ثقافة وفكر
أخر الأخبار

قراءة في كتاب “فقه التوحش المسكوت عنه”

بقلم: خليفة آل محمود

بعد أحداث سبتمبر، وُجّهت أصابع الاتهام إلى الدين الإسلامي، ونُسب إلى الإسلام ما ليس فيه للتشويه، وتكالبت الأمم لتغيير المناهج الدراسية وبث روح مشوّهة في دين الإسلام، في محاولة مستميتة لتنشئة جيل جديد بعيد عن قيمه الدينية، ولكن ماذا عن الأديان الأخرى؟

وقع في يدي كتاب مهم، صغير في عدد صفحاته ولكنه مليء بالمعلومات المهمة، يتحدث عن الدين اليهودي ونظرته للآخر، المعلومات جاءت من واقع اجتهادات رجال الدين، ومصدر المؤلف هو كتبهم الدينية وتصريحات كبار رجال الدين، فذكر الحقيقة كما هي من خلال السطور المكتوبة الواضحة، لم ينشغل بالتحليل بل ترك الأمر للقارئ.

الكتاب يحمل اسم “فقه التوحش المسكوت عنه”، وقد سلّط الضوء على تأثير الدين والفتوى على التوجهات السياسية في إسرائيل، في مجتمع يظن أفراده أنهم العرق المميز والمفضل عند الله، إحساس جعلهم يشعرون أنهم يعلون على الأعراق والأمم.

في بداية الصفحات، وضع المؤلف بذكاء رأيا لرئيس المحكمة الإسرائيلية العليا.. شخص في منصبه يُفترض أن يتميز بالسمت القانوني والحياد مع مجتمع يتكون من اليهود والمسلمين والمسيحيين وغيرهم، إلا أنه لم يكن على مسافة واحدة من الجميع، بل قال في تصريح له: “إن إسرائيل دولة يجب أن تُنمي الثقافة والتربية اليهودية وحب الشعب اليهودي”.

وذهب المؤلف إلى آراء العلمانيين الإسرائيليين واختار منهم أشهر اثنين في إسرائيل، وهما شاؤول روزنفيلد وموشيه بن عطار، وهما من أشهر العلمانيين في المجتمع، اتفقا على أن العلمانية هي مشروع فاشل في إسرائيل لأنه لا يمكن فصل الدين عن الدولة، وذكرا من ضمن آرائهم أن العلمانية ماهي إلا شعار أجوف وغير واقعي، ويتعارض مع الدولة اليهودية. وعموماً، كل آراء الحركة العلمانية هناك تنصب بشكل عام على أنه لا يوجد فصل بين الدين والدولة، لأن ذلك يضمن الوحدة والخصوصية والاستمرارية.. هذا في حين أن العلمانيين العرب لم يفهموا من العلمانية إلا محاربة الدين الإسلامي والاستهزاء بالثقافة الدينية والتعاون مع كل حامل معول لهدم جزء من الدين.

تلك الآراء الدينية المتطرفة أخذت تظهر بشكل واضح بعد صعود اليمين الديني المتطرف بدءا من عام ١٩٧٧، ودخولهم أعضاء في حقائب وزارية بالغة الأهمية في الحكومة، ليظهر تأثير مؤسسة الحاخامية على السلطة. وهنا يجب أن نتوقف ونتحدث عن “مؤسسة الحاخامية”، وهي مؤسسة كبيرة جدا، يترأسها حاخامان اثنان؛ أحدهما شرقي، وهو المسؤول عن اليهود الذين هاجروا من العالمين الإسلامي والعربي، وآخر غربي مسؤول عن اليهود الذين هاجروا من الدول الغربية وأمريكا الجنوبية وروسيا.. وللعلم، فإن بينهما خلافات كثيرة ولكنما يتفقان في مسألة واحدة، هي التشدد مع الفلسطينيين خاصة والمسلمين عامة.

الحاخامية تتصدر المشهد في تقديم الفتوى الدينية، وتسمو حتى على القانون! مثلاً، القانون الإسرائيلي يجرّم التحريض على العنصرية بالسجن خمس سنوات، ولكن ذلك لا يطبق إن كان التحريض مستمدا من الكتب الدينية، ويذكر الكتاب هنا حادثة تعود لعام ١٩٩٤، قتل فيها ٢٩ وأصيب العشرات، حين دخل متطرف المسجد أثناء صلاة الفجر وفتح النار على المصلين.. تلك الحادثة كانت نتيجة تحريض واضح، بل قام عدد من الحاخامات بالثناء على القاتل، وقد رفضت المحكمة جميع الالتماسات للمطالبة بمحاسبة الحاخامات الذين حرضوا على الجريمة.

