إعدادا: مجلة البيان
اعتبر ترامب أن المؤسسة الأمريكية الكبرى، تُدار من طرف “مجانين متطرفين”، مؤكداً عزمه على التخلص منهم قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن مستقبل أنشطتها.
في العشرين من يناير الماضي أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية الأمريكية مؤقتا لمدة 90 يوما، وذلك لحين إجراء مراجعات لتحديد مدى اتساقها مع أهداف سياساته. بينما يحتدم النقاش بشأن جدوى هذه والمساعدات ومدى تأثيرها على المصالح الأميركية في الساحة الدولية.
كما وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحليفه الملياردير إيلون ماسك، انتقادات حادة، الأحد، للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي جمدت الإدارة الأميركية الجديدة معظم تمويلها مؤخرا.
واعتبر ترامب أن المؤسسة الأمريكية الكبرى، تُدار من طرف “مجانين متطرفين”، مؤكداً عزمه على التخلص منهم قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن مستقبل أنشطتها.
في حين أدلى ماسك، الذي كلفه ترامب خفض الإنفاق الفدرالي الأمريكي، بسلسلة تعليقات لاذعة عبر منصته “إكس”، على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، واصفا إياها بأنها “منظمة إجرامية”.
وقال رئيس شركة “تسلا” و”سبيس إكس” في منشوره: “هل تعلمون أنه بأموال دافعي الضرائب، موّلت الوكالة.. أبحاثًا حول الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك كوفيد-19 الذي قتل ملايين الأشخاص؟”.
وفي صبيحة السبت الموافق الأول من فبراير، تم حجب موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) على الإنترنت ولم يعد بالإمكان الوصول إليه، وذلك بفعل قرار رئاسي من دونالد ترامب، شخصياً. بعد ثلاثة أيام، عاد الموقع مرةً أخرى، حاملاً رسالةً نصيةً مفادها أنّ جميع الموظفين في إجازة، وأنّ الموظفين خارج الولايات المتحدة سوف يتم تدبير عودتهم إلى البلاد في مدة أقصاها 30 يوماً. بعد يومين، تمّ إيقاف جون فورهيس، مدير الأمن في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ونائبه، عقاباً لهما على منعهما إيلون ماسك، وزير “الكفاءة الحكومية”، من الوصول إلى بيانات حسّاسة في الوكالة.
تعد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) واحدة من أبرز الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها العالمي. فمنذ تأسيسها عام 1961، لعبت دورًا محوريًا في تعظيم نفوذ الولايات المتحدة في العالم تحت مظلة تقديم المساعدات الإنسانية، ودعم التنمية الاقتصادية، وتعزيز الديمقراطية حول العالم. ولكن مع هذا الدور، تثار تساؤلات حول مدى تأثيرها الحقيقي، وهل هي وسيلة للتنمية أم مجرد أداة سياسية لتحقيق المصالح الأمريكية، ولماذا كل هذا الهجوم عليها من الإدارة الأمريكية الجديدة؟
لمحة عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية:
تقدم USAID المساعدات الإنسانية والتنموية لدول، وذلك بشكل رئيسي من خلال تمويل المنظمات غير الحكومية والحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية أو الوكالات الأخرى، وفقاً لخدمة أبحاث الكونجرس.
وتدير الوكالة ميزانية ضخمة تجاوزت 40 مليار دولار في السنة المالية 2023، أي ما يمثل من 1 بالمئة من الميزانية الفدرالية الأمريكية.
وتصل مساعداتها إلى نحو 130 دولة حول العالم، مع تركيز خاص على الدول التي تواجه أزمات إنسانية أو تنموية.
وتنفذ الوكالة مشاريعها من خلال شبكة واسعة من الشراكات، تشمل المنظمات غير الحكومية والمتعاقدين والجامعات والمنظمات الدولية والحكومات الأجنبية.
