الأخبار المحلية
أخر الأخبار

ماذا يعني مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة؟

في خطوة لافتة تعكس تحولًا جوهريًا في الموقف الدولي من الملف اليمني، طالبت الولايات المتحدة الأميركية مجلس الأمن الدولي بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA)، متهمة إياها بتجاوز صلاحياتها وعدم فاعليتها، مؤكدة أن البعثة “مُكلَّفة بقيادة لجنة معطلة والإشراف على أنشطة تعطلت منذ زمن، وقد آن الأوان لإنهاء مهمتها”.

هذه المطالبة لا يمكن فصلها عن تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، كما أنها تحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد نقد بعثة أممية، لتصل إلى حدود التشكيك في جدوى اتفاق ستوكهولم الموقع عام 2018، وفتح الباب أمام مقاربة جديدة للتعامل مع التهديد الحوثي، خصوصًا في السواحل الغربية الحيوية لليمن.

في هذا التحليل، نستعرض أبعاد هذه المطالبة الأميركية، ودلالاتها السياسية والعسكرية، ونناقش ما إذا كانت تمهد فعلاً لنهاية اتفاق ستوكهولم، وبداية مرحلة جديدة أكثر حسمًا في التعاطي مع ملف الحديدة والتهديدات البحرية في البحر الأحمر.

أولاً: السياق العام

جاءت مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA) في لحظة مفصلية، عقب تصعيد حوثي جديد تمثّل في استهداف وإغراق سفينتين في البحر الأحمر، ما أدى إلى سقوط قتلى ومفقودين من طواقهما.

كما جاء بعد يومين، من نشر تحقيق أجرته شركة “لويدز ليست” البريطانية المتخصصة في الشؤون البحرية، كشفت فيه أن ناقلة النفط العملاقة “يمن” – والتي كانت تُعرف سابقًا باسم “نوتيكا” وجرى شراؤها كبديل لناقلة “صافر” المتهالكة – قد تحولت فعليًا إلى مخزن عائم للحوثيين يستخدمونه لتخزين النفط الروسي، بينما تتحمل الأمم المتحدة نفقات تشغيلية وفنية تصل إلى نحو 450 ألف دولار شهريًا.

وفي تعليق لافت، قال إيان رالبي، الرئيس التنفيذي للشركة الدولية للأمن البحري (IR Consilium): “في الواقع، ناشدت الأمم المتحدة العالم للتبرع وتمويل ما أصبح في النهاية هدية للحوثيين”، مضيفًا أن “النوايا الحسنة وسوء التخطيط من قبل الأمم المتحدة أديا إلى نتائج كارثية، منحت الحوثيين فرصة جديدة لجني الأموال وتمويل عملياتهم الحربية في البحر الأحمر”.

وبالتالي فإن المطالبة بإنهاء مهمة البعثة الأممية في هذا التوقيت ليس عابرًا، بل يعبّر عن تحوّل نوعي في المقاربة الأميركية – وربما الغربية عمومًا – تجاه الدور الأممي في اليمن، وتحديدًا في السواحل الغربية التي باتت تمثل نقطة تماس بحرية وأمنية شديدة الحساسية.

ثانيًا: دلالات القرار الأميركي

  • إعلان وفاة اتفاق ستوكهولم عمليًا

اتفاق ستوكهولم الذي وقع عام 2018 بين الحكومة اليمنية والحوثيين كان يهدف إلى تجنيب مدينة الحديدة وموانئها حربًا شاملة، عبر ترتيبات أمنية بقيادة أممية، تقضي بانسحاب الحوثيين من الموانئ وإعادة انتشار القوات.

 لكن هذا الاتفاق ظل حبرًا على ورق، بعد أن استولى الحوثيون على الموانئ من الداخل تحت غطاء “قوات خفر السواحل” التابعة لهم، وشلّوا عمل لجنة التنسيق المشترك التي تقودها البعثة الأممية.

إن مطالبة واشنطن بإنهاء مهمة (UNMHA) تعني أن هذا الاتفاق فشل في تحقيق أهدافه، وأن المجتمع الدولي – وتحديدًا واشنطن – لم يعد مستعدًا للاستمرار في تغطية هذا الفشل سياسيًا.

