مئات السوريين يطالبون بإقامة دولة مدنية وإشراك النساء

خرج مئات السوريين في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق، الخميس، في أول احتجاج بعد رحيل بشار الأسد، رافعين شعارات تُطالب بإقامة دولة مدنية تضم جميع المكونات وبمشاركة النساء، وتدعو إلى مؤتمر وطني عام، وذلك وسط جدل وتساؤلات بشأن شكل النظام السياسي الجديد في سوريا.

وفي مشهد لم يعتد عليه السوريون في ظل القبضة الأمنية التي هيمنت على البلاد لعقود تحت حكم النظام السابق، تجمّع المئات من الرجال والنساء من مختلف المناطق والشرائح الاجتماعية، خلال مظاهرة في دمشق، رُفع خلالها علم الاستقلال ولافتات تحمل شعارات مثل “سوريا حرة مدنية” و”نحو دولة قانون ومواطنة”.

وجاء الاحتجاج بعد دعوات أطلقها قبل أيام تجمع شبابي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل “المطالبة بنظام سياسي لا مكان فيه للتشدد الديني”، ويضمن حقوق الجميع، بما في ذلك المرأة، في الحياة العامة والسياسية.

وكانت تصريحات للمتحدث باسم الإدارة السياسة التابعة لفصائل المعارضة السورية، عبيدة أرناؤط، خلال مقابلة تلفزيونية، حول دول المرأة في المناصب الحكومية في سوريا، أثارت استياءً واسعاً، إذ اعتبر أن “كينونة المرأة تمنعها من ممارسة بعض المهام مثل تولي منصب وزارة الدفاع”، وهو ما دفع الكثيرين إلى التعبير عن رفضهم لهذا الموقف.

ودعا المشاركون في الاعتصام إلى عقد مؤتمر وطني، يُمثل كافة الشرائح والمكونات السورية، وتشكيل لجنة من الكفاءات تقوم بكتابة دستور مدني للبلاد على أساس المواطنة والمساواة.

وتحدث بعض المشاركين في الاعتصام لـ”الشرق” حول دوافع خروجهم وتطلعاتهم للمرحلة المقبلة في سوريا، وقالت منيرة جابر، وهي موظفة متقاعدة: “أنا حاضرة هنا لأننا نشعر بأن كل نساء ورجال سوريا يجب أن يكونوا هنا، وهذه المرة الأولى التي نشعر فيها أن لدينا وجوداً حقيقياً، حيث نُعبّر عن آرائنا ونسمع بعضنا”.

وأضافت: “سوريا الجديدة يجب أن تكون للجميع، وهذا حقنا. المرأة يجب أن يكون لها دور كبير في العمل السياسي، وأنا أشجع كل امرأة أن تعبر عن رأيها”.

وهتف المتظاهرون لوحدة الشعب السوري، مؤكدين على “مدنية الدولة الجديدة”.

“لا للإقصاء.. نعم لمشاركة الجميع”

وشددت هتافات وشعارات المحتجين في ساحة الأمويين على “رفض سياسة الإقصاء”، والتأكيد على مشاركة جميع الفئات والمكونات السورية في بناء النظام الجديد.

ويعتقد أحمد مالك، وهو مدرس لغة إنجليزية: أن القرارات المستقبلية يجب أن تكون شاملة لجميع الأطراف السورية، بدون إقصاء لأي طرف، معتبراً أن “التشاركية هي السبيل الوحيد لبناء سوريا ديمقراطية”.

وقال “لا يحق لأي شخص أو جماعة أن تُقصي غيرها، سواءً داخل البلد أو خارجه. من يرفض مشاركة الآخرين، يقوم برسم ملامح ديكتاتورية ناعمة. لا يمكن أن نسمح لأي جهة أن تهيمن على المشهد السياسي في سوريا. يجب أن نكون جميعاً شركاء في رسم ملامح المستقبل، ولن نسمح لأي طرف أن يفرض إرادته على الآخرين”.

وأكدت مطالب المحتجين في الاعتصام وسط العاصمة دمشق بضرورة وجود دور فاعل للنساء في العملية السياسية.

ورفع المشاركون لافتات تقول “لا وطن حراً دون نساء أحرار”، مؤكدين ضرورة إحداث تغييرات في الوضع السياسي والاجتماعي، بحيث تشهد سوريا الجديدة احتراماً أكبر لحقوق المرأة.

ويرى رامي رحال، الموظف في مديرية الاتصالات، أن “سوريا ليست مجرد أرض، بل هي مزيج من ثقافات وأديان وأعراق”.

وتابع: “نريد أن نعيش جميعاً بسلام، بدون إقصاء أحد، مع احترام التنوع الديني والمجتمعي. كما أنه لا يمكن للحرية أن تتحقق في سوريا إذا لم تُحترم حقوق المرأة، ويتم فصل الدولة عن الدين”.