ووضعت الوكالة في مارس 2023، ثلاث أولويات رئيسية، هي: مواجهة التحديات العالمية الكبرى كحالات الطوارئ المعقدة والاستبداد والأمن الصحي، وتطوير شراكات جديدة تدعم التنمية المحلية والقطاع الخاص، وتعزيز فعالية الوكالة من خلال تطوير قدرات موظفيها وتبني البرامج القائمة على الأدلة.
هذه هي اللافتة الجاذبة التي تضعها الوكالة لتسويغ تدخلاتها في شؤون الدول ودعم نفوذها الخارجي.
وتأسست USAID عام 1961، في عهد الرئيس جون إف كينيدي، في ذروة الحرب الباردة لمواجهة النفوذ السوفيتي، خلال تلك الفترة.
وتم ترسيخ وضعها القانوني عبر قانون المساعدات الخارجية، الذي جمع عدة برامج قائمة تحت الوكالة الجديدة، والذي أقره الكونجرس، قبل أن يصدر أمر تنفيذي وقعه كينيدي لتأسيسها كوكالة مستقلة.
توظف USAID حوالي 3,800 موظف مدني دائم داخل الولايات المتحدة وخارجها، إضافة إلى أكثر من 4,000 موظف محلي في الدول المستفيدة، فضلًا عن آلاف المتعاقدين والشركات التي تنفذ المشاريع على الأرض.
الأهمية الاستراتيجية والسياسية للوكالة:
على الرغم من أن USAID تُروّج لنفسها كوكالة إنسانية بحتة، إلا أن ارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية الأمريكية يجعلها أكثر من مجرد منظمة خيرية.
1. تعزيز النفوذ الأمريكي عالميًا
تستخدم الولايات المتحدة المساعدات التنموية كوسيلة لتقوية علاقاتها مع الحكومات الحليفة.
تسعى إلى كسب قلوب وعقول الشعوب من خلال تقديم خدمات تنموية حيوية.
تعمل على إضعاف نفوذ الصين وروسيا في العديد من الدول النامية، خاصة في إفريقيا وآسيا.
2. الدبلوماسية الناعمة مقابل التدخل السياسي
تدعم USAID مشاريع الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها في بعض الأحيان تدعم حركات المعارضة ضد الأنظمة التي لا تتوافق مع السياسة الأمريكية.
في بعض الدول، أدت تدخلاتها إلى توترات سياسية، حيث تُتهم بأنها تعمل كذراع للمخابرات الأمريكية أو كوسيلة للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
على سبيل المثال، في فنزويلا وكوبا وروسيا، تم اتهامها بدعم منظمات غير حكومية معارضة للأنظمة الحاكمة.
3. التأثير على التنمية الاقتصادية
تركز وكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID على تقديم القروض والمساعدات، لكنها لا تعزز دائمًا الاكتفاء الذاتي للدول المستفيدة، مما يجعل بعض الحكومات تعتمد على المساعدات الخارجية بدلاً من بناء اقتصاد مستقل.
يتم توجيه نسبة كبيرة من المساعدات إلى الشركات الأمريكية التي تنفذ المشاريع، مما يجعلها أداة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي بقدر ما هي أداة لتنمية الدول النامية.
الانتقادات التي وجهت للوكالة
1. ازدواجية المعايير
تقدم الوكالة مساعدات للدول الحليفة، لكنها تحجب المساعدات عن الدول التي تختلف مع السياسة الأمريكية.
يتم ربط المساعدات بشروط سياسية، مثل الإصلاحات الديمقراطية أو الاقتصادية، مما يثير تساؤلات حول مدى صدق نواياها الإنسانية.
2. التأثير على السيادة الوطنية
بعض الدول ترى أن الوكالة تعمل كأداة ضغط سياسي، مما دفع بعض الحكومات إلى إغلاق مكاتبها، كما فعلت روسيا في 2012 وبوليفيا في 2013.
في بعض الأحيان، يتم استخدام المساعدات كوسيلة لإملاء السياسات الاقتصادية، مثل فرض خصخصة الشركات العامة أو فرض قوانين تجارية معينة.
ومن أمثلة ذلك تدعم الوكالة جهودًا في الأردن لحماية حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها في المجال العام، بما في ذلك إلغاء مواد قانونية تمييزية واعتماد سياسات تشجع على المشاركة الاقتصادية للمرأة.
كما أعلنت الوكالة عن التزام بقيمة 30 مليون دولار لدعم المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في أفغانستان، عام 2023 من خلال برامج تهدف إلى زيادة وصول النساء والفتيات إلى خدمات الحماية الاجتماعية وتعزيز التمكين الاقتصادي.
ويقول أحد المديرين العالمين في مشاريع الـUSAID في مصر سابقاً: يعمل 25 ألف موظف في مشاريع لوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” (USAID) في مصر، وإجمالي إنفاق الوكالة على المشاريع الاجتماعية والاقتصادية في مصر، يقترب من 300 مليون دولار سنوياً.
كما كشفت منظمة مراسلون بلا حدود أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مولت 6200 صحفي، و707 وسيلة إعلامية غير حكومية، و279 منظمة غير حكومية تركز على الإعلام في أكثر من 30 دولة في عام 2023.
وذكرت المنظمة، أن ميزانية المساعدات الخارجية الأمريكية لعام 2025 خصصت 268.4 مليون دولار لدعم “وسائل الإعلام المستقلة والتدفق الحر للمعلومات”.
وتستخدم الوكالة هذه الأموال لتوفير التدريب والدعم من أجل “تعزيز وسائل الإعلام المستقلة”، بما في ذلك المنظمات الإعلامية الكبرى ووسائل الإعلام الأصغر أو الفردية التي تعمل في ظل “ظروف قمعية”.
وأشارت منظمة مراسلون بلا حدود أيضًا إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي المانح الرئيسي لوسائل الإعلام المستقلة في أوكرانيا، حيث تعتمد تسعة من كل 10 منافذ إعلامية على الإعانات الدولية.
لماذا ينتقد ماسك الوكالة؟
في الآونة الأخيرة، وجه إيلون ماسك انتقادات حادة لبعض سياسات الحكومة الأمريكية، بما في ذلك المساعدات الخارجية. وحسبما أعلن فإن ثمة أسباب قد دفعته لمعارضتها:
1. إهدار أموال دافعي الضرائب: ماسك يعتقد أن هذه الأموال يمكن استثمارها بشكل أفضل داخل الولايات المتحدة، وأن مليارات الدولارات تذهب خارج الولايات المتحدة من دون مردود مادي مباشر.
2. الاعتماد على حلول السوق بدلاً من المساعدات: ماسك يروج لفكرة أن الابتكار التكنولوجي والاستثمار في ريادة الأعمال أكثر فاعلية من المساعدات الحكومية، وأن المساعدات الإنسانية تضر بفكرة اقتصاد السوق.
3. عدم تحقيق نتائج ملموسة: يرى ماسك أن الوكالة لم تحل المشكلات العالمية بشكل جذري، بل خلقت اعتمادية طويلة الأمد على المساعدات، هذه الاعتمادية أدت لتأخر الدول في الاعتماد على نفسها والدخول إلى المجال الاقتصادي التنافسي.
على كل حال تظل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واحدة من أقوى الأدوات التي تستخدمها واشنطن لتعزيز مصالحها عالميًا. وتحت مظلة المساعدات التنموية، فإنها تلعب أيضًا دورًا سياسيًا واضحًا في تشكيل الأنظمة الاقتصادية والسياسية في الدول المستفيدة.
لكن يبقى السؤال: هل يمكن تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة دون تدخل سياسي؟ أم أن المساعدات ستظل دائمًا مرتبطة بالمصالح الجيوسياسية؟
الإجابة تعتمد على منظور كل دولة وشعبها، وعلى قدرتها على الاستفادة من هذه المساعدات دون أن تصبح أداة في لعبة النفوذ الدولي. الإشكالية هنا أن رفض المساعدات الأمريكية أحيانا كان يعني لدى الإدارة الأمريكية رفضا لنفوذها وعليه فإن يستدعي عقوبات أمريكية للرضوخ لمطالبها.