أثارت عودة السوريين والغزيين إلى مسقط رؤوسهم وما تبقى من أطلال بيوتهم، الحنين الجارف لدى غالبية اليمنيين في مخيمات النزوح ومواطن الشتات واللجوء للعودة إلى مناطقهم وقراهم ومدنهم التي غادروها قسراً بفعل الإرهاب الحوثي.
وربما لن أكون مبالغاً إذا قلتُ إن البعض منهم أصيب بحالة من “النوستالجيا” وهي: حالة شعورية ونفسية يصاحبها شيء من الألم الذي يعانيه الإنسان إثر حنينه للعودة إلى بيته وخوفه من عدم تمكنه من ذلك .
وحده المسؤول اليمني الذي وطَن نفسه على الغربة واللجوء لم تستفزه مشهدية العودة ومظاهر التعلق بالأرض رغم الدمار والخراب في كل من سوريا وغزة ولم تستوقفه أو حتى تلفت انتباهه تلك المشاهد
وهو وحده من يبدو متصالحاً مع واقعه في الخارج ومنسجماً جداً مع شروط الاغتراب وظروف اللجوء ولديه مناعة من “النوستالجيا ” لذا لا تعنيه كثيراً العودة إلى الوطن والحنين إليه .
ربما يرى المسؤول اليمني، غير المسؤول بالتأكيد، في العودة إلى اليمن تهديداً لمصالحه واستثماراته الشخصية و تعكيراً لصفوه، وإزعاجاً لراحته وهدوئه .
ما يتلقاه المسؤول اليمني في الخارج من امتيازات هي عملية تخدير شاملة، تعطل لديه كافة الحواس، تفقده الشعور بالمسؤولية وتسلبه القرار وتصادر منه الإرادة، تضعف لديه الولاء، وتشل حركة ضميره، بل حتى أنها تنسيه شكل الوطن وأسماء المدن وملامح الأصدقاء .
يعيش المسؤول اليمني في الخارج في عزلة تامة عن محيطه المحلي وغربة موحشة عن كل ما هو يمني ، غربة في القرار والإرادة والولاء .
يحدث أن يتبنى مسؤول يمني في الخارج مشاريع وسياسات وخطط وبرامج كل دول العالم إلا اليمن التي يمثلها للأسف .
إن قرار العودة إلى الوطن يبدأ من استعادة القرار الوطني، مالم فسيبقى الأمر مجرد أضغاث أحلام وحظوظ عاثرة سيما في ظل الارتهان المهين للخارج .
وطالما والحال كذلك فليس من المتوقع أن نستعيد الوطن في القريب العاجل رغم أن كل الطرق باتت تؤدي إلى صنعاء وكل المتغيرات تمنحنا مفتاح العودة .
وإذا لم نستعد الوطن كقرار وقيمة ودولة وإرادة وإدارة لا يمكن أن نستعيده كمستقر وأرض وموطن وجغرافيا .
ولو لم تلتقط الشرعية هذه الفرصة والمتغيرات الحاصلة في المنطقة وتحزم حقائبها نحو التحرير فلن تقوم لها قائمة بعد اليوم.
لذا أقيموا دولة اليمن في قلوبكم، تقم على ارضكم واستعيدوا سيادة وطنكم تسعدوا .
إن البقاء في الخارج والركون إلى مظاهر الراحة والاسترخاء يتآكل معه المشروع الوطني وتنسى بسببه أحلام اليمنيين ونضالات وتضحيات الأبطال .
إن إصرار الفلسطينيين على العودة إلى الركام والخراب والارض المحروقة يمنح الوطن قيمة إضافية ومعنىً آخر وبعداً أعمق وفلسفة أوسع وأشمل .
ذلك أن الفلسطيني مسكون بوطنه حتى وهو في المنافي والشتات بينما نحن غرباء عن الوطن ونحن نعيش بداخله .
ولأننا تأخرنا كثيراً في العودة إلى الوطن راح الحوثي يميع ويشوه معنى العودة كمصير وقدر لا مفر منه، من خلال إطلاق برنامج للعائدين وفق شروطه وقد اختار السايلة مكاناً لاستقبال من قبلوا هذا الوضع إمعاناً منه في التحقير والإساءة .
كمواطنين تجرعنا الويلات فإن عودتنا للديار لن تكون إلا على الطريقة الفلسطينية والسورية والسودانية ووفق شروط البندقية والا فإن جحيم المخيمات والنزوح جنة لنا وصقيع الشتات والملاجئ لنا دفء والطريق إلى البيت أجمل منه، والحياة بعيداً عن الذل اشرف وأكرم لنا .