كيف حول الحوثيون اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة؟

تقرير خاص

قبل انقلاب جماعة الحوثي، كان اليمن بلداً يعاني من تحديات سياسية واقتصادية مع قدر من الاستقرار النسبي، أما اليوم فقد تحول إلى ساحة مفتوحة للحروب وتصفية الحسابات وتنفيذ المشاريع المشبوهة، واصبحت صنعاء -العاصمة التاريخية لليمن- مدينة منكوبة تُقصف من السماء وتُنهب من الأرض، ونجحت جماعة الحوثي عبر سلسلة من القرارات العدائية والتحالفات الخطيرة، في جر البلاد إلى حروب متتالية جعلت اليمن أسيراً لمشاكل لا متناهية.

البداية الانقلاب

في سبتمبر 2014، اعلنت جماعة الحوثي زحفها المسلح نحو العاصمة صنعاء، مستغلة ضعف الحكومة والانقسامات السياسية التي اعقبت ثورة شباب فبراير 2011, وبحلول سبتمبر 2014 تمكنت من السيطرة بالكامل على العاصمة وحلت المؤسسات الأمنية والعسكرية، وعطلت العمل بالدستور، مما دفع الحكومة الشرعية إلى اللجوء لعدن ثم إلى الرياض، وكان هذا الانقلاب بمثابة الشرارة الأولى للحرب التي ستشعلها الجماعة لاحقاً، بعد ان رفضت كل محاولات الحوار و التسوية السياسية، وفضلت خيار القوة.

التوسع العسكري واستفزاز الجوار

ولم تكتفِ الجماعة بالسيطرة على صنعاء، بل وسعت نفوذها عسكرياً نحو المحافظات الجنوبية والغربية، مما أدى إلى مواجهات دامية مع القبائل والجيش اليمني، وفي مارس 2015، تحول الانقلاب إلى حرب إقليمية عندما أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات “عاصفة الحزم” لاستعادة الشرعية، وبدلاً من التراجع وتغليب مصلحة الوطن، زاد الحوثيون من هجماتهم على المدنيين مستخدمين تكتيكات حروب المدن، وتخزين الأسلحة في المناطق السكنية، وتجنيد آلاف الأطفال للقتال.

الحرب بالوكالة

ومع مرور الايام بات واضحاً أن الحوثيين ليسوا مجرد ميليشيا (زيدية) محلية مثلما كانوا يروجون، بل جزء من استراتيجية إقليمية غابت عن اذهان غالبية القوى والتكتلات السياسية، فتبنت ايران الجماعة مبكراً وقدمت لها دعماً عسكرياً ولوجستياً ضخماً بما في ذلك صواريخ باليستية وطائرات مسيرة مكنتهم من استهداف وتهديد العمق العربي والاقليمي، ووفقاً لتقارير دولية، ارتفع عدد الهجمات الصاروخية التي ينفذها الحوثيون من 30 هجوماً في 2015 إلى أكثر من 500 هجوم في 2022، مما جعل اليمن ساحة لصراع إقليمي واسع، وبؤرة لتصدير القلق للعالم.

الكارثة الإنسانية

و أدت سياسات الحوثي العسكرية إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين بحسب توصيف الامم المتحدة التي اشارت تقديراتها إلى مقتل أكثر من 377 ألف شخص بين عامي 2015 و2023، بينهم 150 ألف مدني قضوا بسبب القصف والمجاعة والأمراض، بالإضافة الى 4.5 مليون نازح داخلياً يعيش أكثر من نصفهم في مخيمات بلا ماء أو كهرباء، واصبح 20 مليون يمني، بحسب الامم المتحدة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 2.3 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وتسببت الميليشيا ايضا في تدمير 70% من المنشآت الصحية و50% من المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

انتهاك الأرض والسماء

وتحولت صنعاء، التي كانت قبل الحرب آمنة ومزدهرة، إلى مدينة أشباح تعرضت لأكثر من 12 ألف غارة جوية منذ 2015، وأصبح مطار صنعاء الدولي، الذي كان بوابة اليمن إلى العالم، مقراً عسكرياً مغلقاً، وفرض الحوثيون حصاراً اقتصادياً خانقاً على المدن، مما تسبب في ارتفاع الأسعار بنسبة 500% لبعض السلع الأساسية، كما تحولت المتاحف والأماكن التاريخية إلى ثكنات عسكرية، ونهبت مخطوطات يعود بعضها إلى القرن السابع الميلادي، وقدمت لإسرائيل على طبق من ذهب.

إستراتيجية إفشال السلام

وعلى الرغم من المبادرات الدولية المتكررة لوقف إطلاق النار، إلا أن الحوثيين كانوا ومازالوا يرفضون أي حل سياسي، ويفضلون إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب إضافية، فهم بحسب محللين وسياسيين يستخدمون المساعدات الإنسانية كسلاح، بحجزها عن المناطق المعارضة لهم، ويرفضون فتح طرق إمداد المدن المحاصرة، مثل تعز، مما يزيد من معاناة المدنيين، ويواصلون تجنيد الأطفال وإرسالهم إلى خطوط القتال الأمامية، حيث تشير التقارير إلى أن 30% من مقاتليهم دون الـ18 عاما، واصبح اليمن نموذجاً لكيفية تحويل جماعة مسلحة بلداً بأكمله إلى رهينة في صراعات عبثية، وحولت جماعة الحوثي صنعاء من مدينة منيعة إلى رمز للدمار والجوع، وجعلت اليمن ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية، حتى لو توقفت الحرب غداً، فإن آثار الدمار الذي خلفته الجماعة ستحتاج إلى عقود لإصلاحه.

Exit mobile version