ماذا يستفيد الحوثيون من ضرباتهم على سفن البحر الأحمر؟

تعكس الضربات الأمريكية في اليمن تخبطًا في السياسة الإستراتيجية، مع استمرار تأثير الحوثيين على الملاحة والتوترات الإقليمية.

تصاعد التوتر في اليمن – تأثير الضربات الأمريكية وتحديات المنطقة

أعلن المسؤولون الأمريكيون نجاحهم، بعد ضرب حوالي 60 هدفًا في اليمن تابعة للمسلحين الحوثيين نهاية الأسبوع الماضي؛ وقال الفريق دوجلاس سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة، يوم الجمعة، إن الولايات المتحدة “واثقة تمامًا” من نجاحها في إضعاف قدرة الحوثيين على مواصلة مهاجمة السفن في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات بدون طيار، وهي حملة أطلقتها الجماعة اليمنية ردًا على القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

لكن شريحة كبيرة من سفن الشحن العالمي لا تزال تتجنب نقاط العبور عبر البحر الأحمر، التي تقع في نطاق هجمات الحوثيين. ويبدو أن الحوثيين أنفسهم لم ينحنوا بعد هجمات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وفي المسيرات والتظاهرات التي نُظمت خلال عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة اليمنية صنعاء، ورد أن أنصار الحوثيين هتفوا: “نحن لا نهتم ولتكن حرباً عالمية”.

استمرار التحديات الحوثية، والروابط مع إيران

يوم الاثنين، ضرب الحوثيون سفينة حاويات تملكها وتديرها الولايات المتحدة في خليج عدن.. الحوثيون، المعروفون رسميًا باسم “جماعة أنصار الله”، يشكلون حركة متمردة سيطرت على صنعاء في عام 2014، وقد ازدادت روابطهم الأيديولوجية والتكتيكية مع النظام الديني في إيران بشكل أوثق في السنوات التي تلت ذلك، في حين انهار اليمن تحت وطأة حرب أهلية وحشية، شهدت قيام الحوثيين بمواجهة التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي كان مسلحًا ومدعومًا أيضًا من الولايات المتحدة.

وبينما لا يزال اليمنيون يواجهون الانهيار الاقتصادي والكارثة الإنسانية مترامية الأطراف، فإن الحوثيين يسيطرون على مساحات واسعة من البلاد، ويهددون جيرانهم في الخليج بضربات صاروخية وطائرات بدون طيار، ويمكنهم بسط قوتهم على أحد أهم الممرات البحرية الإستراتيجية في العالم.

ويؤكد المحللون أن هذه المرحلة الجديدة من الأعمال العدائية قد تقوي الحوثيين، بدلاً من إضعافهم، في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة حماس الفلسطينية على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، وقيام إسرائيل بعملية غير مسبوقة من حيث حجمها وشراستها، أدت إلى تحويل جزء كبير من غزة إلى أنقاض، وأسفرت عن مقتل أكثر من 23 ألف شخص، وانهيار الوضع الاقتصادي لسكان غزة.

والحوثيون يُعدّون جزءًا مما يسمى “محور المقاومة“، وهو شبكة من الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي حين يبدو أن الميليشيات مثل حزب الله اللبناني ترغب في تجنب التصعيد المباشر مع إسرائيل، فقد دفع الحوثيون أنفسهم إلى دائرة الضوء من خلال ارتداء عباءة القضية الفلسطينية، ويصرون على أن أعمالهم في البحر الأحمر ستتوقف عندما توقف إسرائيل قصفها على غزة.

يقول لوران بونفوا، الباحث المختص بشؤون اليمن في معهد العلوم السياسية في باريس، “إنهم يحصلون على ما يريدون، وهو الظهور كأجرأ لاعب إقليمي عندما يتعلق الأمر بمواجهة التحالف الدولي، الذي يؤيد إسرائيل إلى حد كبير، ولا يهتم بالناس في غزة”، وهذا يولد شكلاً من أشكال الدعم لهم، على المستوى الدولي وكذلك الداخلي”.