والفتوى الدينية تحظى باحترام وتقديس في المجتمع الإسرائيلي، وذكر المؤلف مثالا على ذلك، حيث جلس أهل إحدى المدن ١١ ساعة في ظلام دامس بسبب فتوى من حاخام أمرهم بعدم إصلاح الخلل رغم سهولته، لأن ذلك العمل يتعارض مع وجود عيد ديني، الأمر الذي يذهب بنا إلى ذكر مسألة دينية سميت بـ”حكم المطاريد”، وهي فتوى تبيح قتل كل إنسان يتهاون في التنازل عن أرض يهودية، وهي نفسها التي أدّت إلى مقتل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل بعد معاهدة أوسلو.. لذا، ليس بغريب أن يصدر الحاخام الأكبر الشرقي (إسحاك يوسيف) فتوى تجيز قتل المقاومين الفلسطينيين من دون محاكمة.

الفتاوى لها دور كبير في القرارات الإدارية حتى بين اليهود أنفسهم؛ فحينما تولّى حقيبة وزارة الداخلية وزير من حزب شاس المتطرف، وهو الحاخام درعي، تحفظ في منح المواطنة لبعض اليهود لعدة أسباب، منها الولادة من أم غير يهودية، كما منع دفن يهود في المقابر المخصصة لليهود بسبب الشكوك في يهوديتهم رغم أنهم قتلوا في الحروب!. هو وزير للداخلية، لكنه يمارس عمله من خلال خلفيته الحاخامية.

الخطورة في أن كثيرين من أفراد المجتمع يرون تقديم الفتوى الدينية على كل شيء، حتى على الأوامر العسكرية، وهي معضلة كبيرة وخلل خطير ناقشته دراسة أمريكية قامت بها جهة تتبع وزارة الدفاع الأمريكية، خلصت إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية بتهور بسبب سيطرة الاتجاهات الدينية على وجدان كثيرين في المؤسسة العسكرية.

الحاخامان أليستور وشابيرا وضعا كتابا باسم “شريعة الملك”، وفي هذا الكتاب المنشور بشكل علني- وهو منهج لبعض الدور التعليمية ويمكن لأي أحد الاطلاع عليه- إباحة قتل الأطفال لمجرد الشك بعدائهم حين يكبرون، وهناك سبب آخر لقتل هؤلاء الأبرياء وهو إيذاء آبائهم الأشرار والمساس بمعنوياتهم.. لم يقف الأمر عند الأطفال، فقد أباح الحاخامان قتل الأطباء لأن عملهم يجعل العدو أكثر قوة، وحظي المصنَّف بتأييد كثيرين، ووصفه الحاخام شلومو أفنير بأنه إبداع فقهي أكاديمي، وقال عنه حاخام آخر إنه في إطار حرية التعبير التي تضمنها الديمقراطية الإسرائيلية، وذكر ذلك الكتاب العوائد الإيجابية لتدمير المساجد والكنائس، لأنهم ينظرون إلى الكنائس على أنها ضرب من ضروب الوثنية.

هناك مرجع من أهم مرجعيات التيار الديني، هو الحاخام عيدو ألبا، وضع كتابا بعنوان “فقه قتل غير اليهودي”، تضمن الشروط والظروف والحالات التي يتوجب توفرها للقتل، وطالب الجنود بعدم إبداء أي حساسية تجاه حياة مدنيي العدو.

ولقد نظمت الفتاوى طريقة تدمير ممتلكات العدو الفلسطيني.. الغريب أن فتوى الحاخام الأكبر إسحاك يوسيف لا تشترط للقتل القيام بعمل مقاوم، بل يمكن أن يكون بسبب نية القيام بالعمل، تلك الفتوى هي إباحة القتل بالإطلاق لسهولة الادعاء بتوفر النية.

هناك حادثة أثارت الرأي العام العالمي ببشاعتها، حين قام مجموعة من الشباب اليهودي بحرق عائلة دوابشة الفلسطينية، ليتصدى الحاخام غيزنبرغ ويذكر بشرعية العمل وبأنه تطبيق لتعليمات التوراة!. لم يكن التصريح سرياً أو تقية، بل جهاراً نهاراً.

ختاماً، لقد وُفّق المؤلف في العنوان، فهو يعرض التوحش المسكوت عنه، إذ انشغل الجميع بالصراع ضد الإسلام، وأن ينسبوا له ما لا ينتمي إليه. الإشكالية أن العالم المنافق وهو يغمض عينه عما يحدث في غزة- وقبلها في سوريا وكثير من المواضع-، يغض الطرف عن ذلك الإرهاب المنظم الذي يحدث على مرأى ومسمع من الجميع.

في عالم اليوم، حينما تنتمي الضحية إلى عالمنا الإسلامي نعرف معنى التجاهل أو إغلاق العين عن المشهد.. نعم، هو فقه التوحش كما وصفه، ينال ثناء وتصفيق العالم لأنه موجه ضد أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

.

المصدر: مدونة العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى