تقارير
أخر الأخبار

قصص من جباليا.. لماذا يفضل الاحتلال رواية “النيران الصديقة” للتعبير عن إخفاقاته؟

أحمد حافظ

لم تعد القصص المروية في مخيم جباليا شمال غزة خفية عن وسائل الإعلام المختلفة التي علا صوتها مع انطفاء زخم الهجوم الإسرائيلي وانكساره أمام صمود المقاومة الفلسطينية وعنفوان عملياتها النوعية، إذ وصلت إلى إطلاق جنود الاحتلال “النيران الصديقة” على زملائهم بالخطأ، فضلا عن قيام المقاومة بأسر جنود إسرائيليين وتوثيق ذلك بمقاطع الفيديو.

وتبدأ الحكاية عندما اضطر قادة الفرقة 98 الإسرائيلية لاستدراك التعثر الهجومي الذي مُنيت به الفرقة في هجومها على مخيم جباليا، وذلك عبر الزج بوحدات قتالية من اللواء 35 (لواء المظليين) الذي يعد من جنود النخبة في الجيش الإسرائيلي.

وفي تفاصيل الحكاية -حسب مصادر الجزيرة نت- أن ضربات المقاومة النوعية في جباليا اضطرت وحدات المظليين إلى تغيير طرق القتال والتحول إلى لواء مشاة، وذلك عكس ما كان موجودا في ألوية المدرعات التي قادت القتال في اليوم الأول من الهجوم على المخيم.

مسرح عمليات الإحتلال في قطاع غزة

تكتيكات المقاومة:
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال المختص بالشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد إن المشاهد التي تخرج للإعلام ليست إلا جزءا يسيرا مما يحدث في الميدان، وأضاف أن هذه الملاحم القتالية للمقاومة تعود إلى ما يلي:

حرمان جيش الاحتلال من تحقيق مبدأ المفاجأة في بداية الهجوم نحو شرق مخيم جباليا، واكتشاف خططه تجاه التقدم نحو العمق والأهداف المتوقعة لهجومه.
روح القتال العالية التي تتجسد في حالة الإقدام والتسابق على تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة بكل الوسائل القتالية المتاحة.
توظيف الإعلام العسكري في الميدان الذي أكده حجم المواد القادمة من هناك، مع التوثيق الدقيق عبر المرافقة الدائمة للكاميرا مع السلاح نحو الهدف، وحتى في مرحلة الإعداد.
اتباع مزيج من التكتيكات الدفاعية المختلفة، مثل إعاقة تقدم قوات الاحتلال والمراوحة بين الدفاعين المتحرك والثابت، مع التركيز على الاستدراج المحسوب، وتحويل هذه القوات إلى صناديق حديدية محاصرة بالنيران المضادة للدروع.
وبالتالي إفشال الخطط التكتيكية وكسب مزيد من الوقت في ترميم الخرق الحاصل في الجهاز الدفاعي، وتحريك القوات وفق تطور الموقف والحاجة القتالية الحقيقية وسترها بعيدا عن نظر العدو ونيرانه.
السيطرة الواعية تحت الضغط المعادي من نيران مكثفة وستائر دخانية وأحزمة نارية ونيران مدفعية على محاور التقدم، مع التنسيق بين المستويين التكتيكي والعملياتي، واتباع مبدأ الدعم المتبادل بين الكتائب مناطقيا.
توظيف أسلحة الدعم القتالي بعد نحو 8 شهور من بدء الحرب، حيث رأينا النيران القوسية بالهاون والصواريخ القصيرة والقنص والطيران المسيّر وغيرها من الأسلحة.
العمل بمبدأ الدفاع في العمق، فلم تنجر المقاومة إلى الدفاع الثابت المستميت على القشرة الخارجية لجباليا، التي سيكون فيها الغلبة للاحتلال نظرا لما يمتلكه من وسائل قتالية متعددة ومتقدمة، بل اختارت منطقة دفاعية مجهزة جيدا في العمق ومليئة بالكمائن ومحاصرة الجسم الرئيسي لقوات الاحتلال وكسر هجومها بهجمات مكثفة بالنيران والقوات.
عدم إغفال أهمية استخدام النيران الدفاعية البعيدة والقريبة، حيث تواصل ضرب إسرائيل في عسقلان وسديروت ومفلاسيم وغيرها، وخرجت الرشقات من بين الدبابات الإسرائيلية المتقدمة في جباليا لتؤكد صلابة المدافع وتحديه.

