مقالات
أخر الأخبار

لماذا يكرهوننا؟!

كريم الشاذلي

يولد متهماً بأنه منتمٍ إلى دين يحاربه العالم!. ثمة مؤامرة علينا.. وما الصهيونية العالمية، والماسونية الغربية، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن إلا أدوات نحارَب بها!

ويولد مضطرباً، إذ هو مع كل هذا العداء لا يملك شيئاً، لدرجة أنهم يعيّرونه بأنه لو اختفى هو ومن معه- المسلمون في الجملة- فلن يخسر العالم شيئاً، بل إنهم- زيادة في التحقير- يقولون إن العالم لن يشعر أصلاً أنّ ثمة شيئاً قد نقص.

ويولد تائهاً، إذ إن المسكين لا يدري.. أيحارب؟ يحارب من؟ من يكرهون دينه؟ يكرهونه لماذا؟ لأنه الدين الحق؟ ولماذا قد يكره الناس الدين الحق؟!

ويعيش المسلم تائها.. يحارب طواحين الهواء، يستنفرون بضاعته من العواطف كلما كان لها هدف، عندما يكون للموضوع قيمة ما، مستفيد ما، أو دفع ضرر ما، يخص أشخاص ما.. ثم يتركونه تائهاً حتى حين.

في صيف 1989، كتب المفكر الأمريكي ذو الأصول اليابانية “فرانسيس فوكوياما” مقالاً نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” بعنوان “الإنسان الأخير ونهاية التاريخ” يقول فيه- باختصار- إنه وبعد هزيمة الشيوعية والاتحاد السوفييتي، وصولاً لاعتراف ميخائيل جورباتشوف أن المنافسة هي أصل الاشتراكية، فإن علينا ببساطة إغلاق ملف الصراع، إذ إن هذه النقطة هي نهاية التاريخ، والاحتكام إلى الرأسمالية والقيم الليبرالية أصبح أمراً واقعاً، وانتصاراً نهائياً.

هذا المقال- الذي تحول إلى أطروحة وكتاب- صنع جدلاً كبيراً، إذ إنه لم يقل فقط إن الرأسمالية انتصرت، لكنه كان يرمي كذلك إلى أن الصراع انتهى؛ وبالتالي فإن الحروب، وميزانية التسليح، والجيوش، لم يعد لها أهمية! إذ من سنحارب وقد انتهت الحرب؟

لم يحتج الأمر إلى وقت طويل قبل أن يرد عليه أستاذه الجامعي “صامويل هنتنجتون” بنظرية صراع الحضارات، التي تقول إن الصراعات بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيس للنزاعات بين البشر في السنين القادمة، وأكد على أن الإسلام بشكل رئيس هو العدو الأول، الذي يجب ألا ننساه أبداً، يليه التنين الصيني، غير أن الإسلام له الأولوية!

لماذا؟! يجيب هنتنجتون بأن الواقع يغني عن التحليل، يتهمنا بأننا لا نحسن الحب والحوار!؟ وأننا شعوب مبنية على أيديولوجيا حدية الرؤية، لا تحب الناس، ولا تندمج معهم، وصراعاتنا الداخلية تؤكد ذلك، ومشاكلنا الشخصية تبرهن عليه، وحالنا كما ترى!

ولقد لاقت هذه النظرية استحساناً عالمياً، ونقداً من بعضهم، نقداً قائماً على أنه حتى لو كان الأمر كذلك، فالحوار قد يكون بديلاً عن الصدام، والحضارة الإسلامية- والصينية كذلك- تحمل في جوهرها ما يمكن أن يفيد الإنسانية، ويضيف للعالم، وأن نظرية التصادم الحتمي تلك ليست سوى ذريعة لاستكمال مسلسل الاستعمار، ومبرر للقوي كي يستمر في سحق الضعيف، واستغلاله.

وأقول: إن “صامويل هنتجتون” صدق في كلامه، رغم كذب تحليله!

صدق، لأن الإسلام- نعم- خصم غير قابل للترويض، لكنه ليس خصماً للعالم، ولا حتى لمن يعبدون غير الله! هؤلاء في شرع الإسلام مساكين، كان النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم “باخع نفسه”- أي يجهد نفسه إجهاداً يهلكها من أجل هدايتهم- لكن الإسلام خصم لقيم الرأسمالية، والنيوليبرالية، وصيحات الأنانية والفردانية، وشره الشراء، وكثير من آليات السوق الحر.

