ثقافة وفكر
أخر الأخبار

كيف تتحدّث ليستمع إليك أطفالك، وكيف تستمع ليتحدّث إليك أطفالك

د. عمر عثمان جبق

الكتاب: How to Talk so Kids Will Listen & Listen so Kids Will Talk

المؤلف: Adele Faber and Elaine Mazlish

الناشر: Scribner; Updated edition

سنة النشر: February 7, 2012

يعدّ كتاب “كيف تتحدّث ليستمع إليك أطفالك، وكيف تستمع ليتحدّث إليك أطفالك” دليلاً إرشاديًا مختصرًا للوالدين في كيفية التعامل مع أطفالهم من خلال الحديث معهم والاستماع إليهم. يقدّم الكتاب عشرة نصائح سهلة وعملية تجعل الحديث مع الأطفال والاستماع إليهم ممتعًا ومثمرًا في آن واحد. نستعرض فيما يلي هذه النصائح بنوع من الإيجاز.

أول نصيحة يعطيها الكتاب هي إظهار التعاطف مع الأطفال والتفهّم لما يقولونه أو يقومون به. عندما يشكّل الوالدان بيئة آمنة وموثوقة يشعر فيها الأطفال بالراحة والاطمئنان يستطيع عندها الأطفال أن يعبّروا عن أنفسهم دون خوف أو تردد؛ كما بإمكانهم التعبير عن آرائهم بكل صراحة أيضاً مما يساهم مساهمة كبيرة في زيادة ثقتهم بأنفسهم وبوالديهم، وهذا ينعكس إيجابًا على العلاقة بين الوالدين والأطفال ويسمح بالتواصل الفعّال بينهم أيضًا. والتعاطف يعني أن نضع أنفسنا مكان أطفالنا كي نفهم أقوالهم وتصرفاتهم أيضًا من وجهة نظرهم. النصيحة الثانية هي الاستماع الإيجابي والفعّال حيث يعدّ هذا النوع من الاستماع مهارة أساسية يسلّط الكتاب الضوء عليها من خلال استعراض جميع النصائح التي يقدّمها للآباء. والاستماع الفعّال يعني أن يولي الآباء جلّ اهتمامهم لما يقوله أطفالهم من دون أن يقاطعوهم أو يفرضوا عليهم آرائهم الخاصّة. ويؤكد الكتاب على ضرورة ممارسة الاستماع الفعّال لأنه سيؤدي إلى فهم الآباء لوجهات نظر أطفالهم فهمًا أفضل وبناء روابط قوية معهم تساهم في علاقة متينة بينهم مبينة على الثقة والتفاهم والاستماع الإيجابي الفعّال.

النصيحة الثالثة هي استعمال المديح استعمالاً موفقًا لما لهذا النوع من المديح من أثر كبير على حديث الأطفال وسلوكهم. فكما هو معلوم، جميع الناس تحبّ الثناء على حُسنِ ما تقوله وتفعله. وتؤكد المؤلفتان هنا على ضرورة تركيز الوالدين على سلوكيات معينة أو جهود محددة لأطفالهم عوضًا عن المديح العام. وهذا النوع من المديح يشجّع الأطفال على تطوير عقلية النمو وزيادة تقدير الذات لديهم؛ فعندما يثني الآباء على سلوك إيجابي محدد قام به أطفالهم فهم يعززون هذا السلوك لدى أطفالهم الذين سيقومون بتبني هذا السلوك الإيجابي ومحاكاة سلوكيات مماثلة من حيث الإيجابية لضمان ثناء والديهم عليهم ورضاهم عنهم. النصيحة الرابعة التي يقدّمها الكتاب للآباء هي وضع حدود وقواعد واضحة لأن الأطفال يزدهرون عند وجود مثل هذه الحدود والقواعد التي تنظّم طريقة حديثهم وتصرّفاتهم. والقصد من وضع الحدود أن تكون بسيطة ومفيدة وغير عقابية تؤكد على التبعات الطبيعية المنطقية لأي قول أو عمل يقوم به الأطفال. والوظيفة الأساسية لهذه الحدود والقواعد هي تنظيم الحوار بين الأهل والأطفال في إطار منطقي وعملي. وتؤكد المؤلفتان على ضرورة تجنّب لجوء الأهل إلى العقاب الشديد، وتركّز على ضرورة تعليم الأطفال المسؤولية ومهارات حلّ المشكلات عوضاً عن العقاب بكافة أنواعه.