جيش الاحتلال يرفض الكشف عن الأسباب الحقيقية لاستهداف جنوده بجبهات قطاع غزة

“نيران صديقة”
ونتيجة لهذه الإستراتيجية التي اتبعتها المقاومة في جباليا فإنه نتج عنها ما يمكن تسميته “بقعة القتال الملوثة” حسب تعبير أسامة خالد الذي قال إن هذه البقعة اختلط فيها العدو والصديق مما صعّب المهمة على القوات الغازية في إدارة عملية التنسيق بين الوحدات القادمة حديثا والموجودة سابقا.

وأضاف المختص بالشؤون العسكرية والأمنية أنه في ظل ضغط المقاومة على الوحدات المتقدمة، اضطر فصيل قتالي من الكتيبة 202 المظلي للتقدم لإنشاء غرفة قيادة مؤقتة، مما جعل الكتيبة 82 مدرعة تتعامل بارتباك شديد وتخوف من احتمالية التفاف معادٍ عليها، فقامت بالقصف المباشر وقتل وإصابة قوة المظليين من الكتيبة 202.

ومن جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي ماجد إبراهيم إن من الصعب تصديق روايات الاحتلال الإسرائيلي في ظل المعارك الطاحنة مع المقاومة، وفي ظل الفيديوهات التي تبثها عن الاستهداف المركز لآليات جيش الاحتلال وجنوده.

وأضاف إبراهيم -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن رواية الاحتلال عن “النيران الصديقة” محاولة لحرف الأنظار عن خسائره البشرية وأخطائه العسكرية، فضلا عن أن هذه الأخطاء لم تكن لتحدث لولا الإرباك الذي يتعرض له الاحتلال بسبب الخطط والتكتيكات العسكرية المحكمة والمميتة وعمليات الخداع التي تمارسها المقاومة.

7 أكتوبر من جديد:
وأرجع الكاتب والمحلل السياسي هذا التطور العسكري في مخيم جباليا إلى ما يلي:

كان جيش الاحتلال يظن أنه يواجه كتيبة واحدة في جباليا، لكنه وجد نفسه في مواجهة 3 كتائب للقسام، ويواجه مقاومة أشد من تلك التي واجهها بداية الحرب قبل نحو 8 أشهر.
وقوع عدد من جنود الاحتلال في أنفاق جباليا بين قتيل وجريح وأسير، كما أعلنت كتائب القسام.
ما يحدث في جباليا يمكن اعتباره “7 أكتوبر من جديد” لأن قوات الاحتلال تعرضت لكمين مركب خسرت فيه عددا من جنودها رغم الجاهزية العالية والتسليح الجيد، على خلاف المفاجأة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الاحتلال يواجه مقاومة شديدة في رفح، وتكللت بإطلاق صواريخ لأول مرة منذ بدء المعركة هناك، وانطلقت هذه الصواريخ من على بعد أمتار من وجود الجنود في رفح، بما يؤكد أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدراتها الصاروخية وقدراتها في القنابل والقذائف التي تتصيد دبابات الاحتلال.
وأشار إبراهيم إلى أن ما يظهره الاحتلال من مظاهر القوة باستهداف مخيم النازحين في رفح ليس إلا تنفيسا عن هزيمته الميدانية والنفسية أمام المقاومة، ولا يمكن أن يؤثر على معادلة القوة بين الطرفين، وسيؤدي إلى المزيد من عزلة الاحتلال السياسية دوليا، وتسريع محاكمته وإدانته في محكمتي العدل والجنائية الدوليتين.

خلافات سياسية:
وعن تأثير المشهد العسكري في جباليا وغيرها من الجبهات في قطاع غزة، قال المحلل السياسي إن الخلافات التي تعصف بالاحتلال على صعيد الاستمرار في الحرب وقضية “اليوم التالي” تزيد الضغط السلبي على قوات الاحتلال التي دخلت أصلا إلى غزة في ظل شح بنك أهدافها العسكرية، ولم تتمكن من تعزيزها من خلال احتلال القطاع المحاصر.

وأضاف المصدر نفسه أنه مع مرور الوقت يتأكد فشل قوات الاحتلال في تحقيق الهدفين الرئيسيين لهذا العدوان، وهما القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى بالقوة.

وختم المحلل السياسي تصريحاته بأن هذا سيؤثر بقوة عند الحديث عن احتمال استئناف مفاوضات الأسرى، لأن المقاومة باتت في وضع أفضل عسكريا وميدانيا، بما يوفر لها أفضلية في المفاوضات للتمسك بمطلبي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
.

.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى