لماذا يجب على الغرب مواجهة نتنياهو؟

ميدل إيست آي | ديفيد هيرست

نفذ عشرات الآلاف من الإسرائيليين إضرابًا عامًّا بعد أن انقطعوا عن وظائفهم، وإن وزير الدفاع يوآف غالانت والمؤسسة الأمنية في حالة صراع مفتوح مع رئيس الوزراء.

لقد دعا زعيما المعارضة- بيني غانتس ويائير لابيد- الناس إلى النزول إلى الشوارع، وهو ما حدث فعلًا؛ فقد تم إغلاق الطرق السريعة الرئيسية حول تل أبيب. وعلى الرغم من ذلك فإن الرهائن قد قُتلوا، تقول حماس إنهم قُتلوا بنيران إسرائيلية، ويقول الجيش الإسرائيلي إنهم أُعدموا عن قرب قبل محاولة تحريرهم، وتم تحميل بنيامين نتنياهو والمجموعة اليمينية المتطرفة التي تدعم حكومته مسؤولية مقتلهم.

لقد كان أربعة من الرهائن الستة على قائمة حماس “الإنسانية”، وكان من المقرر إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من صفقة الرهائن لو لم يرفض نتنياهو الانسحاب من ممر فيلاديفيا، الذي يفصل مصر عن قطاع غزة.

تقويض صفقة محتملة:
لقد قال رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إن نتنياهو هو الذي أوقف صفقة محتملة، وهم أنفسهم الذين حذروه مرات عدة مما قد يحدث للرهائن المتبقين إذا استمر في إفشال الاتفاق.

تحولت إحاطة أمنية منتظمة لمجلس الوزراء قبل أيام إلى جلسة صراخ بين غالانت ونتنياهو. قال غالانت في الاجتماع: “يتعين علينا الاختيار بين فيلادلفيا والرهائن، لا يمكننا أخذ الاثنين، وإذا صوتنا فقد نجد أن الرهائن إما سيموتون، أو سنضطر إلى التراجع لإطلاق سراحهم”.

لقد قام كل من غالانت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي، ومدير الموساد ديفيد برنيع رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي، بمواجهة نتنياهو واقتراحه التصويت على قرار للحفاظ على السيطرة الإسرائيلية الكاملة على طول الحدود مع مصر، وقالوا إنه من شأنه أن يقوض صفقة محتملة مع حماس.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير لوكالة أكسيوس: “حذرنا نتنياهو ووزراء الحكومة من هذا السيناريو بالضبط لكنهم لم يستمعوا”. وتم التصويت بأغلبية مؤيدة. وقال تجمع الرهائن والعائلات المفقودة في بيان، إن “صفقة إعادة الرهائن كانت على الطاولة لأكثر من شهرين، ولولا إفشال نتنياهو للصفقة والأعذار والتحريف، لكان الرهائن على قيد الحياة على الاغلب”.

وردًا على ذلك، تعهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن بأن “حماس ستدفع الثمن”، وقالت مرشحة الحزب الرئاسية كامالا هاريس إنه يجب القضاء على حماس.

الحقيقة الوحشية:
لقد دعا بايدن بشكل واضح إلى وقف إطلاق نار دائم قبل أربعة أشهر، كما أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار الشامل على ثلاث مراحل في يونيو/ حزيران.

تقع مسؤولية كبيرة على بايدن للتأكد من أن حليفًا أمنيًا رئيسيًّا في الشرق الأوسط يلتزم بالسياسة الأمريكية، وخاصة حليفًا يعتمد على إمدادات الأسلحة الأمريكية مثل إسرائيل. والحقيقة الصارخة هي أنه لو كان بايدن مستعدًا لفرض سياسته الخاصة بحظر الأسلحة على إسرائيل، لكان من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح العديد من الرهائن المتبقين، من بينهم أمريكيون وبريطانيون.. ومع ذلك، قد يكون هؤلاء القتلى بمثابة نقطة التحول التي تجبر نتنياهو على التراجع عن موقفه في المفاوضات، التي لا تزال متوقفة حتى الآن.

قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لعائلات الرهائن الأمريكيين المحتجزين في غزة، إن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل وحماس عرضًا نهائيًّا بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، إما أن تقبلاه أو تتركاه.. لقد تكررت هذه المقولات مرات عدة من قبل، وهي أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأمريكيين يفقدون مصداقيتهم أمام المفاوضَين المستقلَّين مصر وقطر.

ولكنْ، إذا كانت النتيجة هي الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من محور فيلادلفيا، واستسلام نتنياهو للضغوط المحلية والدولية، فهذا يعني التوجه إلى أزمة أخرى.

نهاية سيطرة الأشكناز:
يدرك نتنياهو جيدًا أن إسرائيل منقسمة إلى نصفين؛ حيث إن نصف سكان البلاد يطالبونه بـ”إنهاء المهمة”، التي فشل ديفيد بن غوريون -أول رئيس وزراء- بإتمامها، كما توجد احتمالية انسحاب بتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي- وهما الاثنان الأكثر تطرفًا في حكومته- كما هددا مرارًا وتكرارًا.

إن هذه الانتفاضة- وهي تشبه المظاهرات ضد الإصلاحات القضائية في العام الماضي- تمثل المحاولة الأخيرة بالنسبة للنخبة الأشكنازية الليبرالية. إنهم يشعرون بأنهم يفقدون السيطرة على البلاد التي بنوها؛ فقد فقدوا بالفعل السيطرة على الجيش وقوات الشرطة لصالح المستوطنين، ولم يتبقَّ لهم الكثير، ولقد شهد العام الماضي هجرة جماعية للإسرائيليين وأموالهم إلى أوروبا كإثبات لذلك.

لا يتصرف نتنياهو فقط من منطلق البقاء السياسي الشخصي، فهو أيضًا يشعر بأن إسرائيل على أعتاب ثورة يمينية، ولهذا السبب فإن غريزته السياسية تخبره بأن المخاطر عالية للغاية. وإذا حدث ذلك، فسوف يتعارض تمامًا مع رئاسة الولايات المتحدة الديمقراطية.

الكشف في الوقت الحقيقي:
وينبغي لبايدن أيضًا أن ينظر في المرآة إلى ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة؛ لقد حول نتنياهو اهتمامه إلى ثلاث بلدات في شمال الضفة الغربية، في عملية عسكرية واسعة النطاق أطلق عليها “عملية المخيمات الصيفية”، تهدف إلى فرض عمليات هجرة سكانية.

ولقد بدأت الهجمات على القوات الإسرائيلية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وخاصة في منطقة جنوب الخليل.. لقد قتل ٣ من الشرطة الإسرائيلية، ومطلق النار مهند العسود، العضو في حركة فتح وحارس أمن الرئيس الفلسطيني السابق.

ولم يكن مهند عضوًا في حماس أو الجهاد الإسلامي أو أي جماعة مقاومة محلية معروفة، بل إنه اتخذ قرارًا فرديًّا مفاده أن المقاومة هي الحل الوحيد للهجوم العسكري الإسرائيلي. وهناك مثله مئات الآلاف من الفلسطينيين المسلحين غير المنتمين لأي فصيل سياسي، في الضفة الغربية والأردن، توصلوا إلى النتيجة ذاتها.. علاوة على ذلك، تتصاعد التوترات بين الأردن وإسرائيل بشكل كبير.

ورافقت بداية الهجوم الإسرائيلي حرب كلامية بين وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس ونظيره الأردني أيمن الصفدي، حيث اتهم كاتس الأردن بالتساهل في تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية، ورد عليه الصفدي بأنه يكذب، وأن “الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة يشكلان أكبر تهديد للأمن والسلام”. وأضاف: “سنتصدى بكل ما أوتينا من قوة لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة أو خارجها”.

حريق هائل:
حاليًا، يتم التهيؤ مرة أخرى لعملية في الضفة الغربية المحتلة، قد تستمر طويلًا مثل قطاع غزة، ولا يملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس القدرة على إيقافها.

يقاوم المراهقون الفلسطينيون، مثل وائل مشاح وطارق داود- وقد ولدا بعد اتفاقية أوسلو، ولم يريا الانتفاضتين الأولى والثانية-؛ لقد قُتل وائل برصاصة أطلقتها طائرة بدون طيار فجر يوم 15 أغسطس/ آب الماضي، أثناء محاولته التصدي لهجوم إسرائيلي على نابلس.. وهناك آلاف آخرون مثله يتجهون إلى المعركة.

ومن بين المقاتلين الذين قتلتهم إسرائيل قائد كتيبة طولكرم محمد جابر، المعروف بـ”أبو شجاع”، ووصفته إسرائيل بأنه أبرز المطلوبين لديها، إلا أنه لم يكن يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، وولد بعد أربع سنوات من أوسلو، وسوف يلهم قتلُه كثيرين الانضمام إلى صفوف المقاومة، كما ألهمه آخرون سابقًا.

إن إسرائيل في قبضة مستوطنين قوميين ودينيين متطرفين، وهناك رئيس أمريكي يسمح لحليفه الرئيسي بأن يخرق سياسة دولته، حتى ولو أدّى ذلك إلى خطر خسارة انتخابات حاسمة، وهناك مقاومة لن تستسلم، وفلسطينيون في غزة لن يفرّوا، وفلسطينيون في الضفة الغربية يزحفون إلى الخطوط الأمامية؛ والأردن- ثاني دولة تعترف بإسرائيل- تشعر بأنها تحت تهديد وجودي.

بالنسبة لبايدن أو هاريس، فإن الرسالة واضحة للغاية، وهي أن التكاليف الإقليمية المترتبة على عدم الوقوف في وجه نتنياهو قد تفوق بسرعة الفوائد المحلية المترتبة على الانجراف معه.

Exit mobile version