النصيحة الخامسة التي يقدّمها الكتاب للوالدين هي تشجيع الأطفال على الاستقلالية واتخاذ القرار؛ حيث يؤكد على أهمية السماح للأطفال باتخاذ قراراتهم الخاصّة قدر المستطاع. فمن خلال منح الأطفال هذه المسؤولية يتنامى عندهم الشعور بالاستقلالية وتزداد ثقتهم بأنفسهم واعتمادهم على الذات. ويشمل هذا أيضًا إشراك الأطفال في نقاشات جادّة تسعى لحل المشكلات التي تعترض الأسرة؛ مما يتيح لهم الفرصة لاقتراح الحلول التي يرونها مناسبة من وجهة نظرهم والتي ينبغي للآباء تقديرها واحترامها أمام الأطفال لتشجيعهم على تنمية مهارة حل المشكلات واتخاذ القرار واحترام الرأي الآخر وتقدير المقترحات.

أما النصيحة السادسة التي يقدمها الكتاب فهي استخدام بدائل عن العقاب الجسدي بغية تأديب الأطفال؛ إذ يعرض الكتاب عددًا من البدائل الفعّالة التي من شأنها تأديب الأطفال دون اللجوء إلى العقاب البدني. فهناك تقنيات كثيرة بديلة من مثل إعادة توجيه الانتباه، وتقديم الخيارات، وفرص حل المشكلات التي من شأنها أن تساعد الأطفال على التعلّم من أخطائهم وأن تحافظ على العلاقة الإيجابية بينهم وبين والديهم. وتؤكد المؤلفتان هنا على أن هذه الخيارات البديلة عن العقاب الجسدي تزيد من ثقة الأطفال بوالديهم، وتعزز علاقتهم معهم وتزيدهم قربًا منهم، على النقيض من العقاب البدني الذي يؤدي إلى امتناع الأطفال عن الحديث إلى والديهم أو الإفصاح عن مشاعرهم الحقيقية، وقد يلجأ الأطفال إلى الكذب واختلاق القصص الزائفة تفاديًا للعقاب البدني، ناهيك عن الآثار النفسية طويلة الأمد التي يخلّفها العقاب البدني.

النصيحة السابعة التي يحثّ الكتاب الآباء على الأخذ بها هي التركيز على التعاون مع الأطفال، وليس التحكّم بهم أو السيطرة عليهم؛ حيث يؤكد هنا على أنّ أحد المظاهر الأساسية لتسهيل التواصل المثمر مع الأطفال هو تحويل التركيز من السيطرة عليهم إلى التعاون معهم من خلال إشراكهم في عمليات تنطوي على اتخاذ القرار، والسعي للاستماع إلى اقتراحاتهم، وتنمية بيئة تعاونية معهم مبنية على احترام احتياجاتهم ومشاعرهم. فعندما يشعر الأطفال أن آرائهم واقتراحاتهم واحتياجاتهم محط تقدير الوالدين واحترامهما فسيتعاونون معهم أكثر ويخبرونهم بما يجول في خاطرهم وما يحدث معهم بكل شفافية ووضوح؛ فالتعاون طريق مزدوج يعود بالنفع على الوالدين والأطفال معًا.

النصيحة الثامنة التي يقدمها الكتاب للوالدين والتي تساعدهم على بناء علاقة قوية مع أبنائهم هي التشجيع على التعبير عن الذات؛ إذ يؤكد على أهمية السماح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بأريحية من أجل أن يكتسبوا القدرة على التحدّث بحرية عما يفكرون به ويشعرون به من دون أي خوف، وهذا يساعدهم على تنمية شخصية واثقة بنفسها ومستقلة فكرياً وعاطفياً؛ فمن خلال إيجاد مساحة منفتحة للتعبير عن الذات لا تحكم على الأفكار والمشاعر مُسبقاً يتمكّن الآباء من مساعدة أطفالهم على تطوير ذكائهم العاطفي ومهارات حل المشكلات أيضًا. فمهارة التعبير عن الذات أساسية جدًا لسلامة الأطفال العاطفية والنفسية والاجتماعية كونها المفتاح الرئيسي للتواصل الفعّال بين الأهل والأطفال من خلال اللغة.

النصيحة التاسعة التي يقدّمها الكتاب للآباء هي أن يكونوا قدوة لأطفالهم في أي سلوك يرغبون أن يتمثله أطفالهم؛ فالأطفال كما هو معروف يتعلمون من خلال مشاهدة سلوك البالغين من حولهم ومراقبتهم ومن ثم تقليدهم أو تمثيل سلوكهم فيما بعد. فالأطفال، كما هو معلوم، مسجّلون ومقلّدون دقيقون لما يرونه ويلاحظونه من سلوك في آبائهم، وعندما تحين الفرصة يعكسون هذا السلوك كالمرآة! ويتطرق الكتاب هنا إلى أهمية تجسيد الآباء لسلوكيات يرغبون أن يشاهدوها في أبنائهم؛ فعندما يكون الآباء صادقين ومتعاطفين ومتقبلين للآخر في سلوكهم وتصرفاتهم أمام أطفالهم فإن أطفالهم سيجسّدون هذه القيم في سلوكهم مع أهاليهم ومن حولهم من أطفال وبالغين. يستطيع الآباء أن يؤثروا على مهارات تواصل أولادهم وتصرفاتهم من خلال ممارسة الاستماع الفعّال والتعاطف والاحترام ومهارة حل المشكلات الفعالة معهم لتكون سلوكاً مرغوبًا يلاحظه الأطفال في آبائهم فيتمثّلونه هم أيضًا في تعاملهم مع الوسط المحيط بهم.

أما النصيحة العاشرة والأخيرة فهي تمييز قوة الخيارات العديدة التي يمنحها الآباء لأطفالهم؛ فهذه القوّة تؤثر تأثيرًا كبيرًا على قدرة الأطفال على اتخاذ القرارات وتحمّل نتائج قراراتهم أيضاً. فمن خلال السماح للأطفال بالسيطرة على بعضٍ من جوانب حياتهم، يقوم الآباء بتشجعيهم على الاستقلالية وتنمية مهارة اتخاذ القرارات في سنّ مبكرة مما ينعكس إيجابًا على حياتهم في المستقبل عندما يصبحون بالغين ومسؤولين عن قراراتهم الخاصّة. وهناك جوانب فكرية مفيدة لقوة الخيارات تكمن في وجود عدّة خيارات ممكنة يستطيع المرء أن يختار منها ما يناسبه دون التقيّد بخيار واحد قد لا يكون الأمثل. فالتفكير بخيارات عديدة ينمي قدرات الأطفال العقلية الإدراكية، ويجعلهم منفتحين على أكثر من حل.

باختصار فإن كتاب “كيف تتحدّث ليستمع إليك أطفالك، وكيف تستمع ليتحدّث إليك أطفالك” كتاب مهمّ لكل أب وأم يريدان أن تكون علاقتهما مع أبنائهما مميزة ومثمرة؛ فهو يقدّم معلومات واستراتيجيات عملية تنمّي شخصية الأطفال وتزرع فيهم التعاطف الإنساني والتعبير عن النفس واحترام آراء الآخر وأفكاره والاستقلالية في اتخاذ القرار وتحمّل مسؤولية ذلك بالإضافة إلى الثقة بالنفس ومهارة حل المشكلات التي يحتاجها الكبير قبل الصغير لمواجهة الحياة وتحدياتها.

المصدر: مجلة فكر الثقافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى