أنور بن قاسم الخضري
معنى قوله صلى الله عليه وسلم -في الصحيحين: (لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا)، لا يناقض مواجهة العدو المعتدي والإثخان فيه، ومقاومة المحتل عند توفر القدرة، وردع الصائل مع وجود القوة.
والنهي عن التمني ليس ركونا للدنيا وإخلادا للراحة وخوفا من القدر، بل هو كما ورد في الحديث طلب النصر الإلهي قبيل مواجهته، إذ الله تعالى قادر على دفع الأعداء ومعافاة المؤمنين بما شاء وكيف شاء، أما إذا نزلوا بساحتنا واعتدوا علينا واحتلوا ديارنا فإن مواجهتهم ومناجزتهم ومقاتلتهم أمر واجب، والإعداد له واجب، والقيام بتكاليفه واجب.
ولو فهم الحديث على معنى ترك الواجبات والمسئوليات في ردع ومنع ودفع الأعداء ومواجهتهم ومقاومتهم لما جرى جهاد فتح ولا دفع، ولاستبيحت ديار المسلمين.
وإن استدلال علماء السلاطين بهذا الحديث في تبرير خيانات حكامهم بعدم نصرتهم لغزة مع وفرة العتاد والأموال والرجال وخوضهم الحرب ضد شعوبهم وضد بعضهم البعض لهو من قبيل التخذيل والتثبيط والخيانة. فهؤلاء دجالون منافقون أكثر منهم علماء بل علم الدين أبعد ما يكون منهم. ولو رأيتم الشيطان وهو يخاطب آدم وحواء ناصحا لهم بأكل الشجرة لرأيتموه في هيئتهم وحلتهم.
وقد أورد القرآن الكريم كيف أن بني إسرائيل طلبوا بعث ملك لهم لقتال عدوهم الذي احتل ديارهم أخرجهم منها فاستجاب الله لهم وكتب عليهم القتال، واختار لهم طالوت ملكا يقودهم لمواجهة عدوهم ومقاتلته وإجلائه عن ديارهم.
وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ببدر جيش الكفار ولم يرجع للمدينة، بعد أن اتفق رأي الصحابة على قتال عدوهم. وأرسل السرايا والبعوث والجيوش للغزو وضرب الأعداء في معاقلهم.
ففهم الحديث على سبيل “القعدة” و”المخلفين” و”المتخاذلين” و”المخذلين” و”الخونة” لا محل له في الوعي الإسلامي.