأولويات الولايات المتحدة في إدارة صراعاتها في العالم.
- بايدن، وبالإنابة عن دولة الكيان، اعتبر أنه آن الأوان لإنهاء الحربْ، ضمن قرار أمريكي – دولي على أن تبدأ دولة الكيان بالتموضع وفق هذا القرار.
- استنتاجه أن نتنياهو بات جهة غير موثوقة ليس من قبل حماس فقط، بل من قبل الأطراف الراعية للتفاوض، وأن الخروج من مأزق المفاوضات يتطلّب تحرّكا أمريكيا لافتا لإنهاء الحرب، والترويج بأن الحرب حققت أهدافها.
ختامًا فإن حالة الارباك السياسي التي قد تحدثها الخطة لنتنياهو ومجلس حربه تتمثل في الانزلاق نحو أمرين أحلاهما مر، إما رفض الصفقة التي أشرف على صياغتها وتجاهل بايدن، أو القبول بها ووقف الحرب والتخلي عن أهدافها.
.
المصدر : مجلة البيان