بقلم: حسن قديم
أبعد من مجرد كرة قدم
لم تكن بطولة كأس العرب التي احتضنتها دولة قطر حدثاً رياضياً عادياً يختزل في نتائج المباريات أو أسماء المنتخبات المتأهلة، بل كانت مناسبة إنسانية وثقافية أعادت إلى الواجهة سؤالاً أعمق: من نحن كعرب؟ وماذا يجمعنا؟ وهل لا يزال الوجدان العربي قادراً على تجاوز كل محاولات التفتيت والفرقة؟
في مدرجات الملاعب، كما في الشوارع والساحات العامة، اجتمعت الجماهير العربية القادمة من مختلف الأقطار، تشجع منتخباتها بحماس مشروع، لكنها في الوقت ذاته حافظت على سلوك حضاري لافت. لم نشهد شغباً ولا احتكاكات تذكر، ولم تتحول الخسارة إلى خصومة، بل إلى تهنئة صادقة للفريق المنتصر وتقبل واعٍ للهزيمة.
“كان المشهد أبلغ من أي خطاب سياسي أو شعارات وحدوية؛ مشهد يؤكد أن ما يجمع العرب أكبر من مباراة كرة قدم، وأعمق من تنافس رياضي عابر.”
وحدة الشعور وتفنيد الانقسام
لقد أتاحت هذه البطولة فرصة نادرة للجمهور العربي كي يتعرف بعضه على بعض من قرب، بعيداً عن الصور النمطية التي غذتها سنوات من الانقسام الإعلامي والسياسي. اكتشف العرب أن اختلاف اللهجات لا يلغي وحدة الشعور، وأن تنوع الثقافات داخل الجسد العربي هو مصدر غنى لا سبب صراع.
في قطر، لم يكن العربي غريباً عن أخيه العربي، بل شريكاً في الفرح والانفعال والذاكرة المشتركة. وتحولت ساحة سوق واقف إلى فضاء مفتوح للتعارف العربي الشعبي، حيث:
- امتزجت الأهازيج والأغاني.
- تجاورت الأعلام العربية جنباً إلى جنب.
- تقاطعت الضحكات والحوارات العفوية.
هناك، خارج أسوار الملاعب، كانت كرة القدم ذريعة جميلة للقاء عربي طال انتظاره، وجسراً للتواصل بدل أن تكون ساحة للاستقطاب.
رسالة إلى المشاريع التفتيتية
الأهم من ذلك أن كأس العرب جاءت لتفند، بالفعل لا بالقول، كل المشاريع الاستعمارية التي سعت عبر عقود طويلة إلى تفتيت الوطن العربي، وبث الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، وتأجيج الصراعات على أسس سياسية أو طائفية أو جغرافية.
“كأس العرب جاءت لتفند، بالفعل لا بالقول، كل المشاريع الاستعمارية التي سعت عبر عقود طويلة إلى تفتيت الوطن العربي، وبث الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة.”
هذه المشاريع التي راهنت على تمزيق الوجدان العربي قبل تمزيق الجغرافيا، اصطدمت بحقيقة ثابتة: الوجدان العربي لا يخطئ، ولا يمكن تزويره بسهولة.
الوعي الشعبي في مواجهة الكراهية
ورغم الأبواق التي تخرج من هنا وهناك، والتي تحاول دائماً اللعب على حالات نادرة أو حوادث معزولة، والنفخ فيها وتضخيمها لدفع أمتنا العربية نحو مزيد من الفرقة والاقتتال، أثبتت الشعوب العربية في هذه البطولة أن وعيها أعمق من هذه المحاولات، وأنها قادرة على التمييز بين الخلاف الطبيعي وبين الصراع المصطنع.
لقد قال الجمهور العربي كلمته بهدوء:
- الاختلاف لا يعني العداء.
- التنافس لا يفسد الانتماء.
- الفرح المشترك أقوى من خطاب الكراهية.
الخاتمة: الفائز الحقيقي
في لحظات الفرح الجماعي، بدا واضحاً أن القوة الحقيقية للأمة لا تكمن في الصدام، بل في وحدتها، وفي قدرتها على الاجتماع حول ما يجمعها لا ما يفرقها.
“انتهت مباريات كأس العرب، لكن الفائز الحقيقي كان الشعوب العربية التي أعادت، ولو مؤقتاً، الاعتبار لفكرة الوحدة والوجدان المشترك.”
بطولة ستذكر ليس فقط بأهدافها ونتائجها، بل بما حملته من رسائل إنسانية عميقة، أكدت أن النهاية الحتمية لكل محاولات التفتيت هي الفشل، وأن القوة الحقيقية ستظل دائماً في الوحدة، وفي الفرح العربي المشترك.







