الأخبار المحليةتقارير

قمع الحوثيين لليمنيين في ذكرى ثورة 26 سبتمبر 2025.. اعتقلوا من رفع العلم أو أنشد نشيدا وطنيا!

سبتمبر المغيّب بالقوة

لم يكن السادس والعشرون من سبتمبر هذا العام مجرد ذكرى وطنية صامتة في مناطق سيطرة الحوثيين، بل تحول إلى ساحة صراع مفتوح بين ذاكرة شعبية تتشبث بالجمهورية والحرية، وبين جماعة تسعى بكل الوسائل إلى طمس هذه الرمزية. في 2025 شددت الجماعة قبضتها الأمنية ووسعت من حملات القمع والاختطافات، محاولة تحويل المناسبة من يوم وطني جامع إلى حدث محظور، لا يُسمح بترديد أناشيده أو رفع علمه، في مشهد أثار موجة استياء شعبي وحقوقي واسع.

شوارع تحت الحصار الأمني

منذ أوائل سبتمبر، شهدت صنعاء انتشاراً أمنياً غير مسبوق. عشرات النقاط الأمنية والمسلحين بملابس مدنية وعسكرية انتشروا عند مداخل الأحياء، خصوصاً قرب الجامعات والمدارس. مواطنون تحدثوا عن تفتيش دقيق للهواتف بحثاً عن صور أو أغاني مرتبطة بسبتمبر، فيما مُنعت المدارس من إقامة أي فعاليات مرتبطة بالثورة، لتُستبدل بشعارات تمجد “21 سبتمبر” الحوثية. أحد الشهود وصف المشهد لموقع الوعل اليمني قائلاً: “المدينة بدت وكأنها ثكنة عسكرية، كل من يبتسم أو يغني نشيداً جمهورياً كان متهماً بشكل مسبق.”

اعتقالات بالجملة وإخفاء قسري

التقارير الحقوقية وثّقت اعتقال العشرات من الناشطين والصحفيين وحتى مواطنين عاديين رفعوا العلم الجمهوري على أسطح منازلهم أو نشروا مقاطع أناشيد على وسائل التواصل. بعضهم أُخذ مباشرة من الجامعات والمدارس وأمام الطلاب، بينما اقتيد آخرون ليلاً من بيوتهم تحت تهديد السلاح. مصادر حقوقية أكدت أن كثيراً من هؤلاء نقلوا إلى سجون سرية تابعة للأمن السياسي في صنعاء وصعدة، حيث يُمارس التعذيب النفسي والجسدي بشكل ممنهج.

في حي شعوب، تم اقتحام منزل أسرة بعدما رفعت علم اليمن على سطحه. الزوج اعتُقل بعنف أمام أطفاله وزوجته، ولم يعد منذ ذلك الحين. تروي الزوجة بدموعها للوعل اليمني: “أطفالي يسألون كل يوم عن والدهم. كل ما فعلناه أننا رفعنا علماً يمثل بلدنا.”

في ذمار، اختفى أستاذ جامعي بعد أن نشر على صفحته أغنية سبتمبرية. اعتقل أثناء إلقاء محاضرته، في مشهد ترك طلابه في صدمة. أحد الطلاب قال: “لم نفهم شيئاً سوى أن كلمة أو أغنية باتت تساوي السجن.”

أما في عمران، فقد أرغم أطفال على ترديد الصرخة الحوثية تحت تهديد السلاح لأنهم كانوا يغنون نشيد “رددي أيتها الدنيا نشيدي”. أحد الأهالي علّق: “أرادوا أن يسرقوا براءة الأطفال، لكنهم في الحقيقة زادوا من كراهيتنا لقمعهم.”

أصوات الناس… بين الخوف والصمود

رغم الخوف، لا يزال كثير من اليمنيين يحتفلون سراً. مواطن من صنعاء قال: “حتى لو أغلقوا الشوارع وسجنوا الناس، ستبقى سبتمبر في قلوبنا. نحن نحتفل داخل بيوتنا، بإشعال شمعة أو بترديد نشيد في همس.” ناشطة حقوقية أضافت: “كل بيت يمني يعرف أن 26 سبتمبر هو يوم ميلاد الجمهورية، ولن يفلح الحوثيون في مسحه من الذاكرة.”

خبير قانوني من صنعاء أوضح أن “الاعتقالات التعسفية على خلفية التعبير عن الرأي تدخل ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية متى ما مورست بشكل واسع ومنهجي”.
أما الناشطة الحقوقية “حنان علي” فقالت لموقع الوعل اليمني: “الحوثيون يحاولون محو رمزية وطنية جامعة واستبدالها بمشروع طائفي ضيق، وهذا انتهاك صارخ لحرية التعبير والتجمع.”
ويرى محلل في شؤون النزاعات أن “محاولات طمس سبتمبر لن تزيد سوى من ترسيخها في وجدان اليمنيين، وستكون عامل اشتعال لأي تحركات جماهيرية مستقبلية”.

لم يقتصر القمع على الميدان، بل امتد إلى الفضاء الإلكتروني والإعلامي. مئات الحسابات الوهمية أنشأها الحوثيون للترويج لخطاب “21 سبتمبر”، فيما أجبرت القنوات المحلية على بث برامج تمجد الإمامة وتقلل من شأن الثورة الجمهورية. الأغاني الوطنية منعت من التداول، بل وصارت تهمة قد تضع صاحبها في السجن.

ما حدث في سبتمبر 2025 أكد أن ثورة السادس والعشرين ليست مجرد ذكرى عابرة، بل قضية وجودية بين اليمنيين ومشروع يحاول إعادتهم إلى زمن الإمامة. ورغم القمع والانتشار الأمني والاختطافات، أثبت الشعب أن ذاكرته الجمعية لا تمحى بالقوة. فسبتمبر لا يزال يعيش في الأغاني التي تُردد سراً، في الشموع التي تُشعل داخل البيوت، وفي قلوب ملايين اليمنيين الذين يرونه رمزاً للجمهورية والتحرر. وكلما زاد القمع، زاد تمسك اليمنيين بيومهم الوطني، وكأنهم يقولون للحوثيين: “سبتمبر أكبر منكم جميعاً.”

زر الذهاب إلى الأعلى