

غزة – متابعة الوعل اليمني
أعلنت مؤسسة “غزة الإنسانية” الأمريكية، المعروفة باسم GHF، الاثنين الماضي، عن انتهاء مهمتها في قطاع غزة بعد أشهر من العمل الإغاثي، وسط جدل واسع وانتقادات محلية ودولية بشأن آليات توزيع المساعدات وأثرها على المدنيين. ورغم تصريحات المؤسسة الرسمية التي أكدت أنها وزعت أكثر من 187 مليون وجبة غذائية، كشفت شهادات المواطنين وتقارير حقوقية وأممية عن مأساة حقيقية عاشها سكان القطاع.
خلفية المؤسسة
دخلت المؤسسة إلى غزة في مايو/أيار 2025 بعد فرض إسرائيل قيودًا صارمة على عمل الوكالات الدولية، وأوضحت المؤسسة أن عملياتها تمت عبر أربعة مراكز توزيع فقط مقارنة بأربعمائة مركز تابع للأمم المتحدة. وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، جون أكري إن المؤسسة كانت الوسيلة الوحيدة لتوزيع الغذاء على نطاق واسع بأمان، مشيرًا إلى أن عملها كان مؤقتًا وموجهًا لتلبية الحاجة الملحة للمدنيين. ومع ذلك، كشفت الوقائع على الأرض أن المراكز لم تكن آمنة، وأن المدنيين تعرضوا لمخاطر مباشرة أثناء سعيهم للحصول على المساعدات.
شهادات المواطنين
متابعة “الوعل اليمني” كشفت عن شهادات السكان التي أعادت تسليط الضوء على معاناة المدنيين. وقال ناشطون إن المؤسسة “دخلت غزة باسم الإغاثة وغادرتها متهمة بأنها كانت أشد قسوة من القذائف”، معتبرين أن مراكز التوزيع تحولت إلى “مصائد موت” للمدنيين الباحثين عن الغذاء.
وأضاف ناشط آخر أن المؤسسة مثلت “كارثة إنسانية وتاريخية، بعدما تحولت إلى مصائد موت يومية للمدنيين المجوعين، وتورطت في دماء آلاف الضحايا الذين قُتلوا بالرصاص الحي أثناء محاولتهم الحصول على الطعام”. وأشار المواطنون إلى أن العمليات الإغاثية افتقرت إلى الشفافية وأدت إلى فوضى وارتفاع الأسعار، في حين عاش السكان لحظات من الإذلال والمعاناة أثناء انتظارهم الحصول على لقمة خبز.
أرقام الضحايا
وأظهرت بيانات وزارة الصحة في غزة ومنظمة “ذا نيو هيومانتاريان” أن عمليات التوزيع أدت إلى سقوط ما لا يقل عن 2957 شهيدًا و 19866 جريحًا خلال الأشهر التي نشطت فيها المؤسسة. وأكدت الوزارة أن أكثر من 1213 فلسطينيًا استشهدوا نتيجة إطلاق النار المتعمد من قناصة الاحتلال الإسرائيلي عند محيط مراكز التوزيع. ووصف الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة، هذه الأحداث بأنها “قتل للجياع تحت لافتة خدمة الإنسان”، مؤكدًا أن عمليات التوزيع تحولت إلى مصائد جماعية تستهدف المدنيين.
الانتقادات الأممية
تعرضت المؤسسة لانتقادات شديدة من خبراء أمميين، الذين أكدوا أنها “استُغلت لأغراض عسكرية وجيوسياسية سرية”، ودعوا إلى حلها. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن مئات الفلسطينيين قُتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات من مراكز المؤسسة، فيما أكدت لجنة خبراء أن آليات التوزيع لم تلتزم بالمعايير الإنسانية، ما يعكس تهديدًا مباشرًا على المدنيين.
موقف حماس
فيما أكدت حركة حماس أن المؤسسة كانت جزءًا من المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وأن آليات توزيعها خلقت ظروفًا خطرة ومهينة للفلسطينيين الباحثين عن الطعام، ما أدى إلى استشهاد وإصابة الآلاف. وأوضحت الحركة أن كل مشروع يعمل مع الاحتلال وينفذ سياساته مصيره الانهيار، داعية المؤسسات القانونية والمحاكم الدولية إلى ملاحقة المسؤولين عن المؤسسة ومحاسبتهم على الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، حمايةً للإنسانية من تكرار هذه المأساة.
الموقف الدولي
على الصعيد الرسمي، أشادت الإدارة الأمريكية بالمؤسسة، معتبرة أن نموذج عملها ساعد في دفع حماس إلى طاولة المفاوضات وتحقيق وقف إطلاق النار. وأكدت المؤسسة بدورها أن هدفها كان تلبية الحاجة الملحة وأنها ستعتمد وتوسع نموذج عملها مع منظمات دولية أخرى، على الرغم من الانتقادات الواسعة الموجهة لها.
تقييم شامل
تشير الوقائع إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية، تحت غطاء العمل الإغاثي، تحولت إلى أداة سياسية وأمنية، عرضت المدنيين للخطر وأثقلت كاهل القطاع بمأساة إنسانية غير مسبوقة. وتوضح شهادات المواطنين والتحليلات الحقوقية والأرقام الموثقة أن عمل المؤسسة لم يكن محايدًا أو آمنًا، وأن التجربة تركت إرثًا من الموت والفوضى وانتهاك كرامة الإنسان.
رغم الادعاءات الرسمية حول “نجاح المهمة الإنسانية”، تثبت الوقائع أن مؤسسة غزة الإنسانية كانت فخًا قاتلًا للمدنيين الباحثين عن الغذاء، وأن تدخلها لم يكن مجرد إخفاق لوجستي، بل كارثة إنسانية حقيقية. وتشير البيانات إلى أن أي نموذج مشابه مستقبلي يجب أن يخضع لمعايير إنسانية صارمة، شفافية كاملة، ومراقبة دولية مستقلة لتجنب تكرار مأساة “مصائد الموت” التي خلّفت آلاف الضحايا والجرحى في قطاع غزة.