“التعددية الدينية”

كما أكد المتظاهرون ضرورة احترام التعددية الدينية في سوريا. وأشار محمد بشار وهو مهندس مدني يعمل في إحدى الشركات الخاصة إلى أن “المستقبل يجب أن يضمن أن يكون الحكم مدنياً، لا دينياً، وأن تكون هناك حرية في تشكيل الأحزاب السياسية من جميع الأطياف”.

وأضاف: “إذا كانت هذه الحكومة المؤقتة صادقة في نواياها، عليها أن تضع أمام أعينها هدف بناء نظام يضمن حرية العمل السياسي والاختيار الديمقراطي”.

وردد المتظاهرون شعارات تطالب بالمواطنة و”بفصل الدين عن الدولة”، مشددين على ضرورة مشاركة الشباب في بناء النظام الجديد في سوريا، ورفضوا ما وصفوه بـ”سياسة الإقصاء”.

وقال خالد شهاب الدين، الذي شارك في المظاهرة “نحن نريد دولة قانون، وليس دولة تحكمها الأهواء الدينية أو الطائفية. يجب أن يكون كل سوري قادر على التعبير عن رأيه، والمشاركة في صنع القرار”.

وعن الوضع السياسي الحالي، رأى خالد أن هناك “حالة من التخبط في الحكومة المؤقتة”، وأضاف: “لا يجب أن تغيب الثقة بين الشعب والمسؤولين. يجب أن نبحث عن حلول حقيقية”.

عيون شاخصة على المستقبل

لم يمضِ على سقوط نظام الأسد سوى 12 يوماً، وبينما لا تزال الاحتفالات مستمرة بنهاية حقبة طويلة من الظلم والاستبداد، إلا أن القلق بدأ يتسرب إلى البعض حيال مستقبل البلاد، ولهذا وجد المشاركون في احتجاج ساحة الأموييين، كما ذكروا لـ”الشرق”، أنه من الضروري إسماع أصواتهم ونقل مخاوفهم إلى السلطات الجديدة.

ويأمل أحمد مالك أن يكون المستقبل أفضل، لكن هذا يشترط “توافق إرادة الشعب حول تحقيق التغيير الحقيقي”، بحيث تكون سوريا للجميع.

وقال رامي نضال، وهو أحد منظمي الاحتجاج أن هذا الحراك “ليس ضد أي جهة أو شخصية، بل هو دعوة للتواصل بين الشباب المدني السوري من أجل بناء خطة مستقبلية، تعكس آمالهم وأحلامهم، وقال: “نحن لا نعارض أحداً، ولا نبحث عن مصالح شخصية. هدفنا هو بناء سوريا مدنية حرة، قائمة على مبدأ الشراكة الحقيقية بين الجميع. لا مكان هنا للخطابات التحريضية أو العدائية تجاه أي طرف أو فصيل”.

وأضاف: “نحن نبحث عن سوريا حيث تكون الحريات هي الأساس، والجميع سواسية أمام القانون، بعيداً عن أي تمييز ديني أو طائفي”.

كما تحدث سامر عبد الله، وهو أحد الموجودين في ساحة في الأمويين أن الخروج في مظاهرة لم يكن متاحاً في ظل النظام السابق، لافتاً إلى أنه كان متردداً في البداية “كنت خائفاً من أن يقتحم عناصر إدارة العمليات العسكرية المظاهرة، لكن هذا لم يحدث وأكملنا احتجاجنا بسلام، دون أي تدخل، وهذا أثبت أن هناك أمل في التغيير”.

شكل الحكم

وكان قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، اعتبر أن الحديث عن النظام السياسي في سوريا سابق لأوانه، منوهاً إلى وجود لجان مختصة تعمل على صياغة القانون والدستور، وتحديد الشكل النهائي للحكم.

وقاد الشرع هجوماً شنه تحالف مكون من فصائل المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” أطاح بنظام الرئيس السابق بشار الأسد قبل أقل من أسبوعين، ويُعد حالياً الحاكم الفعلي لسوريا.

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، أجراها في القصر الرئاسي بدمشق، نفى زعيم “تحرير الشام” رغبته في تحويل سوريا إلى نسخة من أفغانستان، لافتاً إلى أن البلدين “مختلفان للغاية، ولكل منهما تقاليد مختلفة”، فيما وصف أفغانستان بأنها “مجتمع قبلي، أما في سوريا فتوجد عقلية مختلفة”.

وعن تعليم النساء، قال إنه “يؤمن بتعليم النساء، إذ كانت لدينا جامعات في إدلب منذ أكثر من 8 سنوات. أعتقد أن نسبة النساء في الجامعات تزيد عن 60%”.

وعند سؤاله عن السماح باستهلاك الكحول في سوريا، أجاب الشرع: “هناك أشياء كثيرة لا أملك الحق في الحديث عنها لأنها قضايا قانونية. ستكون هناك لجنة سورية من الخبراء القانونيين لكتابة دستور، وهم من سيقررون. وسيكون على أي حاكم أو رئيس الالتزام بالقانون”.

Exit mobile version