  • تشكيك في حيادية البعثة ودورها

وصفت السفيرة الأميركية دوروثي شيا البعثة بأنها تجاوزت صلاحياتها، وأصبحت تقود لجنة “معطلة”، مما يشير إلى فقدان الثقة الأميركية بدور الأمم المتحدة كوسيط نزيه أو كجهة ضامنة لتثبيت الأمن في الحديدة.

هذا الاتهام ليس جديدًا؛ فهناك منذ سنوات اتهامات للبعثة بالتساهل مع خروقات الحوثيين، وغض الطرف عن استخدام الموانئ لأغراض عسكرية.

  • مقدمة لتغيير قواعد الاشتباك

إنهاء بعثة الحديدة قد يمهد الطريق لإعادة تعريف قواعد الاشتباك في الساحل الغربي. فغياب “المراقبة الأممية” سيعني عمليًا فكّ القيود عن أي تحرك عسكري – سواء من قبل القوات اليمنية المشتركة أو بدعم خارجي – لاستعادة الموانئ أو ضرب البنية التحتية التي يستخدمها الحوثيون في تنفيذ هجماتهم البحرية.

ثالثًا: العلاقة بين القرار وتصعيد الحوثيين

  • التصعيد البحري الحوثي كعامل محفز

استهداف الحوثيين لسفن مدنية وغرق سفينتي “ماجيك سيز”، “إيترنيتي سي” أحرج المجتمع الدولي، وكشف هشاشة الاتفاقات السابقة، خصوصًا أن الهجمات باتت تهدد الملاحة العالمية مباشرة.

الولايات المتحدة ترى في ذلك تجاوزًا للخطوط الحمراء، يتطلب ردًا حازمًا يتجاوز الإدانة، خاصة  أن الهجمات جاءت رغم الاتفاق الأخير الذي توصّل إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الجماعة الحوثية.

  • إيران في الخلفية

أشارت واشنطن صراحة إلى أن إيران تمكّن الحوثيين من مهاجمة إسرائيل وتهديد شركاء واشنطن في الخليج، وهذا يربط بين الجبهة اليمنية والجبهات الإقليمية الأخرى. وبالتالي، فإن إنهاء البعثة يُعد رسالة إلى طهران بأن الولايات المتحدة قد تفتح الباب لرد عسكري أشد، ضمن استراتيجية “كبح التمدد الإيراني”.

رابعًا: التداعيات المحتملة

  • عملية عسكرية في الحديدة؟

قد يكون القرار تمهيدًا لتخلي المجتمع الدولي عن الحياد السلبي، وبالتالي السماح للقوات اليمنية المدعومة من التحالف بإطلاق عملية عسكرية لاستعادة الحديدة وموانئها.

  • تحرّك غربي منسق

الموقف البريطاني المتشدد ضد هجمات الحوثيين، وتأكيده على ضرورة فرض حظر السلاح، يشي بتقارب مواقف لندن وواشنطن، وربما وجود تحرك غربي منسق يهدف إلى تقليم أظافر الحوثيين بحرًا، عبر فرض عقوبات أشد أو عبر عمليات عسكرية نوعية تبعد الحوثيين عن سواحل الحديدة.

  • نهاية مرحلة “المجاملات” الأممية

لأول مرة منذ توقيع اتفاق ستوكهولم، يتم الحديث بوضوح عن فشل بعثة أممية وتجاوزها لصلاحياتها. وقد يمثل ذلك نهاية مرحلة “التجميد الدولي” التي وفّرت للحوثيين مظلة للتمدد والتسليح والتحكم بموانئ استراتيجية دون مساءلة.

خلاصة:

مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء بعثة الأمم المتحدة في الحديدة هي إعلان ضمني بانتهاء اتفاق ستوكهولم، ومؤشر على تغير جذري في السياسة الأميركية تجاه الحوثيين، وتهيئة لمشهد عسكري جديد على السواحل اليمنية.

هذا التحول يعكس إدراكًا أميركيًا–بريطانيًا متأخرًا بأن تجاهل الخطر الحوثي في البحر الأحمر لم يعد خيارًا، وأن الاستراتيجية القادمة قد تحمل طابعًا أكثر صرامة، سواء في السياسة أو في الميدان.

يمن شباب

زر الذهاب إلى الأعلى