الإسلام ليس الشيوعية أو الاشتراكية، لا.. الإسلام شيء أكثر صعوبة من ذلك..

الإسلام ليس خيالياً حالماً، هو لا يتنكر لنوازع الإنسان وخواصه، لكنه يهذبها، ويصل به إلى معادلة منطقية تليق ببشريته، فلا هو يحارب طموحه كالاشتراكية، ولا هو يسمح له بامتلاك أعناق الناس كالرأسمالية.

الإسلام واضح كشعاع الشمس، وصامويل هنتجتون أدرك ما لم يدركه كثير من المفسرين وهم يفسرون قول الله تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمنوا إنَّ كَثيرًا من الأحبار والرُّهبان ليأكلون أموال النَّاس بالباطل ويصدُّون عن سبيل اللَّه ۗ والَّذين يكنزون الذَّهب والفضَّة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشِّرهم بعذابٍ أليمٍ}.. أدرك الرجل أن الإسلام- الحقيقي- يعرف أين هي أرض المعركة، وعلى ماذا يتصارع الناس ..إنه المال لا الله!

إنهم يكرهون الإسلام ليس لأن لديهم مشكلة مع الدين الحق، وإنما لأن الإسلام- إن فهمه الناس- سيصبح خطراً حقيقياً عليهم، إذ إن المنظومة الإسلامية تضادّ بشكل كامل قيم الرأسمالية، وتهدد عرش من يحكمون العالم.

بمنطق يليق بالدين الحق، يستطيع الإسلام أن يكبد هذه المنظومة خسائر كبيرة، لن يحتاج المسلمون وقتها إلى تسليح قدر ما سيحتاجون إلى يقين، يقين لا يشبه أي يقين عرفوه من قبل!. ووالله ليس في الأمر تضخيم للذات، هذه هي الحقيقة، نحن خطر عليهم!

والسؤال المنطقي؟ كيف يخاف القوي من الضعيف؟ وهل هؤلاء المسلمون التائهون يملكون القدرة على تهديد أحد!؟ والإجابة أننا لسنا- نحن- وجه الخطر، الخطر الحقيقي أن الإنسان الذي صنعته الرأسمالية، وغلفته بقيم الحرية والليبرالية، وعمدت إلى روحه فأنهكتها، وحولته لحيوان استهلاكي يعشق اللذة، ويطمح للمزيد، هذا الإنسان سينقلب عليه ذات يوم.. ولا ملاذ وقتها إلا لمنهج يراعي الإنسان بكل أبعاده، لا ملاذ حينها إلا الإسلام.. ولهذا هو خطر!

نعود إلى السؤال.. لماذا يكرهوننا؟!

لأننا الخصم القادر على تهديدهم، ولأن ضعفنا هذا لم يخدعهم، ولأن القضاء علينا مستحيل، وعليه لن يملوا منا أبداً.. العالم الليبرالي الحر، الذي نهض من ظلامه دون أن يجد عائقاً خارجياً يضغط على رأسه، لم يتركنا في حالنا ساعة.. ثم ها هو يستشهد ببؤسنا!

عندما قامت أوربا لتصرخ في وجع وتثور على الظالمين لم نكن حضوراً وقتها، لكنهم حضور في ظلامنا، جزء أصيل من استمراره، خصم واضح يؤيد كل طاغية، ويساند كل جبار، ويتحكم في القوت، والقرار، والموقف، ثم يقف متأنقاً ليشير إلينا ويتهمنا بأننا خطر، لأننا- ببساطة- همج رعاع!

لا بأس.. لا بأس.. لقد ربحتم هذه الجولة، وإلى أن يعي المسلمون حقيقة المعركة، يكفيني أن كلانا يعلم أن الكراهية أمر لا بد منه، كلانا يكره الآخر..

كلانا يعرف أن المعركة الحقيقية هي على الإنسان وما يملك.. وليست على الإنسان وما يعبد!

والأيام دول.. والصبح قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى