تعد الحبكة من الشروط الفنية المهمة التي تتوفر عليها النصوص السردية، (القصة القصيرة، الرواية، وأدب السيرة الذاتية)، وتعني الحبكة ببساطة، ضبط الشيء وإتقانه، مما يساعد على إيجاد التشويق في النص السردي، والحبكة عنصر فني مهم يسعى الكاتب لتقديمه بأفضل السبل الفنية الممكنة، ولكن مع تنوع كتابة السرد وأساليبه، أصبح تجاوز الحبكة ممكنا كأحد الضوابط الفنية في القصة أو الرواية.
كما يؤكد المعنيون، فإن الحَبكة هي مصطلح أدبي يقصد به مجموعة من الأحداث المتتابعة والمتسلسلة التي تتكون منها قصة ما، مع التأكيد على علاقة الأحداث ببعضها، وذلك من أجل توليد أثر عاطفي أو فني لدى القارئ أو المتابع.
والحبكة بهذا المعنى لابد من وجودها كعنصر بنائي فني مهم لكتابة الرواية أو القصة القصيرة، ويمكن وصف الحبكة بأنها العمود الفقري للنص، ويأتي هذا من ضمن الضوابط التي وضعها بعض النقاد في الغرب أو في الشرق، وهناك نظريات أدبية تناولت الحبكة بوصفها من العناصر الفنية الأساسية التي يقوم عليها النص القصصي والروائي.
عنصر التشويق في النص السردي
ويعود أصل هذه الكلمة حبكة (بفتح الحاء)، من حَبك حَبكا أي الشد الوثيق، وحبك الشيء- شده شداً وثيقاً- وفي المعجم الوجيز: أي أحكمه ويقال حَبَك الأمر أحسن تدبيره والثوب ثنى طرفه وخاطه. وفي مختار الصحاح: عن ابن الأعرابي “إن كل شيء قد أحكمته وأحسنت عمله فقد (احتبكته).
ونقرأ في تعريف الحبكة من قبل المهتمين والمعنين من النقاد، أنها تعطي كاتب القصة تصوّرا عاما عن الكيفية التي يريد من خلالها ان يقدم الحدث الذي في القصة (أو الرواية) للقرّاء، وكيفية تسلسل الاحداث مثل: الفلاش باك (أو الاسترجاع، والعودة لأحداث الماضي) حيث يختار الحدث الذي يريد تقديمه أو تأخيره لزوم التشويق أو الدراماتيكية.
ويرد في وصف الحبكة، بأنها بداية الصراع هي بداية الحبكة، والحادث المبدئي هو المرحلة الأولى في الصراع (بعد المقدمات والتعريف بالشخصيات طبعاً) ونهاية الصراع هي نهاية الحبكة، وبناء الحبكة يشبه جانبي هرم متقابلين حيث تبدأ المقدمة من أحد جانبي الهرم، والحدث المبدئي هو نقطة التسلق، وتعقد الأحداث هو منتصف الطريق وصولاً إلى الأزمة في قمة الهرم وذروته.
وهي نقطة التحول والهبوط على الجانب المقابل ومعالم الانفراج بين ذروة الهرم ومنتصف طريق الهبوط حيث ختام الحبكة عندما يمس الجانب المقابل من الهرم الأرض ويبرز هذا جلياً في المسرحيات ذات الفصول الثلاثة حالياً أو ذات الفصل الواحد.
ما الذي سينقص القصة القصيرة و الرواية، في حال خلتْ من الحبكة، أو كانت حبكتها ضعيفة؟، هذا السؤال يُطرَح في الغالب على ذوي الاهتمام والتخصص في النقد السردي، ويأتي الجواب عن أهمية الحبكة كونها بمثابة الرابط الأهم والأقوى للأحداث، وهي تساعد بل وتنقذ النصوص السردية من الترهّل، والإطناب، وبالتالي موت عنصر التشويق، وهروب القارئ من مواصلة القراءة وهي أكبر خسارة للسرد وللكاتب معا.
السرد يجمع بين الفائدة والإمتاع
السؤال الآخر ما الذي تقدمه الحبكة للنصوص السردية؟، الجواب يتمثل بطبيعة البناء الفني الذي يعطي القصة والرواية نكهة خاصة، فأما النجاح وأما الفشل، لأن أهمية الموضوع والأحداث الكبير في القصة أو الرواية، يمكن أن تفقد أهميتها في حال كانت حبكتها ضعيفة أو غائبة، بمعنى يمكن أن تضيع المتعة والفائدة معا، في حال فقدان الحبكة والتشويق.
القارئ في ظل السيل المعلوماتي الجارف، الذي يمكنه الحصول عليه بسهولة في عالم اليوم (وسائل التواصل والإعلام) وسواهما، سوف يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يضيّع وقته في قراءة قصة أو رواية غير محبكة فنيا، يريد القارئ أن يستفيد عندما يقرأ نصا سرديا ما، لكنه يريد أن يشعر بالمتعة أيضا، فالأدب الناجح هو المفيد والممتع في نفس الوقت.
وفق المدارس السردية أو الأدبية الحديثة، قد لا نجد مكانا للحبكة، لاسيما في النصوص السردية التي تذهب نحو أساليب غادرت الأسلوب البنائي التقليدي الذي يحتوي على المشكلة والعقدة وبلوغ ذروة الأحداث ثم النهاية المفتوحة أو الصادمة، ولكن طالما نحن نتحدث عن أهمية الحبكة، فلابد أن نعترف بقيمتها الفنية في البناء الروائي والقصصي,
وأخيرا لا يوجد أي عيب فني في الحبكة الناجحة، في حال تركت النهايات مفتوحة على احتمالات وآفاق فكرية إنسانية متعددة، بل على العكس من ذلك، حيث يمكن أن يشكل إشراك القراء في صنع النهايات قوة لحبكة النص، وهو أسلوب تم اعتماده من كتّاب قصة ورواية لهم حضورهم الإبداعي الكبير.