إن التعاطف مع الفلسطينيين يتجاوز الصراع الداخلي والخصومات التي تقسم اليمن، وبالتالي فإن الحوثيين يحشدون بعض النوايا الحسنة حتى من اليمنيين الذين لا يدعمونهم، وحتى – علاوة على ذلك- من أعدائهم المعلنين، بما في ذلك حكومات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين تجنبوا تأييد الحملة الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين، محذرين من التصعيد.. إن قدرة الحوثيين الآن على الصمود أمام الضربات الجوية الدولية هي وسام و”ريشة أخرى” في قبعاتهم.

وقال مصطفى نعمان، وهو محلل يمني وكاتب ودبلوماسي سابق، في مؤتمر صحفي في تشاتام هاوس في ديسمبر/ كانون الأول: أعتقد أنهم يحلمون بأن يهاجمهم الأمريكيون أو الإسرائيليون، لأن ذلك سيحولهم إلى قوة “مقاومة” حقيقية في الوقت الذي كانت فيه القوى الغربية تركز بشكل أكبر على الأعمال الدفاعية في البحر الأحمر.

لقد تكيف الحوثيون منذ فترة طويلة مع وجودهم في مرمى القوى الأجنبية. ومن غير الواضح ماهية رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا -القوة الغربية الكبرى الأخرى التي شاركت في ضربات الأسبوع الماضي- في إطلاق حملة منسقة لزيادة تقليص قدرات الحوثيين.

ربما يحسب الحوثيون أنه من غير المرجّح، بعد أن صمدوا لمدة سبع سنوات من القصف الجوي السعودي على مدار الحرب الأهلية اليمنية، أن يؤدي الهجوم الجوي الأمريكي على أهداف يمنية إلى إلحاق المزيد من الأضرار الجسيمة، أو أن الضربات التي تصيب معداتهم أو منشآتهم قد تؤدي إلى تفاقم هذه الأضرار. ولاحظ جيرالد فايرستين، سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن، أن هذه المعدات لا يمكن إصلاحها أو استبدالها بسرعة.

وأضاف فايرستين: “علاوة على ذلك، فإن هجوم الولايات المتحدة (أو غيرها) على أهداف عسكرية للحوثيين من شأنه أن يؤكد، من وجهة نظر الحوثيين، صحة دعايتهم بأنهم يقاتلون على الخطوط الأمامية لدعم الفلسطينيين، وأن عملياتهم تنجح في تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها”.

وفي الواقع، فإن حرب غزة وتداعياتها – كما أشارت مجموعة الأزمات الدولية- “وفرت للحوثيين فرصة لتفادي الضغوط الشعبية المتزايدة، بشأن ممارساتهم في الحكم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومكنتهم من قمع المعارضة لحكمهم، من خلال اعتقال المعارضين في تلك المناطق بتهمة التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة”.

وفي واشنطن، يشكك المحللون من مختلف الأطياف السياسية في إستراتيجية إدارة بايدن في ما يتعلق بالحوثيين، وقد سخِر الصقور داخل الإدارة الأمريكية من النهج المحدود للحملة الحالية، والتي وصفها إليوت كوهين من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بأنها “القصف العلاجي” الذي ظهر الأسبوع الماضي، والذي قد لا يفعل الكثير على المدى الطويل لإضعاف قدرات الحوثيين أو حلِّهم. وقال كوهين: “استبدال الأشخاص أصعب من استبدال الأشياء، وغرس الخوف أكثر فعالية من الحلم بالردع”، داعيًا إلى شن ضربات تسفر عن مقتل المزيد من أفراد الحوثيين، وكذلك عملاء وحلفاء إيران.

استمرار هجمات الحوثيين على أهداف الشحن الدولي هذا الأسبوع، دعا بن فريدمان إلى الإعراب بوضوح عن إحباطه؛ وبن فريدمان هو مدير السياسات في مؤسسة “أولويات الدفاع”، وهي مؤسسة فكرية تدعو إلى نهج ضبط النفس في السياسة الخارجية الأمريكية؛ وقال بن فريدمان إن إدارة بايدن “لم تعد تعرف ما إذا كانت ستتراجع وتبدو عاجزة، أو تصعّد بلا جدوى”. وأضاف: “إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو الدبلوماسية”.

مدونة العرب نقلًا عن واشنطن بوست | إيشان ثارور

Exit mobile version